16770

شبكة النبأ: كثيرا ما تلجأ بعض الدول الى حجب الانترنت بصورة كلية او جزئية من اجل السيطرة على هامش الحرية الذي تمنحه وسائل التواصل الرقمي، اجتماعيا وسياسيا وفكريا، ويخلق هذا الحجب او التضييق، جو من العزلة القسرية او الاجبارية على طريق مهم من طرق التواصل مع العالم، سيما وان العالم الرقمي، شهد في السنوات الاخيرة طفرة نوعية جعلت الاستغناء عنه من المستحيلات في العصر الحالي.

في ايران الوضع يختلف، فالأنترنت موجود، الا ان الصراع الفكري والسياسي بين التيار المحافظ والتيار الاصلاحي، جعل من مسالة الانترنت وحرية رفع القيود عنها، مسالة تحولت الى صراع بين طرفين، من دون ان تكون هناك ضوابط قانونية او اجتماعية واضحة لإنهاء هذ الجدل القائم بين الطرفين، ففي الوقت الذي يطالب فيه المحافظين التشدد بالرقابة الصارمة على فرض المزيد من القيود على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، اضافة الى شبكات الاتصال الرقمية، يحاول الاصلاحيون تجاوز هذه العقبات، برفع القيود التي يعتبرون ان لا دعي لها من جانب، وقد يتجاوزها المتابعون بطرق اخرى (غير شرعية) من جانب اخر.

وتشير الاحصاءات ان المجتمع الايراني متابع جيد للخدمات الاجتماعية وغيرها، والتي يوفرها الانترنت بصورة مجانية، الا ان المعاناة تكمن في الاجراءات الحكومية التي تقيد حرية العمل، اضافة الى بطء الشبكة (والذي يتهم نشطاء الدولة بالوقوف وراء هذا البطء المتعمد)، والاعتقالات بحق المدونين والنشطاء، كما حدث في الحملة التي شنتها السلطات الايرانية ابان حكم الرئيس السابق احمد نجاد.   

في سياق متصل امهل القضاء الايراني الحكومة شهرا لوقف عمل شبكات الاتصالات المجانية عبر الانترنت، فايبر وتانغو وواتس اب، وذلك بعد رسائل اعتبرت مهينة بحق مؤسس الجمهورية الاسلامية اية الله الخميني، كما ذكرت وسائل اعلام ايرانية، وكتب المسؤول الثاني في السلطة القضائية غلام حسين محسني ايجائي في رسالة الى وزير الاتصالات محمود واعظي "بعد الامر الذي اصدره رئيس السلطة القضائية، امامكم شهر لاتخاذ الاجراءات التقنية بهدف حظر ومراقبة شبكات" فايبر وتانغو وواتس اب.

وفي هذه الرسالة التي نشرتها وسائل اعلام ايرانية، يدين محسني ايجائي "رسائل ضد الاخلاق الاسلامية ولا سيما ضد مؤسس الجمهورية الاسلامية والتي تم تناقلها بشكل واسع على شبكات فايبر وتانغو وواتس اب" في الاسابيع الاخيرة، وتشكل هذه الرسائل "جرائم"، كما قال، وسرت رسائل مماثلة تستهدف المسؤولين الحاليين وخصوصا المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي، ايضا على هذه الشبكات التي يستخدمها ملايين الايرانيين، بحسب وسائل الاعلام، واضاف محسني ايجائي انه اذا لم تتخذ وزارة الاتصالات اجراءات، فان القضاء سيتدخل مباشرة ل"منع الشبكات الاجتماعية ذات المضمون الجنائي". بحسب فرانس برس.

وتمارس السلطات الرقابة على فيسبوك وتويتر ويوتيوب وملايين المواقع ذات الطابع السياسي او الجنسي، ويدعو الرئيس الايراني حسن روحاني وهو رجل دين معتدل، الى اوسع حرية سياسية وثقافية وخصوصا فتح الانترنت ضمن احترام قيم الجمهورية الاسلامية، واعتبر ان الرقابة على الانترنت ذات نتائج عكسية وانه يتعين استخدام "الحوار والاقناع لترسيخ الاخلاق في المجتمع".

طرق غير مشروعة

الى ذلك فان أكثر من ثلثي الشباب الإيرانيين يستخدمون برامج كمبيوتر غير قانونية للدخول إلى مواقع الانترنت التي تحظرها السلطات، هذا ما أظهرته دراسة أجراها مركز الأبحاث التابع لوزارة الرياضة والشباب الإيرانية ونشرها الإعلام مؤخرا، بعد تأكيد الرئيس حسن روحاني أن القيود الحالية على الانترنت ليست مفيدة، ونقلت وكالة اسنا الطلابية للأنباء عن محمد تاغي حسن زادة رئيس مركز الأبحاث قوله إن "69,3% من الشباب يستخدمون خوادم انترنت في دول أخرى للالتفاف على الرقابة التي تفرضها السلطات على الانترنت"، وأجريت الدراسة في الأشهر الـ 12 التي تلت آذار/مارس 2013 وشارك فيها 15 إلف إيراني تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاما. بحسب فرانس برس.

وطبقا للدراسة فإن 67,4% من المستطلعة آرائهم يستخدمون الانترنت، نحو 19,1% للدردشة، و15,3% للدخول على مواقع التواصل الاجتماعي، و15,2% للدخول الى المواقع الترفيهية، وقالت الدراسة إن 10,4% فقط قالوا إنهم يستخدمون الانترنت لإجراء الأبحاث العلمية، كما أن خمسة بالمئة فقط أقروا بأنهم يستخدمون الانترنت للدخول إلى مواقع "غير أخلاقية"، وتتبع إيران سياسة مراقبة للانترنت تجعل الدخول إلى مواقع منتشرة مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" صعبا بدون استخدام برامج ممنوعة تمكن من الدخول على الانترنت، ويرى دعاة حظر الانترنت في الجمهورية الإسلامية أنه يحمي المواطنين من المحتوى غير الأخلاقي مثل المواقع الإباحية، إلا أن معارضيه يقولون إن الحظر غير فعال نظرا لتمكن الشباب من الالتفاف عليه، ووافقت حكومة روحاني على منح تراخيص لشركتين إيرانيتين لاستخدام تقنية الجيل الثالث للهواتف النقالة، وهو ما اعتبر خطوة أولى في اتجاه تسهيل الدخول إلى الانترنت.

الرقابة غير مفيدة

فيما دخل الرئيس الايراني حسن روحاني مجددا الجدل المحتدم في ايران حول الرقابة على الانترنت والفصل بين الجنسين، معتبرا ان هاتين السياستين ليستا في مصلحة البلاد، وانتخب روحاني العام الماضي بعد ان ان وعد بان يتبنى خطا اكثر اعتدالا بشان القضايا الاجتماعية بعد ثماني سنوات من حكم سلفه محمود احمدي نجاد، الا انه يواجه مقاومة في مسعاه، وتعتمد ايران سياسة مراقبة محتوى الانترنت ما يعني عدم امكان الدخول الى عدد من المواقع الكثيرة الاستخدام مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب الا باستخدام برامج كمبيوتر غير شرعية، كما تتهم السلطات الايرانية غالبا بابطاء الانترنت عمدا لجعل الدخول الى العديد من المواقع اكثر صعوبة.

واعتبر قرار حكومة روحاني الموافقة على منح تراخيص لشركتين ايرانيتين لاستخدام تقنية الجيل الثالث للهواتف النقالة خطوة اولى في اتجاه تسهيل الدخول الى الانترنت، الا انه ذهب الى ابعد من ذلك معتبرا ان مراقبة الانترنت تاتي بنتائج عكسية، واكد روحاني ان "بعض الناس يعتقدون اننا نستطيع حل المشاكل من خلال بناء الجدران، ولكن عندما تستخدم الفلاتر (لحجب المواقع) فانهم يستخدمون خوادم بروكسي" في اشارة الى الخوادم التي تتيح لمستخدمي الانترنت الدخول بشكل غير مباشر الى المواقع التي تحجبها السلطات، واضاف في كلمة بثها التلفزيون الرسمي على الهواء "هذه السياسة الحالية غير فعالة، والقوة لا تثمر عن نتائج".

واثار منح تراخيص الجيل الثالث لشركات الهواتف النقالة جدلا في البلاد وقال عدد من رجال الدين والمسؤولين المحافظين ان هذه التقنية تمكن من الاتصال المرئي عبر الهواتف الذكية وهو ما يمكن ان يعرض الصغار الى "محتوى غير اخلاقي"، الا ان وزارة الاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات صرحت لاحقا ان خدمة الاتصالات المرئية لن تتوافر رغم ان مستخدمي الانترنت يستطيعون اجراء هذه الاتصالات عبر موقعي فيستايم وسكايب من خلال اتصالات الانترنت المتوافرة حاليا، وانتقد روحاني كذلك قرار بلدية طهران الاخير بالفصل بين الموظفين والموظفات، الامر الذي اشاد به المحافظون، وذكر "من يقولون دائما ان علينا ان نفصل بين البنات والصبيان" بان مؤسس الجمهورية الاسلامية اية الله روح الله الخميني عارض بشدة تبني الجامعات لمثل هذه السياسة عقب ثورة 1979، الا انه دافع عن ارتداء الحجاب والعباءة، وقال انها تحمي المراة، ومنذ توليه منصبه في اب/اغسطس من العام الماضي، اتهم روحاني بانه متهاون بشان ارتداء الحجاب، وفي تشرين الاول/اكتوبر طلب من الشرطة ان تكون معتدلة في تطبيقها فرض ارتداء الحجاب. بحسب فرانس برس.

حان وقت التغيير

في سياق ذي صلة أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده يجب أن تتقبل استخدام شبكة الإنترنت عوضا عن اعتبارها تهديدا وهو موقف يتحدى آراء المتشددين الذين عززوا إجراءات الرقابة على الإنترنت، ويأتي كلام روحاني في معرض محاولته كسب معركة التأثير في العامة عبر تشبيه وضع القيود على الإنترنت بخوض معركة بالأسلحة النارية بسيف خشبي، ويساهم الخطاب الذي ألقاه روحاني في إبعاده أكثر عن رجال الدين المتشددين المنافسين علما أن البعض منهم مقربون من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي الذي يروج للرقابة على أنها وسيلة لحماية الثورة الإسلامية التي قامت عام 1979 وأتت برجال الدين الشيعة إلى السلطة.

كما شكل خطابه أيضا الإشارة الأكثر قوة حتى الآن على انتهاجه نهجا منفصلا عن السياسة التي اعتمدها سلفه محمود أحمدي نجاد إزاء وسائل التواصل الاجتماعي، وقام أحمدي نجاد بموجب تلك السياسة باعتقال المدونين وتشديد الضوابط على استخدام الانترنت طوال فترة رئاسته التي امتدت ثمانية أعوام خصوصا بعد أن استخدم المتظاهرون وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم تظاهرات هائلة عام 2009، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن روحاني قوله "علينا ان ننظر إلى الإنترنت على أنها فرصة وعلينا أن نعترف بحقوق مواطنينا في الاتصال بالشبكة العنكبوتية العالمية"، وأضاف "لماذا نحن مهتزون إلى هذا الحد؟ لماذا تقوقعنا في الزاوية ممسكين بالدرع وبسيف خشبي خشية أن نتلقى رصاصة في هذه الحرب الثقافية؟"، وتابع روحاني "حتى لو انقضوا علينا وهو ما يحصل اليوم فطريقة المواجهة هي عبر الوسائل الحديثة وليس الطرق السلبية والجبانة".

ولطالما تبنت إيران موقفا متناقضا تجاه الإنترنت، والدخول إلى مواقع تويتر وفيسبوك ويوتيوب محظور بالنسبة لمعظم الايرانيين على الرغم من أن خامنئي نفسه انضم إلى تويتر وفيسبوك عام 2009 وهو الآن مستخدم مواظب عليهما، ففي الأيام الحالية يرسل المرشد الأعلى أكثر من 12 تغريدة في اليوم باللغات الإنجليزية والفارسية والعربية، وفي آخرها أبلغ متابعيه الذين يبلغ عددهم 53900 أنه "على الرغم من التقدم الصناعي في الغرب إلا أن الجهل والتحقير للعائلة وقيمها سيؤدي إلى انهيار الغرب على المدى الطويل"، وعلى صفحته على فيسبوك حيث لديه 82000 متابع يقدم خامنئي الإرشاد الديني ويتوجه إلى الذين يتطلعون إلى الحصول على زوج ان يقبلوا بالحلول الوسط "إذ أن الزوجة المثالية الخالية من العيوب والزوج المثالي الخالي من العيوب غير موجودين في العالم". بحسب رويترز.

غير أن عبد الصمد خرم آبادي وهو سكرتير هيئة حكومية مهمتها رصد وتصفية المواقع الإلكترونية وصف فيسبوك بأنه مشروع تجسس أمريكي، وشنت القيادة الإيرانية حملة تضييق شديدة على مستخدمي الإنترنت عام 2009 على أثر إعادة انتخاب أحمدي نجاد الذي ثار حوله الجدل عام 2009 عندما أدى الهجوم العنيف على التظاهرات في ذلك العام إلى أسوأ حالة اضطرابات في تاريخ إيران، وعلى إثر ذلك تم سجن الكثير من المدونين وتم الحكم على واحد منهم على الأقل بالإعدام لإدارة موقع تعتبره السلطات مخربا.

ويواجه مستخدمو الإنترنت في إيران وصلات إنترنت بطيئة ومتفاوتة الأداء بالإضافة إلى الرقابة الكثيفة، ولكن على الرغم من ذلك يمكنهم أن يتجنبوا القيود عبر استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية التي توفر الروابط المشفرة التي تسمح للكمبيوتر بالتصرف كما لو أنه في بلد آخر وبالتالي تتيح لهم إمكانية الدخول إلى جميع المواقع المحظورة، وقارن روحاني في خطابه جهود تقييد إمكانية الدخول إلى الإنترنت بالجهود السابقة الفاشلة في محاربة انتشار القنوات التلفزيونية الفضائية، وقال "في البدء كان هوسنا الكامل هو الفيديو وكيف نبقيه بعيدا عن متناول شبابنا حماية لإيماننا وهويتنا ثم قمنا بإطلاق النار على الصحون اللاقطة على الأسطح، اليوم الإنترنت والهواتف الذكية باتت هي الطامة الكبرى".

وأشار روحاني إلى أن ايران لن تتطور من دون تقبل العالم الرقمي منتقدا الفكرة بأن يقوم الطلاب فقط بأخذ الملاحظات من الكتب بدلا من أن يتجهوا إلى الإنترنت لهذه الغاية، وقال في هذا السياق "هل ما زلنا نتوقع من تلاميذنا الذين يسعون إلى الحصول على شهادة الدكتوراه بأن يعودوا إلى أرشيف المكتبات كما في الأزمنة الغابرة لأخذ الملاحظات من أجل أبحاثهم؟"، ويقول الإيرانيون أن امكانية الدخول إلى الإنترنت قد باتت متاحة أكثر منذ مجيء حكومة روحاني ولكنه لا يزال لا يملك السلطة الكافية لفتحه كاملا، أما في قمة هرم السلطة في إيران يبقى الحذر كبيراً، والقرارات في القضايا الاستراتيجية الأساسية هي ضمن سلطة خامنئي الذي شكل قبل عامين وكالة للإشراف على الانترنت هي المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي.

وفي مرسوم تأسيس تلك الوكالة قال خامنئي إنها ستقي ايران أذى "الانتشار المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخصوصا تلك في شبكة الإنترنت العالمية ودورها الهام في الحياة الاجتماعية والشخصية"، وقالت وسائل الاعلام الايرانية إن الوكالة تضم الرئيس ووزيري الإعلام والثقافة ورئيسي الشرطة وقوات الحرس الثوري المحافظة وهي المؤسسة العسكرية فائقة القوة والمقربة من خامنئي، وكانت إيران هدفا في هجمات الحرب الإلكترونية ومن بينها فيروس الكتروني خرب البرمجيات في أجهزة الطرد المركزي النووية ودفعها إلى التدمير الذاتي، ويعتقد الخبراء الأمنيون أن إسرائيل والولايات المتحدة كانتا وراء ذلك الهجوم.

اضف تعليق