توفي عالم الاجتماع والمستقبليات والمفكر الامريكي آلفين توفلر، مؤلف كتابي "صدمة المستقبل" و"الموجة الثالثة" والعديد من الكتب الاخرى، عن عمر ناهز 87 عاما في منزله بلوس انجليس.
وجاء في تصريح اصدرته الشركة الاستشارية التي اسسها - توفلر وشركائه - انه توفي في وقت متأخر من يوم الاثنين دون ان يتطرق التصريح الى سبب الوفاة.
واصبح توفلر، بفضل كتاب "صدمة المستقبل" الذي بحث فيه موضوع التغيير الاجتماعي المستقبلي في دول العالم المتحضر تحديدا، وكتبه الاخرى التي كتبها بالاشتراك مع زوجته هايدي، واحدا من ابرز المستشرفين في العصر الحديث، وكان كبار القادة العالميين والاثرياء يسعون للاستفادة من مشورته.
وكان توفلر تنبأ بدرجة كبيرة من الدقة بالتطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة - بما فيها بزوغ ونمو علم الاستنساخ والحاسوب الشخصي والانترنت - اضافة الى التأثيرات الاجتماعية التي ساعدت هذه التطورات في ظهورها ومن ضمنها العزلة الاجتماعية وانهيار دور الاسرة البيولوجية وزيادة معدلات الجريمة واستخدام المخدرات، وتغيير القيم الاجتماعية والاخلاقية السائدة.بحسب بي بي سي.
وجاء في التصريح الذي اصدرته شركته الاستشارية "تحقق الكثير من توقعاته، وثبتت صحة الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها هذه التوقعات وهي الفكرة القائلة إن اقتصادا معلوماتيا حديثا سيأخذ مكان العصر الصناعي."
والهمت كتابات توفلر العديد من القادة والزعماء ومنهم آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف ورئيس الحكومة الصينية الاسبق زهاو زيانغ.
كما يعترف بفضله الملياردير المكسيكي كارلوس سليم في مساعدته على التنبؤ بالفرص التجارية المستقبلية والتعرف عليها.
ونشر كتاب "صدمة المستقبل" في اكثر من 50 بلدا وبيعت منه اكثر من 15 مليون نسخة حسب قول موقع توفلر الالكتروني.
ويترك توفلر ورائه زوجته هايدي التي اقترن بها قبل اكثر من 60 سنة.
ومن الامور التي استشرفها الفين توفلر قبل وقتها قفزات اقتصادية وتقنية، منها الاستنساخ، وتسارع انتقال المعلومات، وزواج المثليين.
وكان يستخدم عبارة "فائض في المعلومات" التي يعاني منها كثيرون اليوم بسبب سرعة تداول المعلومات.
وجاء في بيان شركته "كثير من الامور التي استشرفها حدثت بالفعل، وتبين صحة توقعاته بشأن اقتصاد جديد قائم على المعرفة سيحل محل الاقتصاد القائم على الصناعة".
عمل نائبا لرئيس تحرير مجلة فورتشن الشهيرة. ركز توفلر في كتاباته المبكرة على التكنلوجيا وتأثيرها على الناس مثل تاثير المعلومات الزائدة أو الفائضة. ثم تحول إلى دراسة ردات الفعل والتغيرات في المجتمع.
وكانت كتاباته بعد ذلك دراسة عن تركيز الدول بشكل واضح في القرن الواحد والعشرين على تطوير المعدات العسكرية وانتشار الأسلحة وتطوير التكنلوجيا وعلى الرأسمالية. بحسب ويكيبيديا.
وصفت مؤسسة أكسنتور للاستشارات الإدارية توفلر بأنه ثالث أهم شخص بين رواد الإدارة في أمريكا بعد بيل غيتس وبيتر دراكر. كذلك أطلق عليه في الجريدة البريطانية فاينانشال تايمز بانه "أشهر عالم دراسات مستقبل في العالم".
صنفته صحيفة الشعب اليومية الصينية بين خمسين أجنبي الذين ساهموا في صياغة الصين الحديثة. وجاء في الصحيفة الصينية بالنص: "على مر تاريخ الصين الطويل، فان العصر الذي بدأ من عام 1840 تميز بأكبر وأسرع وأشرس وأعقد تغيير في تاريخ الصين. وقد كان هناك الكثير من الأجانب الذي كان يمكن أن يؤثروا في تلك الفترة بالذات. لكن بشكل عام فهناك خمسون منهم بلا شك قد قدموا أفضل واكبر تأثير برهن على الميزات التاريخية التي تصادمت بها الصين مع العالم".
يوضح توفلر افكاره عن طبيعة المجتمع بقوله: "يحتاج المجتمع إلى افراد يهتمون ويعتنون بالمسنين وكبار السن والى افراد يكونون رحماء فيما بينهم وصادقين مع بعضهم. يحتاج المجتمع إلى افراد يعملون في المستشفيات. يحتاج المجتمع إلى كل أنواع المهارات والمعارف التي لا تكتفي بكونها مهارات فنية لا غير. بل ان يكون حاملو هذه المهارات والفنيات يتمتعون بعواطف ووجدان. لا تستطيع إعمال المجتمع بالأوراق والكمبيوتر وحدهما".
ويتحدث توفلر عن أمية القرن الواحد والعشرين في كتاب "إعادة تفكير في المستقبل" ويقول: "الأميون في القرن الواحد والعشرين ليسوا من لا يقرؤون ولا يكتبون، لكن أميي القرن الجديد هم الذين ليست عندهم قابلية تعلم الشيء ثم مسح ما تعلموه ثم تعلمه مرة أخرى".
في كتابه الأشهر "الموجة الثالثة" يبين توفلر ثلاثة أنواع من المجتمعات، مستندا على مفهوم يسميه "الموجات". فكل موجة تزيح طبيعة المجتمعات وطبيعة الثقافات السابقة عليها جانبا.
الموجة الأولى هي مجتمع ما بعد الثورة الزراعية الذي أزاح وتجاوز ثقافة مجتمع الصيد.
أما الموجة الثانية فهي المجتمع أثناء الثورة الصناعية. التي يرجع تاريخها تقريبا إلى أواخر القرن السابع عشر وحتى أواسط القرن العشرين.
المكونات الرئيسية لمجتمع الموجة 3 هي الأسرة النووية أو الأسرة النواة، نظام التعليم المصطنع ونظام المؤسسات التجارية. يقول توفلر عن هذا الموضوع: "مجتمع الموجة الثانية مجتمع صناعي قام أساسات عديدة. قام على الإنتاج الضخم، والتوزيع الواسع المجال، وعلى الاستهلاك الكبير، التعليم الإلزامي، ووسائل الإعلام ذات الجمهور العريض، وانتشار وسائل التسلية والترفيه، حتى نصل إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل. ثم تجتمع هذه الأساسات مع مفاهيم مثل توحيد المقاييس أو التوحيد المعياري، ومفهوم المركزية، ونظام التواصل والتزامن السريع. ثم نخرج بنموذج تنظيمي إداري ندعوه البيروقراطية".
من كتبه:
صدمة المستقبل
الموجة الثالثة
تحول السلطة
الحرب ضد الحرب
الثروة واقتصاد المعرفة
صدر كتابه (صدمة المستقبل) عام 1970م وهو كتابه الثالث لكنه اللافت والمثير وبعد عشر سنوات أصدر كتابه الرابع (حضارة الموجة الثالثة) ثم بعد عشر سنوات أخرى أصدر كتابه الخامس (تحول السلطة) ثم كتابه السادس (حضارة المعلومات وما قبلها).
ولكي ينجز كتابه (صدمة المستقبل) بَذَل جهداً كثيفاً وعميقاً ومتسعاً فارتاد كما يقول: عشرات من الجامعات ومراكز البحث والمعامل والمؤسسات الحكومية وقابلت مئات من الخبراء في مختلف النواحي وكان من بين من قابلت علماء حائزون لجائزة نوبل ومتخصصون نفسيون وهيبييون وأطباء ورجال أعمال ومستقبليون محترفون وفلاسفة ومعلمون.
صراعات ونظريات المستقبل
وفي كتابه (أشكال الصراعات المقبلة.. حضارة المعلوماتية وما قبلها)، فإنه من اجل ابرياء الغد الذين سيقتلون ويموتون لاسباب لن يفهموها.. انه كتاب عن السلام.. وهذا يعني انه كتاب عن الحرب في الظروف الجديدة والغريبة التي نحن بصدد صنعها في سباقنا نحو مستقبل مجهول..
والحال يبدو إننا نغرق في عصور وسطى جديدة تملؤها الكراهيات العصبوية ويعم خرابها أنحاء المعمورة وتتالى فيها الحروب.. والطريقة التي سنتبعها في مواجهة هذا العنف المتفجر ستحدد إلى حد كبير كيف سيعيش اطفالنا، وربما، كيف سيموتون..
سبقت هذا الكتاب ثلاثة كتب صدرت في فترات متفاوتة بدأت في منتصف الثمانينات بكتاب (صدمة المستقبل) وتبعه كتاب (حضارة الموجة الثالثة) ثم كتاب (تحول السلطة)..
وشكلت أبحاث الكتب الثلاثة مدرسة منهجية جديدة ومغايرة للعلوم الاجتماعية والسياسية، حيث ربط المؤلف في هذه الأبحاث بين النقد لما هو مطروح من نظريات، واستشفافاً لتطور هذه النظريات في المستقبل.
حاول توفلر من خلال نظريته التي تمحورت الكتب الثلاثة حولها أن يثبت أن المجتمعات الحالية تنقسم في حقيقة الأمر إلى ثلاثة مجتمعات أو ثلاث حضارات هي مجتمع الموجة الأولى (أي الحضارة الزراعية والرعوية) ومجتمع الموجة الثانية (أي المجتمع الصناعي الحديث) ومجتمع الموجة الثالثة (أي مجتمع المعلوماتية والتقانية)، وقد حاول دراسة هذه المجتمعات وتصادمها فيما بينها..
فلكل موجة من هذه الموجات حسب توفلر، ثقافتها وعلومها واقتصادها وادوات انتاجها ومعرفتها.. وهي بطبيعتها تتصادم مع بعضها نتيجة تصادم المصالح.. والحال أن هذه التناقضات أو التصادم يؤدي إلى نمو فئات واختلاف طرق ويؤول بالتالي إلى شكل جديد من التصادم والصراع.. وكما تتصارع مجتمعات الموجات الثلاث تتصارع علومها وثقافاتها ودولها وافكارها..
وعبر الزمن، تستمر الحروب الماضية في التأثير على حياتنا اليومية. ففيض الدماء التي جرت منذ قرون عدة لأسباب نسيناها، والاجسام المحترقة المحطمة، أو التي بددها ضغط الانفجار، والاطفال الذي تحولوا إلى بطون منتفخة فوق أعضاء ناحلة، كل ذلك صاغ العالم الذي نحن فيه. وحروب المستقبل المتوقعة أو حتى المتخيلة يمكن أن تكلفنا مزيداً من الضرائب.
لو سألنا راشدين مطلعين حول الصراعات التي تتالت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لما وجدنا أية صعوبة في الإشارة إلى الحرب الكورية (1950-1953) والحرب الفيتنامية (1957-1975) والحروب العربية الإسرائيلية (1967-1973-1982) وحرب الخليج (1990-1991) وغيرها من الحروب ربما..
إلا أن القليلين يعرفون انه هناك ما بين 150 و160 صراعاً وحرباً أهلية اندلعت في أنحاء العالم بعد استتاب السلام في العام 1945.. وإننا نقدر عدد الجنود الذين قتلوا خلالها بـ(7,000,000) دون حساب الجرحى والذين اخضعوا للتعذيب والمشوهين. وهذا الإحصاء لا يأخذ في الاعتبار عدد الجرحى الهائل الذين قتلوا، أو أولئك الذين ماتوا بعد نهاية المعارك.
ومن سخرية التاريخ أن عدد الجنود الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى يتجاوز ذلك بقليل: (8,400,000) تقريباً. وهذا يعني بطريقة مدهشة، بالنسبة إلى عدد الذين ماتوا في المعارك، ومع تركنا هامشاً كبيراً للخطأ، فإن العالم خاض ما يعادل الحرب العالمية الأولى منذ العام 1945، وحتى الآن.
وإذا اضفنا إلى هذه الاعداد، الضحايا المدنيين، فإننا نصل إلى حاصل فلكي يتراوح ما بين 33 و40 مليون من القتلى، وهنا أيضا دون احصاء الاعداد الكبيرة من الأشخاص الجرحى، أو الذين اغتصبوا أو شوهوا، وأولئك الذين تركتهم الحرب مرضى أو اكثر فقراً مما كانوا عليه.. وإذا كانت الأمم المتحدة تعد اليوم ما يقارب المائتي عضواً، فإن اكثر من ستين بلداً منها اكتوت بنار الحرب.. وقد احصت مؤسسة السلام العالمية للابحاث في استوكهولم 31 صراعاً مسلحاً دار خلال العام 1990 وحده.
وفي الواقع، فان الكرة الأرضية لم تعرف خلال الـ2340 اسبوعاً الممتدة بين 1945 و1990 كحد أقصى، سوى ثلاثة اسابيع من دون حرب..
في الفصل العاشر من القسم الثالث، يقدم توفلر رؤية استشرافية حول المستقبل وشكل الحروب منه..
فثمة تغيرات اكثر أهمية توشك أن تحول الحروب والحروب المضادة، وتطرح على كل أولئك الذين يحاولون تحقيق السلام أو ارساءه أسئلة جديدة وغريبة، بعضها يتاخم الخيالي..
كيف سيكون على العالم مواجهة (الحروب الصغيرة) التي لا تكف عن الاندلاع؟ من سيسيطر على الفضاء الخارجي؟ هل يمكن التنبؤ أو احتواء حروب دامية تخاض في ميادين قتال تزدحم بـ(الحقائق الصورية) و(الذكاء الاصطناعي) واسلحة مستقلة بذاتها.. اسلحة ما إن تبرمج حتى تقرر من تلقاء نفسها متى تضرب ومن تضرب؟ هل على العالم أن يحظر - أو يعانق - فئة كاملة وجديدة من الأسلحة المعدة لحرب من دون إراقة دماء؟ إن شكلاً جديداً من الحرب لا ينبثق كاملاً مكملاً من فكره، مهما كانت صحتها.. ولا يخرج من دراسة بعد فوات الاوان بوقوع حرب واحدة. وبما انه على حوزة نظام جديد في تكوين الثروات وفي الحقيقة على صورة حضارة جديدة، فانه يظهر ويتطور أيضا بمقدار ما يشكل هذا النظام وتلك الحضارة ويغيران العالم.
هكذا فإن حرب الموجة الثالثة كما الحرب - المضادة للموجة الثالثة - سترتهنان اكثر فاكثر بالاعمال التي ستجري في ما يتعدى الأرض.. وإرساء السلام على سبيل الوقاية يجبرنا أن ننظر إلى ما يتعدى الزمن الحاضر.. وليست المسألة تتعلق ببساطة بالدولارات وإنما تتعلق بقدر الإنسانية.
وفيما لو لم يستطع المضادون للحرب، دفع العالم للاتفاق على تدابير وقائية، فإن اطفالنا سيرون بدون شك التنافس الفضائي يأخذ ابعاداً اكثر عظمة وخطورة بكثير مما هو عليه راهناً.
لا شك أن العالم على وشك أن يشهد ظهور سباق تسلح جديد؛ البحث عن أسلحة تسجل حداً أدنى لا حداً أقصى في درجة قتلها.. وإذا كان ذلك كذلك، فالعالم يكون قد تسلّف ديناً من ثنائي لم يأل جهداً منذ سنوات، وفي جو من السرية، لجعل فن الحرب (صامتة) واقل افناءاً إلى حد لا نهائي..
جنود المعلوماتية
عن هذه العتبة الجديدة يقول عنها توفلر:
بينما يتكون شكل حرب الموجة الثالثة، تبدأ سلالة جديدة من (جنود المعلوماتية) بالانتشار: مثقفون بلباس عسكري أو من دونه يكرسون أنفسهم لفكرة انه يمكن للمعرفة أن تربح حروباً أو تحول دون اندلاعها.
واستراتيجيو المعرفة العسكرية المستقبلية، يستطيعون جيداً تصور سياسات مرهقة وعلى المدى الطويل، بغية امتصاص، لمصلحة بلدهم، جزء من القوة الذهنية للبلدان المستهدفة.. وبخلاف ذلك، ستتضمن اسستراتيجيات المعرفة اكثر فأكثر مشاريع معدة لتثبيط عزيمة أو منع رجال العلم أو مهندسين لا يستغنى عنهم من الالتحاق بمعسكر الخصوم المحتملين.
وفي خلال العقود المقبلة سيضطلع عدد من افضل الادمغة العسكرية بمهمة تعريف افضل لمكونات حرب المعرفة، وتحديد هوية اللوحة المعقدة لعلاقاتها المتبادلة وإعداد (نماذج معرفة) فاتحين بذلك أمام خيارات استراتيجية.. وستولد من هذا الرحم استراتيجيات معرفة طبقاً للأصول الواجبة.
فاعداد استراتيجيات المعرفة، هو المرحلة المقبلة لتطور شكل حرب الموجة الثالثة، هذا الشكل الذي ينبغي أن يعكس شكل سلام الغد..
من افكاره
- ان القوة في القرن الواحد والعشرين لن تكون في المعايير الاقتصادية أو العسكرية ولكنها تكمن في العنصر K (المعرفة knowledge) بعد كانت المعرفة مجرد إضافة إلى سلطة المال والعضلات باتت اليوم في جوهرها الحقيقي فالقوة العسكرية ترتبط مباشرة بالقدرة التكنولوجية أي المعرفة التي تكتنزها وعلى عكس العناصر الاقتصادية والعسكرية فان المعرفة لا حدود لها ولا تنضب.
- المعرفة كوسيلة تختلف عن كل الوسائل الأخرى إنها لا تنضب ويمكن استخدامها من قبل الطرفين، وجزء محدود من المعلومات يمكن ان يعطي أفضلية استراتيجية وتكتيكية هائلة ويمكن ان يؤدي حجزه إلى نتائج كارثية.
- وفي الوقت الذي تنتقل فيه أجزاء كثيرة من العالم من مرحلة العصر الصناعي إلى مرحلة ما بعد العصر الصناعي، فإن الاختراعات الاجتماعية سوف تكون مماثلة في الأهمية للتقنيات الجديدة إن لم تفقها في الأهمية. ولقد حان الوقت للاعتراف بشيئين: التقادم المتزايد للبُنى الاجتماعية التي نعتمد عليها، وأن المخترعين الاجتماعيين سيكونون هم أبطال الغد.
- البزوغ للاقتصادات يحتاج إلى عاملين قادرين على التفكير المستقل، وعلى إنتاج أفكار جديدة، في ظل ظروف وقواعد عمل متغيرة على الدوام، بما في ذلك عمليات إعادة الهيكلة والتشكيل التنظيمية المتكررة، والتقديم المتواصل لاتفاقيات جديدة، وحلقات الوصل المتغيرة على الدوام، مع المنظمات التي تتراوح ما بين الوكالات الحكومية والمجموعات غير الحكومية.
- والشيء المفتقد في تلك المقترحات، هو تلك الأفكار الإبداعية اللازمة للمؤسسات والسياسات الأكثر ملاءمة للمستقبل. ولاجتراح هذه الأفكار فإننا نحتاج إلى إطلاق ملكات الخيال، والقوة الذهنية للمجددين الاجتماعيين.
- في الوقت الذي تنتقل فيه أجزاء كثيرة من العالم من مرحلة العصر الصناعي إلى مرحلة ما بعد العصر الصناعي، فإن الاختراعات الاجتماعية سوف تكون مماثلة في الأهمية للتقنيات الجديدة إن لم تفقها في الأهمية. ولقد حان الوقت للاعتراف بشيئين: التقادم المتزايد للبُنى الاجتماعية التي نعتمد عليها، وأن المخترعين الاجتماعيين سيكونون هم أبطال الغد.
- قلما تيسرت لعملية صنع القرار أن ترتقي إلى مستوى السرعة التي يتطلبها إحداث التغيير في أي مجتمع ما. بل كثيراً ما يطرأ تغيير على دوافع ومسببات التغيير المطلوب نفسها، بحلول اللحظة التي تصطف فيها القوى الراغبة في التغيير، ضد العقبات التي تعترض طريقها. وعليه ففي الغالب الأعم ستأتي النتائج الأخيرة للتغيير، أدنى من الأماني والوعود المباعة بكثير.
- من أكبر المخاطر التي ترافق مشروعات البنية التحتية، الخطر المتعلق بالاعتماد على افتراضات ونماذج ومقاولين ينتمون إلى الموجة الثانية الصناعية، في وقت يمكن للتقنيات والأساليب المنتمية للموجة الثالثة من التقدم، إعداد الشركات والدول بشكل أفضل لمتطلبات المستقبل.
- إن الفشل في الاستفادة من إمكانيات الموجة الثالثة اليوم، والفشل في توقع أشكال التقدم التقني المستقبلي المرتبطة بها، لا بد أن يقود إلى هدر غير ضروري، وإلى مزيد من الدمار البيئي، وإلى حركات تهجير اجتماعي غير ضرورية.
- إذا ما نظرنا إلى المستقبل، فالسؤال الذي لا بد أن يخطر على أذهاننا هو: لماذا يفترض مصممو مشروعات البنية التحتية المستقبلية في الخطط التي يضعونها، أن البشر سيستمرون في استخدام نفس النوع من الحاويات خلال 25 عاما القادمة؟
- لقد وُجد الإنسان قبل وجود "الأمم" بفترة طويلة؛ وقد يأتي وقت سيتعين علينا أن نتعلم فيه كيفية العيش والتطور في زمن ما بعد الأمم؛ ذلك أنه في الوقت الذي يعقد فيه زعماء الدول المؤتمرات ويلعبون اللعب الدبلوماسية، ينتقل عدد متزايد من الأنشطة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية المهمة خارج سلطة وقوانين الدول- الأمم.
- إن النظام القديم يتم استبداله اليوم بلوحة لعب جديدة متعددة المستويات يشارك فيها لاعبون كثيرون ينشطون على مستويات كثيرة ومختلفة، وبسرعة ستجد الدول -وزعماؤها- صعوبة في التعامل معها. ذلك أن اللعبات العالمية الخطيرة للقرن الحادي والعشرين لم تعد تقتصر على الدبلوماسيين أو المحاربين فقط.
- نظراً لأننا نعيش في الحاضر، فإن الأحداث الحالية تتجسد في وعينا بحجم أكبر بكثير من أحداث مماثلة وربما أكثر أهمية وقعت في الماضي، أو يحتمل أن تقع في المستقبل. أما عندما نقوم بوضع هذه الأشياء حسب أهميتها النسبية فإن الوضع سيكون مختلفاً.
- تقنية "النانو" ستقوم بتغيير شكل صناعة الدواء والصناعة عموماً والجيوش والبيئة وعشرات الحقول غير ذلك تغييراً تاماً.
- ثقافة النهوض بعد السقوط: من بين العوامل الأخرى التي تؤثر على مستوى إبداعية دولة ما، ذلك الخاص بثقافة تلك الدولة والمواقف القانونية من الفشل. فهناك دول تعتبر أن الفشل في شيء ما ليس مجهوداً ضائعاً بل إنه وسيلة للتعلم، فتتيح لمن يفشل الفرصة كي يحاول مجدداً،
- إن أي حكومة لديها الرغبة في تدعيم مستوى الابتكار والإبداع لديها يجب أن تواجه هذه الحقيقة. إن هذا الابتكار والإبداع سيتقدم بخطى أسرع إذا تم تداول البيانات والمعلومات بمعدلات أسرع وبحرية كاملة وإن القيود على تداول المعلومات والبيانات وبطء حركتها ستؤدي إلى بطء حركة الإبداع.
- يمكننا أن نقول إنه من بين الخصائص المميزة لعصرنا الحالي تلك الخاصية المتعلقة بتسريع معدل التغيير في مجال الأعمال وخصوصاً التمويل. ومن بين التداعيات الرئيسية التي ترتبت على ذلك صفة عدم الصبر الذي أصبح يتسم بها المستثمر، والضغط المتزايد ليس من أجل الحصول على عوائد ولكن من أجل الحصول عليها بوتيرة سرعة تزداد بشكل دائم.
- قد يبدو ما أقوله متناقضاً.. ولكن الدول والشركات التي تقلل من درجة التركيز على البحوث الأساسية، تقوم بتسريع وتيرة البحوث عند القاع وإبطائها عند القمة -وهي التي تهم حقاً- وهي بذلك تقوم بإبطاء معدل سرعة ذلك النوع من البحوث، الذي يؤدي إلى تسريع وصول المستقبل.
- إذا ما وضعنا كل تلك التغيرات في إطار واحد، فسيتبين لنا بوضوح أننا بصدد اختراع شيء جديد على ظهر الأرض وأن هذا الشيء يتمثل تحديداً في نظام ثوري لإنتاج الثروة.
- سيتعين على علماء الاقتصاد من أجل التكيف مع الأهمية المتزايدة للمعرفة، أن يقوموا بتقسيم تلك المعرفة إلى أنماط فرعية: فالمعرفة ليست واحدة، وليست لدى أنواعها المختلفة قدرة متساوية على إنتاج الثروة.
- متى يكون ما مضى قد مضى بالفعل؟ ومتى يتحرر الأبناء من ذنوب وآثام آبائهم؟ ومتى ستأتي لحظة التحرر من سجن الماضي، إلى تركيز الانتباه كله على المستقبل؟ فالتاريخ أينما كان، ليس سوى تعاقب لا ينتهي من الفظائع والسرقات والقهر، والعبودية وجرائم القتل الجماعي وغيرها من الأهوال. ويصرخ القلب مطالبا بتحقيق العدالة للملايين إثر الملايين من ضحايا تلك الأهوال. ولكن متى تحين اللحظة التي نقول فيها كفانا ما حدث؟
- إن فكرة نسيان الذاكرة الجيلية، فكرة مهمة، يمكن لنا من خلالها فهم الرؤى المتصارعة في العالم الآن، والتوجهات السياسية الغريبة لبعض عناصر الجيل الجديد الذي يتحرك الآن لتولي المناصب والسلطة.
- الوهم الأكبر، في واقع الأمر، يتمثل في الاعتقاد بوجود تعريف أزلي وثابت للديمقراطية، وأنه صالح لكافة الأزمنة والأمكنة.
- اننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، الذي يشهد تسارعاً هائلاً في التطور التكنولوجي، وتزداد فيه أعداد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10-12 عاماً، من الذين يتفوقون في معارفهم وخبراتهم التكنولوجية المتقدمة على آبائهم أنفسهم. وفي هذا ما يحدث تغييراً جوهرياً على مفهوم الديمقراطية وممارستها بكل تأكيد. بل الذي نتوقعه وفق هذا التحول المتسارع للفهم، ألا يظل تعريفنا للديمقراطية اليوم، كما هو خلال السنوات المقبلة الحاشدة بالتطورات والمفاجآت.
اضف تعليق