كان القطاع التربوي العراقي يعاني من ظاهرة العنف المدرسي، حيث كان الطلاب عرضة لتعنيف متواصل من الكادر المدرسي، لكن ظهرت حالات معاكسة حين صار بعض المعلمين عرضة لعنف بعض الطلاب في حالات غريبة لم يشهد لها التعليم المدرسي الرسمي مثيلا فيما سبق من السنوات، فقد نشرت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي، حادثة الاعتداء على معلم أثناء تأديته لواجب التعليم، وقد تعرض الى عدة اصابات مما اضطر الكوادر الى اسعافه بعد إدخاله الى المشفى العام، والسبب في تعرض المعلم لهذا الهجوم هو مراقبة الطلاب في قاعة الامتحان حيث حاول منع احد الطلاب من ممارسة الغش في الامتحان النهائي، وما كان من الطالب إلا ان يواجه المعلم بالعنف والاعتداء عليه باليد ولسان.
ولو أننا نظرنا لهذه القصة من منظار خاص سنجد ان الاعتداءات التي طالت المعلمين خطيرة وتستوجب منا حماية القاعدة الاساسية في بناء المجتمع، وحتى يبقى المعلم رمزا للتعليم، علينا أن نحارب العنف ونقف امام المعتدين ونحاسبهم حتى لا تتكرر هذه الاحداث، ولتحصين المعلم وتعزيز هيبته عند الاجيال كما كان الأمر في الماضي، حيث ما زالت الذاكرة تختزن صورة المعلم وكيف كان يقف الجميع ليسلم عليه، وان حصل ورأيته في الشارع العام، كانت اقدامي تسرع بي هربا نحو الدار حتى لا يراني المعلم، وهناك صورة أخرى من الذاكرة عندما كان يتم تبليغي بأن المعلم طلبكِ فأشعر بتلك الرجفة والتردد من الذهاب، وكنت اعلم جيدا انه طلبني ليسلم لي دفتري، أما الآن ماذا حصل حتى اصبح الطلاب بهذه الجرأة!.
المعلم لا يزال رمزا موقرا
بعضهم يرمي اللوم على الزمن ويرون أنه هو السبب في التغيرات التي تحدث بواقع التعليم، ناسين ان الزمن لا يتغير، النفوس هي تغيرت مع هذه التغيرات التي غيرت حتى عقولهم، فالمعلم مازال معلما وان تغيرت المناهج، والطرق التعليمية الحديثة، لا تغني عن دورة ولا تكفي، وجميعنا يحتاج الى المعلم، كما نحتاج الى الطبيب والمهندس، وما نشاهده اليوم من الفخامة والكبرياء عندما ينادى احدهم بالدكتور الفلاني، وما يقال عندما ينادى على المعلم، فهناك فارق كبير بين الحالتين ولسنا هنا في مقال المقارنة، لكن ما نطلبه هو الانصاف في التعامل مع الطبقة العلمية، من دون الاستخفاف بأي طبقة كانت تربوية او طبيبة، حتى لا نزعزع الثقة في المعلم وانتقاد عمله، والمقارنة مع الدول المتطورة والتي لا تقاس فيها اكبر منظومة تربوية عربية، واعطاء قيمة لهذه العقول النيرة، وتسليط الضوء لمن هم قدوة في التربية والتعليم، وبذلوا اعمارهم لخرجوا جيلا صالحا، ومراعاة الظروف وكثرة الضغوط التي يواجها في مهنته، في هذه العصر التكنولوجيا وجيل الانترنت، وتعامل معهم، مما يحتاج الى صبر وقوة الى ادمغة التلاميذ التي حجرت عليها الالعاب الالكترونية ومواقع التواصل، ورغم هذه الامور مازنا نتجاهل دور المعلم ونعلق انه من واجبه، يتقاضى اجرا على مهنته، لو دققنا قليلا جميعا لدية دخل شهري، لكن هل جميعنا مخلصين لوظائفهم؟ هل جميعنا امناء على الاداء الوظيفي؟.
بعض التصرفات الخاطئة التي صدرت لا تمثل الجميع فلماذا نترك الخطأ ونشتغل في التشهير، بعض المعلمين أساءوا لأنفسهم ولمهنتهم من خلال تعنيف التلاميذ وعدم الاهتمام في الدرس والامتهان لمهنة لا تليق به، او اجبار التلاميذ على الدروس الخصوصية؟ عدم الشرح المادة بصورة كافية للتلاميذ، التعامل معهم بالقسوة وزرع الخوف في نفوسهم، وان كانت هناك سلبيات اخرى، فلماذا نتناول المقاطع التي لا تنفع وتضر وتساهم في اضعاف العلم واهله، والتشويش على البقية الصالحة.
فما هي الاسباب التي غيرت صورة المعلم عند التلاميذ، المعلم نفسه بيده ان يكون قدوة او سلع ، دور الاهل في مدى احترامهم للمعلم، وكيفية التعامل مع المرحلة التعلمية، البيئة التربوية وعدم محاسبة المخطئين، الاعتماد على الدرجات الوظيفة من دون الاهتمام بنوعية او الكيفية، عدم المطالبة بحقوق المعلمين والسماح لمن هم دونهم بالتطاول عليهم ومحاسبتهم تحت بنود العرف المجتمعي، تجاهل المجتمع بقيمة المعلم ورسالته. عدم الحاجة الى طلب العلم عن طريق المعلم والاكتفاء بالدرس الالكتروني، توفير المعلمين الغير ممارسين لعملهم واستعدادهم لعطاء الدرس وبأقل اجر. الاستهانة بالتعليم العربي واخذ الغرب نموذجا يقتدى في العلم والتطور بعدما كانوا يأتون الى بلاد العرب واخذ الدروس منهم والتعلم الطب، والبلاغة، والادب، اصبحنا اليوم نتكلم عن اختراعاتهم والتي هي موجودة عندنا وفي كتبنا ولم نشعر بها.
مكانة المعلم في القرآن والسنة
(فسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) ( يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) ورد في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم انه قال: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في جوف البحر ليصلون علي معلم الناس الخير، وقال لأبي ذر: يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة.
وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "تواضعوا لمن تعلمون منه، وتواضعوا لمن تعلمون، ولا تكونوا من جبابرة العلماء، فيغلب جهلكم علمكم".
"من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثةُ الأنبياء وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورَّثُوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر". ويبقى السؤال حائرا هنا هل ما زال المعلم رسولا في زمننا؟ هل عرفنا قيمة العلم والمعلم؟.
اضف تعليق