بعد عام من تداول القضية في أروقة المحاكم الأميركية، قضت محكمة، بتأييد الاتهام الموجه إلى عملاق البحث الأميركي، غوغل بالاحتكار والإضرار بالمنافسين وخنق الابتكار. يعد الحكم بمثابة زلزال لعملاق التكنولوجيا، ويضع الكثير من العراقيل أمام مستقبل أشهر شركة في العالم...

بعد عام من تداول القضية في أروقة المحاكم الأميركية، قضت محكمة، بتأييد الاتهام الموجه إلى عملاق البحث الأميركي، “غوغل” بالاحتكار والإضرار بالمنافسين وخنق الابتكار. يعد الحكم بمثابة زلزال لعملاق التكنولوجيا، ويضع الكثير من العراقيل أمام مستقبل أشهر شركة في العالم.

جاء الحكم مستندًا إلى أدلة أكدت أن شركة غوغل تنفق مليارات الدولارات سنويًا لتثبيت محرك البحث الخاص بها على الهواتف المحمولة الجديدة، ومتصفحات أجهزة الكمبيوتر الشخصية، والأدوات التقنية الأخرى، حتى تمنع المستهلكين من الوصول إلى متصفحات المنافسين مثل ياهو، ومتصفح بينغ التابع لشركة مايكروسوفت. وذكرت المحكمة في حكمها، أنه في عام 2021 وحده، أنفقت غوغل أكثر من 26 مليار دولار لإبرام تلك اتفاقيات مع شركات الهواتف الذكية لتثبيت متصفحها على هواتفها.

ماذا قال القاضي؟ 

في حيثيات حكمه، قال القاضي أميت مهيتا، إنه وبعد مراجعة مجموعة من الأدلة التي تضمنت شهادات من كبار المسؤولين التنفيذيين في غوغل ومايكروسوفت وأبل خلال المحاكمة التي استمرت 10 أسابيع في العام الماضي، توصلت المحكمة إلى النتيجة التالية: شركة جوجل محتكرة، وقد تصرفت كشركة ديكتاتوترية للحفاظ على احتكارها في سوق البحث.

جاء في الحكم أيضًا أن غوغل ‘تتمتع بحصة تبلغ 89.2% من سوق خدمات البحث العامة، والتي ترتفع إلى 94.9% على الأجهزة المحمولة’.

وقال ميهتا إن الأدلة في المحاكمة أظهرت أهمية الإعدادات الافتراضية، مشيرًا إلى أن محرك بحث مايكروسوفت Bing يحظى بحصة 80% من سوق البحث على متصفح Microsoft Edge. وقال القاضي إن هذا يظهر أن محركات البحث الأخرى يمكن أن تكون ناجحة.

ومع ذلك، فقد أرجع ميهتا الفضل إلى جودة منتج غوغل باعتبارها جزءًا مهمًا من هيمنته أيضًا، قائلاً بشكل قاطع إن “جوجل معروف على نطاق واسع بأنه أفضل (محرك بحث عام) متاح في الولايات المتحدة”.

من جهته، قال المدعي العام ميريك جارلاند: “هذا الانتصار على جوجل هو فوز تاريخي للشعب الأمريكي”، مضيفا “لا توجد شركة – مهما كان حجمها أو تأثيرها – فوق القانون. ستواصل وزارة العدل تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار بقوة”.

كيف ردت غوغل على الحكم؟ 

وسخرت غوغل من هذه الادعاءات، مشيرة إلى أن المستهلكين يعملون طوال الوقت على تغيير محركات البحث إلى غوغل بسبب إصابتهم بخيبة أمل من النتائج التي كانوا يحصلون عليها من محركات البحث الأخرى. على سبيل المثال، كان موقع ياهو هو محرك البحث الأكثر شعبية خلال التسعينيات قبل ظهور غوغل، قال كينت ووكر، رئيس الشؤون العالمية في غوغل إن الشركة تعتزم استئناف الحكم. وقال ووكر: “يعترف هذا القرار بأن غوغل تقدم أفضل محرك بحث، لكنه يخلص إلى أنه لا ينبغي السماح لنا بإتاحته بسهولة”.

كيف يؤثر الحكم على مستقبل غوغل؟ 

بحسب تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأميركية، يمثل الحكم نكسة كبرى لشركة غوغل وشركتها الأم، شركة ألفابت، التي لطالما أكدت أن شعبيتها تنبع من رغبة المستهلكين العارمة في استخدام محرك بحث جيد للغاية في ما يفعله حتى أنه أصبح مرادفاً للبحث عن الأشياء على الإنترنت.

يعالج محرك بحث غوغل ما يقدر بنحو 8.5 مليار استفسار يوميًا في جميع أنحاء العالم، وهو ما يقرب من ضعف حجمه اليومي عما كان عليه قبل 12 عامًا، وفقًا لدراسة حديثة أصدرتها شركة BOND الاستثمارية، يفتح استنتاج القاضي ميهتا بوجود احتكار غير قانوني من جانب غوغل الباب أمام مرحلة جديدة تتضمن تحديد العقوبات والتغييرات اللازمة لمعالجة الأضرار الناجمة عن هذا الاحتكار واستعادة بيئة تنافسية في سوق البحث. وقد حددت المحكمة موعدًا لعقد جلسة استماع في السادس من سبتمبر لبدء هذه المرحلة، وتصور القضية غوغل على أنها شركة استغلت قوتها السوقية بشكل غير قانوني لحماية احتكارها في سوق البحث، مما أضر بالمنافسة ورفع الأسعار على المعلنين. وقد أشارت وزارة العدل إلى أن هذا السلوك قد أدى إلى تدهور جودة خدمات البحث، مما يضر بالمستهلكين في النهاية.

وقد تتراوح نتائج هذه القضية بين تدابير بسيطة تتضمن تعديلات طفيفة على سلوك غوغل وبين إجراءات أكثر صرامة تتطلب تفكيك أجزاء أساسية من أعمالها. فمن المحتمل أن يطلب القاضي من غوغل التوقف عن ممارسات معينة، مثل الدفع لضمان أن يكون محرك بحثها هو الخيار الافتراضي على أجهزة آيفون وغيرها، أو قد يفرض عليها عقوبات أكثر جدية، مثل تقسيم الشركة إلى شركات أصغر.

حذرت إيفلين ميتشل وولف، كبيرة المحللين فيEmarketer، من أن خسارة غوغل في قضية مكافحة الاحتكار قد يكون لها عواقب وخيمة، مشيرة إلى أن العلاج الذي سيفرض على الشركة سيكون له تأثير كبير. ومع ذلك، أكدت أن عملية الاستئناف الطويلة ستؤخر تنفيذ أي قرارات فورية، مما يمنح غوغل فترة سماح قد تمتد لخمس سنوات، حسب تقديرات جورج هاي، أستاذ القانون في جامعة كورنيل. وعلى الرغم من أن الاستئناف قد يؤجل حظر اتفاقيات البحث الافتراضية، إلا أنه لن يحمي الشركة من الدعاوى القضائية الجماعية التي تستند إلى نتائج القضية.

وإذا كان هناك تغيير كبير، فقد يتحول إلى انقلاب لشركة مايكروسوفت، التي تم تقويض قوتها خلال أواخر التسعينيات عندما استهدفت وزارة العدل شركة تصنيع البرمجيات في دعوى قضائية لمكافحة الاحتكار متهمة إياها بإساءة استخدام هيمنة نظام التشغيل ويندوز الخاص بها. على أجهزة الكمبيوتر الشخصية لتأمين المنافسة.

وقد عكست قضية مايكروسوفت تلك القضية المرفوعة ضد جوجل بعدة طرق، والآن يمكن أن يكون للنتيجة صدى مماثل. وكما خلقت معركة مايكروسوفت المؤلمة ضد الاحتكار عوامل تشتيت وعقبات فتحت المزيد من الفرص لغوغل بعد إنشائها في عام 1998، فإن القرار ضد غوغل يمكن أن يكون بمثابة نعمة لمايكروسوفت، التي تبلغ قيمتها السوقية بالفعل أكثر من 3 تريليون دولار. في وقت ما، كانت قيمة شركة Alphabet أكبر من قيمة شركةMicrosoft، لكنها الآن تتخلف عن منافستها بقيمة سوقية تبلغ حوالي 2 تريليون دولار.

إذا قرر ميهتا تقييد أو حظر صفقات البحث الافتراضية لجوجل، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص أرباح أبل أيضًا. على الرغم من تنقيح أجزاء من قراره لحماية المعلومات التجارية السرية، أشار ميهتا إلى أن Google دفعت لشركة Apple ما يقدر بنحو 20 مليار دولار في عام 2022، وهو ضعف المبلغ الذي كانت عليه في عام 2020. وأشار القاضي أيضًا إلى أن شركة Apple فكرت بشكل في بناء تقنية البحث الخاصة بها، لكنها تراجعت عن ذلك بعد قرارها. قدر تحليل عام 2018 أن الشركة ستخسر أكثر من 12 مليار دولار من الإيرادات خلال السنوات الخمس الأولى بعد الانفصال عن جوجل، وساعدت مدفوعات جوجل قسم الخدمات المتنامي بشكل مطرد في أبل، والذي حقق إيرادات بقيمة 85 مليار دولار خلال السنة المالية الأخيرة للشركة.

اضف تعليق