نشاهد بعض المقاطع الفيديوية لمسؤولين تشعر وكأنها اُنتجت للشبكات الاجتماعية وان المسؤول على علم بحجم الانتشار الواسع الذي سيكون لها، اذ اخذوا يتحكمون بمشاعر والجماهير عبر التصريحات المخلفة والتي تهم في اغلب الأحيان شريحة عريضة من شرائح المجتمع يأتي من ضمنها شريحة الرعاية الاجتماعية وغيرهم...

تضع بعض وسائل الإعلام التقليدية الكثير من المحددات والموانع لظهور بعض الشخصيات السياسية التي عادة ما تثير الجدل او تتهم جهة على حساب أخرى، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وثبات عضدها باعتبارها منصات إعلامية رصينة استخدمت من قبل السياسيين كأداة للتواصل مع شرائح المجتمع من الجمهور المؤيد والمعارض.

لقد غيرت مواقع التواصل الاجتماعي قواعد اللعبة بين وسائل الإعلام والسياسيين، فلم تعد النخب السياسية كما كانت في العقود الماضية بحاجة مباشرة الى المحطات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، فكل شخصية سياسية مهمة وضعت لها منصة على مواقع التواصل الاجتماعي لتكون نافذة تطل من خلالها على الجمهور.

بينما في السنوات القريبة الماضية، تتحكم وسائل الإعلام وحسب ميول ومزاج مالكيها ومموليها بظهور هذه الشخصية وتمنع تلك، على الرغم من طرحها المعتدل، لكن بعض المؤسسات الصحفية لا تبحث عن أي توازن، تسعى ببرامجها المنوعة الى زعزعة الامن وتأليب الرأي العام على الحكومة او جهة سياسية معينة.

لقد وفرّت مواقع الشبكات الاجتماعية مساحة او فرصة كبيرة لبعض السياسيين من الظهور دون القيود المفروضة من قبل حرّاس البوابات في الوسائل القديمة، ويطلقون التصريحات عبرها، وكثيرا ما يتابع الافراد الاحداث والمواقف الدولية من خلال التغريدات لكبار الزعماء الدوليين.

فمثلا تعرف وسائل الإعلام موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إزاء السياسية الإيرانية في المنطقة او موقفه من الحرب على غزة وغيرها من الاحداث العالمية، عن طريق تغريدة على موقع "إكس"، ومن ثم تحول هذه التغريدات التي يدلي بها رؤساء الدول وغيرهم من المسؤولين الى مواد إعلامية جاهزة للنشرات الإخبارية.

علاوة على ذلك فأن هذه التصريحات التي تصدر عبر الحسابات الشخصية للسياسيين يمكن تبنى عليها مواقف دولية، ذلك انها تحمل الصفة الرسمية، ويمكن اعتمادها من قبل الأطراف او المحاور الدولية الأخرى، وبذلك فقط أعطيت مواقع التواصل الاجتماعي صفة الجدية ولم ينظر اليها على انها مجرد فضاء للحديث والثرثرة غير المحسوبة.

ونتيجة لهذه الصفة او الصبغة التي حصلت عليها مواقع الشبكات الاجتماعية، فقد حظيت بعض الصفحات بملايين المتابعين الراغبين بمجاراة الاحداث الدولية سواء كانو محللين سياسيين او مهتمين في الشأن السياسي على المستوى المحيط الإقليمي والدولي.

هذه القوة تأتي من اعتماد هذه الصفحات على مصادر موثوقة من حيث المعلومات والاخبار المنشورة، وقد يكون من جعلها بهذه المكانة لدى الجماهير قربها من مصدر القرار، ولذلك تابع بدرجة كبيرة من وسائل الإعلام التقليدية ومهتم بها من ناحية السياسيين الذين يبحثون عن منصات أكثر شهرة وانتشار لنشر آرائهم.

لقد وفرت الحسابات الشخصية للسياسيين الكثير على المتابعين، فلم يلجأ الفرد الى معرفة الحقيقة او الاطلاع على الاخبار من الوسائل التقليدية التي احتكرت المعلومات لعقود من الزمن، حتى شهدنا عصر النهضة الرقمية وظهور الشبكات الاجتماعية التي فتت الجماهير وقللت من أهمية القديم من الوسائل.

ومن التحولات في المناخ السياسي هي ان الشخصية السياسية أصبحت تقابل ملايين الافراد يوميا عبر الفضاء الرقمي عن طريق حسابه الشخصي، وهذا بطبيعة الحال يزيد من عنصر الثقة بينه وجمهوره بعيدا عن الاستقطاع والتأويل الذي تقوم به الوسائل التقليدية عادة، تحاول ان تحرف المضمون الإعلامي عن مساره.

ومن التحولات الأخرى في هذا الصدد ظهور نمط جديد من السياسيين الذين يجيدون استخدام منصات التواصل الاجتماعي ويفهمون قواعد اللعبة الجديدة، لقد أفرز هذا الانقلاب الرقمي سلالة جديدة من السياسيين الذين يتقنون لعبة التريند وصناعة المحتويات التي تصلح للانتشار.

نشاهد بعض المقاطع الفيديوية لمسؤولين تشعر وكأنها اُنتجت للشبكات الاجتماعية وان المسؤول على علم بحجم الانتشار الواسع الذي سيكون لها، اذ اخذوا يتحكمون بمشاعر والجماهير عبر التصريحات المخلفة والتي تهم في اغلب الأحيان شريحة عريضة من شرائح المجتمع يأتي من ضمنها شريحة الرعاية الاجتماعية وغيرهم، وهنا ندرك أهمية هذه الوسائل في تحولها الى منصات سياسية الى جانب وظائفها الأخرى.

اضف تعليق