استعان فريق من الباحثين بأحد نماذج الذكاء الاصطناعي لاستكشاف أفضل طريقة لتجميع شبكة من الذرات بسرعة، وهي الشبكة التي قد تُصبح يومًا ما بمثابة "دماغ" للحاسوب الكَمِّي. ولإظهار السرعة التي يتمتع بها هذا النموذج في إعادة ترتيب الذرات، استُخدم النظام أيضًا لإنشاء رسوم متحركة...

يومًا بعد يوم، يزداد اعتماد الباحثين على أدوات الذكاء الاصطناعي في كتابة الأوراق البحثية، ومراجعة الدراسات السابقة، وحتى تصميم التجارب المخبرية. واليوم يمكن للباحثين أن يضيفوا إلى القائمة مهمةً أخرى: تحسين أداء الحوسبة الكَمِّية.

استعان فريق من الباحثين بأحد نماذج الذكاء الاصطناعي لاستكشاف أفضل طريقة لتجميع شبكة من الذرات بسرعة، وهي الشبكة التي قد تُصبح يومًا ما بمثابة "دماغ" للحاسوب الكَمِّي. ولإظهار السرعة التي يتمتع بها هذا النموذج في إعادة ترتيب الذرات، استُخدم النظام أيضًا لإنشاء رسوم متحركة مصغّرة لـ«قطة شرودنجر». وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في أغسطس الماضي بدورية «فيزيكال ريفيو ليترز» Physical Review Letters1.

ذكر جيان-وي بان، الفيزيائي بجامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين، أن الفريق بدأ يلتفت إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تسريع بناء هذه "المصفوفات الذرية المحايدة" بعد أن حصل أحد طلابه السابقين على وظيفة في مختبر للذكاء الاصطناعي. يقول: "تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة العلم يُعد اتجاهًا صاعدًا بقوة لمعالجة المشكلات العلمية المعقدة". وأحد أكبر التحديات التي تواجه استخدام مصفوفات الذرات في الحوسبة الكَمِّية يتمثل في معرفة كيفية إعادة ترتيبها بطريقة "فعّالة، وسريعة، وقابلة للتوسع". وقد أوجد الذكاء الاصطناعي حلًا ناجعًا – وسريعًا – لهذه المعضلة وبسرعة.

اللعب بالذرات

تعمل الحواسيب التقليدية بالاعتماد على ما يُعرف بالنظام الرقمي الثنائي، أو ثنائي البتَّات (0، و1). أما الحواسيب الكَمِّية فتستخدم البتَّات الكَمِّية أو «الكيوبِتّات» qubits التي يمكن وضعها في حالة «تراكُب»، تجمع بين الحالتين (0 و1) في الوقت نفسه. وتعتمد العمليات الحسابية على تشابك «الكيوبِتات»، أي ترابط حالاتها الكمّية.

ولإنشاء «الكيوبتّات»، استعان الباحثون خلال الفترة الماضية بمواد من قبيل الدوائر فائقة التوصيل، والأيونات الحبيسة، وشبكات الذرات المحايدة التي تتميّز بقدرتها على الحفاظ على حالتها الكمّية لمدة طويلة نسبيًا. وللاستفادة من الذرات بوصفها «كيوبِتات»، يعمد الباحثون إلى احتجاز الذرات بواسطة أشعة الليزر، وتخزين المعلومات الكمّية في مستويات طاقة إلكتروناتها.

ويعلق العلماء آمالهم على أن يؤدي استخدام عدد كافٍ من الذرات إلى تمكين الحاسوب الكَمِّي في المستقبل من تجاوز الأخطاء الشائعة في هذه الأنظمة، ليتمكن أخيرًا من إجراء حسابات يتعذَّر على الحواسيب التقليدية أداؤها.

وقد أقدم بان وزملاؤه على تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الذي طوَّروه، بتعليمه كيف يعيد توزيع ذرات الروبيديوم لتكوين شبكات متعددة الأشكال باستخدام أنماط متنوّعة من أشعة الليزر. واستطاع النموذج، وبسرعة لافتة، استنتاج النمط المناسب من الضوء اللازم لإعادة ترتيب الذرات، حسب موقع البدء لكل منها، لتصنع أشكالًا ثنائية وثلاثية الأبعاد.

تمكّن الباحثون باستخدام نموذجهم من تجميع مصفوفة تصل إلى 2024 ذرة روبيديوم في غضون 60 مللي ثانية فقط. وكان فريق آخر قد جمع العام الماضي نحو 800 ذرة محايدة2، لكن العملية استغرقت ثانية كاملة من دون الاستعانة بالذكاء الاصطناعي. أما في مقطع الفيديو الذي يُظهر «قطة شرودنجر»، فقد وجَّه نظام الذكاء الاصطناعي أشعة الليزر لنقل الذرات لتشكيل الأنماط المطلوبة، وأصبحت الذرات مرئية عند إصدارها للضوء استجابةً لنبضات الليزر.

نموّ مطَّرد

عادةً ما يتطلب توليد النمط الضوئي (الهولوجرام) الذي يحدد كيفية ترتيب المصفوفات الذرية المحايدة سلسلة من الحسابات المضنية. يقول مارك سافمان، الفيزيائي بجامعة ويسكونسن–ماديسون: "إجراء تلك الحسابات مع زيادة حجم المصفوفات يستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا، ولهذا نال هذا العمل إعجابي وإعجاب الكثيرين من زملائي".

أما جونهي تشوي، الباحث الذي يدرس الحوسبة الكَمِّية بجامعة ستانفورد الأمريكية، فيقول: "كلما زاد حجم المصفوفة، واجهنا تحديًا أكبر في حساب حلول إعادة ترتيب الذرات". ووصف الدراسة الجديدة بأنها "تسترعي الانتباه"، مضيفًا: "بفضل هذا الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكاننا ابتكار خوارزميات أفضل لإعادة ترتيب المصفوفات على نطاق واسع".

وكشف بان أن فرقًا بحثية أخرى تواصلت مع فريقه للاستفسار عن منهجيته، بل وتمكنت من إعادة التجربة والتوصُّل إلى ذات النتائج بنجاح.

ومع ذلك، يبقى الحاسوب الكَمِّي العملي والقابل للاستخدام، سواء بالاعتماد على الذرات المحايدة أو غيره من الأنظمة القائمة على الكيوبِتات، هدفًا بعيد المنال. فقد يتطلب إجراء الحسابات المعقّدة بحدٍّ أدنى من الأخطاء حاسوبًا يحتوي على نحو مليون ذرة؛ وهو عدد يفوق بكثير الألفي ذرة التي جُمعت في هذه الدراسة، كما يوضح سافمان.

لكن في الوقت الذي يسعى فيه الفيزيائيون على بلوغ هذه الأعداد الهائلة، يؤكد بان أن نموذج الذكاء الاصطناعي لن يواجه مشكلة في مجاراة ذلك التطور. وهو يرى أن إضافة المزيد من الذرات لن يبطئ "عملية التفكير" الاصطناعية؛ ما يعني أن هذه الطريقة "قابلة للنمو والتوسُّع بسهولة إلى عشرة آلاف أو حتى مئة ألف ذرة في المستقبل".

* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 15 أغسطس 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.154

1.  Lin R. et al. Phys. Rev. Lett. 135, 060602 (2025).

2.  Pichard, G. et al. Phys. Rev. Appl. 22, 024073 (2024).

اضف تعليق