q

أدهم حجاج

 

ربما لم يكن أحدٌ في أواخر التسعينيات يتوقع أن يومًا سيأتي ليجد عملاقا الإنترنت – وقتها – ياهو Yahoo و إيه أو إل AOL وقد بيعا لشركة أخرى. ياهو التي ظلت واحدةً من آخر عمالقة الشركات التي شهدت الانطلاقة الأولى للإنترنت في التسعينيات كانت قد أعلنت منذ فبراير الماضي أنها تبحث عن مشترٍ لها. ظلت عملية البحث عن مشترٍ مستمرة على مدار 5 أشهر حتى أُعلن يوم الإثنين الماضي, 27 يوليو (تموز), عن استحواذ عملاق الاتصالات الأمريكي «فيرايزون Verizon» على ياهو مقابل 4.83 مليار دولار, ما يمثل أقل من 4% من القيمة السوقية لياهو عند أعلى نقطة لها في 2000 والتي بلغت 125 مليار دولار.

فيرايزون كانت قد استحوذت على AOL العام الماضي مقابل 4.4 مليار دولار, ليعلن مسؤولوها أنهم سيدمجون الشركتين – ياهو وAOL – معًا. الطريف أن (ماريسا ماير) الرئيس التنفيذي لياهو كانت قد رفضت في 2014 اقتراحًا من (تيم أرمسترونج) الرئيس التنفيذي لـ AOL بدمج الشركتين معًا للعودة للمنافسة مرة أخرى, ليتم بيع الشركتين بعدها تباعًا لنفس الشركة واليوم فإن (أرمسترونج) نفسه الذي بقي على رأس AOL سيكون المشرف على عملية الدمج بين العملاقين السابقين.

القيمة التي بيعت بها ياهو في 2017 تبلغ عُشر المبلغ الذي كان معروضًا من شركة (مايكروسوفت) لشرائها في 2007، والذي بلغ 44.6 مليار دولار إلا أن العرض ووجِه وقتها بمعارضة شديدة من (جيري يانج) الرئيس التنفيذي الأسبق لياهو.

رحلة ياهو من البداية إلى الانهيار

في عام 1994 أنشأ طالبا الدكتوراة بجامعة ستانفورد؛ التايواني «جيري يانج» والأمريكي «ديفيد فيلو» صفحة تضم كل عناوين مواقع الإنترنت المفضلة لهما تحت عنوان «دليل جيري وديفيد لشبكة الإنترنت»، لاحقًا غيرا الاسم إلى «ياهو Yahoo».

أصبحت ياهو شركة رسمية في عام 1995, كبوابة للإنترنت تحتفظ بفهرس للمواقع على شبكة الإنترنت التي كانت ما زالت في طور النشأة. في عام 1997 أصبحت ياهو ثاني أكثر المواقع زيارةً بعد AOL التي احتلت المركز الأول. ظلت أحوال الشركة في تقدم حتى وصلت لأعلى قيمة سوقية لها في عام 2000 بقيمة 125 مليار دولار. في ذلك الوقت استطاع محرك البحث جوجل أن ينتزع عرش صدارة محركات البحث وإن ظلت ياهو على قمة المواقع الأكثر زيارة.

جيري يانج وديفيد فيلو مؤسسا ياهو

لم تستطع ياهو أن تتطور مع تطور الإنترنت, فلم يعد مستخدمو الإنترنت يلجؤون لبوابة للوصول للمواقع التي يريدونها، ولكن أصبح الاعتماد الأكبر على محركات البحث. في عام 2007 رفض «جيري يانج» الذي كان قد تولى منصب الرئيس التنفيذي لياهو عرضًا سخيًا من شركة «مايكروسوفت» بشراء ياهو مقابل 44.6 مليار دولار وهو العرض الأعلى لشراء أي شركة إنترنت في العالم.

يمكن الإشارة إلى عام 2008 كبداية لسقوط ياهو بعدما أصبحت الهواتف المحمولة من الوسائل الرئيسية للولوج على مواقع الإنترنت، وهو الأمر الذي فطن له مسؤولو ياهو في وقت متأخر. في عام 2012 تمت إقالة الرئيس التنفيذي «سكوت تومسون» بعد ثبوت كذبه في السيرة الذاتية الخاصة به، وتعيين «ماريسا ماير» رئيسًا تنفيذيًا لياهو. ماير التي حصلت على الماجيستير في علوم الحاسب من جامعة ستانفورد أيضًا كانت تحتل منصبًا تنفيذيًا رفيعًا في «جوجل»، حيث كانت في المركز العشرين في السلم الوظيفي لجوجل.

حاولت ماير خلال 4 أعوام أن تعيد الحياة لياهو من جديد، فاشترت عدة شركات مثل «تامبلر Tumblr» في 2013 بمبلغ 1.1 مليار دولار. كما أنشأت عددًا من المجلات الإلكترونية المتخصصة في مجالات مثل التكنولوجيا والسفر والطبخ، وجلبت لذلك الهدف أبرز المتخصصين في كل من هذه المجالات. وحاولت ماير الاستثمار في مجال تطبيقات الهواتف المحمولة لجذب شرائح من المستخدمين الأصغر عمرًا. كما خصصت ماير قطاعًا من ألف من الموظفين للعمل على تطوير قدرات محرك البحث الخاص بياهو. بيد أن كل ذلك لم يستطع منع ياهو من الوصول إلى قدرها المحتوم ومواصلة الانهيار حتى استقر مجلس الإدارة على عرض الشركة للبيع في فبراير من هذا العام.

ماذا اشترت «فيرايزون»؟

لن تستحوذ فيرايزون على كل ما تملكه ياهو, ولكنها ستحصل على العلامة التجارية لياهو, وخدمة البريد الإليكتروني لياهو Yahoo Mail, وكل المواقع التي تمتلكها ياهو, وأدوات وتكنولوجيا الدعاية والإعلان الرقمي. كما ستستحوذ فيرايزون كذلك على منصة Tumblr للمدونات وموقع مشاركة الصور والفيديوهات «فليكر Flickr» وخدمات ياهو الرياضية Yahoo Sports والمالية Yahoo Financial. ويدخل ضمن صفقة الاستحواذ كذلك كل ما تمتلكه ياهو من عقارات ومن بينها المقر الرئيسي لياهو في «ساني فيل» بكاليفورنيا، وهو المقر الذي يقدر ثمنه بـ500 مليون دولار ويعمل به حوالي 8500 عامل.

ماذا يتبقى من ياهو؟

سيتبقى لياهو مما تمتلكه حاليًا ثلاثة أشياء لم تدخل ضمن عملية البيع وهي حصة ياهو في عملاق التجارة الإليكترونية الصيني (علي بابا Alibaba) والذي تمتلك ياهو 15% من أسهمه بقيمة 31 مليار دولار. كما لن تدخل حصة ياهو في ياهو اليابان Yahoo Japan ومحفظة براءات الاختراعات الخاصة بياهو ضمن عملية البيع. ياهو تمتلك 36% من أسهم ياهو اليابان بقيمة 8.3 مليار دولار, كما تقدر قيمة محفظة براءات الاختراعات بمليار دولار. سيتم دمج تلك الحصص في شركة واحدة سيتم إطلاق اسم جديد لم يحدد بعد عليها.

لماذا يتم بيع ياهو ولماذا انهارت من الأساس؟

أهم أسباب سقوط شركة ياهو من عملاق للانترنت إلى أن وصلت لعرض مسؤوليها لها للبيع، هو أنها لم تطور نفسها مع تطور الإنترنت وتغيره وتبدل أنماط الاستخدام. يرتبط ذلك السبب بالسبب الثاني للانهيار وهو فشل ياهو في التركيز على منتج واحد رئيسي متميز عن كل منافسيه.

أبرز منافسي ياهو اليوم هم جوجل Google وفيس بوك Facebook. الشركتان استطاعتا أن يطورا من أنفسهما مع تغير الإنترنت ليظلا على القمة. كما أن لكل شركة منهما منتجًا رئيسيًّا تعتمد عليه كلا من الشركتين كأبرز موارد للربح وكركيزة لباقى المنتجات. فمحرك البحث الخاص بجوجل ما زال على رأس موارد الربج لجوجل وألفابيت التي أصبحت جوجل جزءًا منها. كما أن المنتج الرئيسي لفيس بوك هو منصة التواصل الاجتماعي الذي يضم أكثر من مليار ونصف المليار مستخدم.

ياهو فشلت في التركيز على منتج واحد متميز, فمحرك البحث الخاص بياهو يأتي بعد محرك البحث الخاص بجوجل ومحرك Bing الخاص بشركة «مايكروسوفت Microsoft». خدمات ومنصات ياهو للتواصل الاجتماعي لا يمكنها منافسة فيس بوك أو تويتر.

أحد المحللين المتابعين لياهو قال إن سبب فشل ياهو أنها تفعل أشياء كثيرة, كل واحد منهم تفعله شركة أخرى بشكل أفضل من ياهو. كل ذلك تسبب في سقوط ياهو حتى وصلت خسائرها في العام الماضي إلى 4.4 مليار دولار.

برغم انهيار ياهو وخسائرها وعدم قدرتها على منافسة عمالقة الإنترنت الآخرين، فإن الرئيس التنفيذي لياهو ماريسا ماير صرحت في عدة لقاءات أنها يمكنها قلب الأمور داخل ياهو رأسًا على عقب والعودة من جديد للريادة لو تم منحها فترة 5 إلى 7 سنوات، وهو ما رفضه المساهمون الذين وضعوها تحت ضغط الإسراع في عملية بيع ياهو.

هل تقامر فيرايزون بشرائها لياهو؟

شركة فيرايزون هي إحدى عمالقة الاتصالات في الولايات المتحدة وتسيطر على جزء كبير من سوق الإنترنت والاتصالات اللاسلكية والخلوية والهواتف المحمولة. إلا أنها تتطلع منذ فترة إلى تطوير دورها من مجرد قناة يمر عبرها محتوى للمستخدمين تستفيد منه شركات أخرى عن طريق الإعلانات إلى شريك في سوق الدعاية والإعلانات الرقمي الذي يدر أرباحًا هائلة. وبرغم معاناة ياهو فالمواقع التابعة لها ما زالت تجذب مليار مستخدم شهريًا كما أن هناك 225 مليون مستخدم لياهو ميل. المواقع التابعة لياهو ما زالت تحتل المركز الثالث في عدد الزيارات.

كما تمتلك ياهو كذلك أدوات وتكنولوجيا متطورة للدعاية والإعلانات. المسؤولون في فيرايزون يرون أنه بدمج ذلك مع ما حصلوا عليه بشرائهم لـ AOL العام الماضي من مواقع تقدم محتوى للمستخدمين مثل «هافنجتون بوست Huffington Post» و«تك كرانش Tech Crunch» فإنهم سيستطيعون بناء أرضية جيدة في عالم الإعلان والدعاية الرقمي ربما تمكنهم من منافسة جوجل وفيس بوك اللذان يستحوذان على نصيب الأسد من سوق الدعاية الرقمية في الولايات المتحدة، والذي يبلغ حجمه قرابة المائتي مليار دولار.

الفرص التي أضاعتها ياهو

عبر رحلة امتدت 22 عامًا أضاع المسؤولون في ياهو عدة فرص ربما كانت ساعدت ياهو على مواكبة تطور شبكة الإنترنت وأنماط الاستخدام. أبرز هذه الفرص الضائعة هي فشل ياهو في شراء «يوتيوب Youtube» والذي اشترته جوجل ليضخ أرباحًا هائلة عليها من الإعلانات. كما لم يبدِ مسؤولو ياهو حماسًا كبيرًا لشراء فيس بوك في عام 2006 فقد اعتبروها شركة صغيرة لا تساوي أكثر من مليار دولار، وهو العرض الذي قوبل بالرفض من جهة فيس بوك.

أخر أبرز الفرص الضائعة هو عرض مايكروسوفت لشراء ياهو في 2007 والذي أشرنا إليه سابقًا لتباع ياهو بعُشر المبلغ بعدها بتسعة أعوام.

ماذا عن مستقبل ماريسا ماير

ماير، أعلنت أنها ستبقى في ياهو, على الأقل لبعض الوقت حتى تشرف مع (تيم أرمسترونج) على عملية دمج ياهو و AOL تحت مظلة فيرايزون. وبنهاية عام 2017 ستكون ماير قد حصلت على 218 مليون دولار من ياهو في صورة نقدية أو كأسهم سواءً كراتب أو مكافأت أو تعويضات دفعت لها خلال عملها بياهو الأربعة أعوام الماضية, الأمر الذي قد لا يدفعك للقلق كثيرًا عليها. ربما عليك القلق أكثر على مستقبل أكثر من عشرة آلاف عامل في ياهو من المؤكد أن فيرايزون ستلجأ إلى تسريح عدد كبير منهم.

اضف تعليق