هناك سيل من المقالات والتقارير الإخبارية التي تحذرنا من خطورة الذكاء الاصطناعي. وتناقش الحكومات ما إذا كان ينبغي تنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي أم لا، وتضع الشركات حواجز حول مخرجات الذكاء الاصطناعي. المشكلة هي أن معظم هذه التقارير لا تميز بين الذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاءً والمعروف باسم الذكاء العام الاصطناعي...
بقلم: محمد الأشول
يوم الخميس قبل الماضي، 16 نوفمبر 2023، كان سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي (OpenAI) مشاركًا في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ أبيك (APEC) في سان فرانسيسكو، حين وقف يشرح أمام الحضور من عرض توضيحي، النجاحات الباهرة التي حققتها شركته في تطوير برنامج الدردشة الأشهر عالميًا تشات جي بي تي (ChatGPT)، حينها كشف سام ألتمان عما قال إنه كان شاهدًا على «4 لحظات تاريخية في أوبن إيه آي، كان آخرها في الأسابيع القليلة الماضية حين تمكنّا من اختراق الحواجز والمضي قدمًا إلى الإمام». لم يوضح ألتمان طبيعة هذا الاختراق، لكن الأحداث التي وقعت بعدها بساعات ربما تكون قد كشفت عن ملامحه. في اليوم التالي من حديث ألتمان اتخذ مجلس الإدارة قرارًا بإقالته من منصبه، وكشفت رسالة نشرتها وكالة رويترز وجهها باحثون في الشركة إلى مجلس الإدارة قبل قرار الإقالة عن أن هناك فريقًا في الشركة يعمل على مشروع «ذكاء اصطناعي قوي وسري يشكل تهديدًا للبشرية يحمل اسم كيو-ستار(*Q)».
من الأحداث التي شهدتها الشركة، يبدو أن أوبن إيه آي قد اقتربت من تحقيق اختراق يقربها من مجال الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، إذ اعتبر موظفون في أوبن إيه آي أن «كيو–ستار» مشروع يهدف إلى الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو مستوى من الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يتفوق على البشر في معظم المهام المعقدة، ولكن ما المشكلة في أن يكون هناك ذكاء اصطناعي يتفوق على البشر، وهل هناك فرق بين الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي بين أيدينا اليوم، والذكاء الاصطناعي العام (AGI)، ولماذا يتم التحذير منه، ومتى سنصل إليه؟
ما الذكاء الاصطناعي العام وما الفرق بينه وبين التوليدي؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي هو نوع من الذكاء الاصطناعي يستخدم التعلم الآلي لإنتاج نصوص أو ترجمات أو صور أو أصوات بناء على البيانات المتاحة، ويعتمد هذا النوع من الذكاء الاصطناعي على الاحتمالات والإحصاءات، وليس على المنطق والقواعد. لذلك، قد يكون له نتائج متباينة أو متناقضة عند مواجهة نفس السؤال.
أما الذكاء الاصطناعي العام (AGI) فهو نظام ذكاء اصطناعي يمكنه أن يفهم ويحل المسائل الرياضية، والتي تتطلب قدرات استدلالية عالية ودقة مطلقة. فالرياضيات هي لغة العلوم والمنطق، وتمثل تحديا كبيرا للذكاء الاصطناعي الحالي، وإذا حدث تقدمًا في الذكاء الاصطناعي العام فسيكون له تأثيرًا كبيرًا على البحث العلمي والابتكار. ولكن، هذا النجاح قد يحمل مخاطر أيضا، كما حذر باحثو أوبن إيه آي في رسالتهم إلى مجلس الإدارة، «فالذكاء الاصطناعي العام (AGI) هو نظام ذكاء اصطناعي يمكنه أن يتفوق على البشر في كل المجالات، وقد يكون له مصالح وأهداف مختلفة عن البشرية، لذلك، يجب أن توضع له حدودًا، ونضمن أنه يعمل لمصلحة البشرية وليس ضدها».
يختلف الذكاء الاصطناعي العام (AGI) عن التوليدي، في أنه أقرب إلى التفكير كشخص ويمكنه ربط معلومات مختلفة ووضعها في سياق عام واحد، والنتيجة هي أنه يبدو كجهاز كمبيوتر أقرب إلى الإنسان، يمكنه التعبير عن أفكاره وعواطفه التي لا تتشابه مع أحد، ويمكنه اتخاذ قرارات مستقلة دون أي مدخلات أو تفاعل بشري.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه لا أحد تقريبًا في مجالات الحوسبة أو الذكاء الاصطناعي يعتقد أن تشات جي بي تي أو الذكاء الاصطناعي الآخر الذي نراه في عالمنا اليوم قد وصل إلى حالة الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، ناهيك عن الشعور بالوعي. في مقال لها في مجلة فوربس الأميركية، تقول نيتشا تيلغالا وهي الرئيس التنفيذي لشركة إيه آي كلوب (AIClub)، إن «الذكاء الاصطناعي العام ذكاء غير متخصص في مهمة معينة، مثل كتابة النصوص، والترجمة، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية، وتقديم الخدمات المالية، وتشخيص الأمراض، بل إنه ذكاء يمكنه القيام بكل هذه الأشياء معًا»، موضحة أنه «من المحتمل أن يكون أكثر ذكاءً من البشر في أي شيء وكل شيء، مع كل المعرفة البشرية لدعمه، ويمتلك القدرة على تعليم نفسه، وبالتالي إنشاء ذكاء صناعي جديد، وربما أكثر ذكاءً».
لماذا يتم التحذير من الذكاء الاصطناعي العام؟
وفقًا لتعريفات الذكاء الاصطناعي العام فإنه من الواضح أنه يمتد إلى أبعاد عديدة، وهنا مصدر الخوف. تقول نيتشا إن «قدرات الذكاء الاصطناعي ستؤثر على سوق العمل بشكل أكبر بكثير من تأثير الذكاء الاصطناعي الذي سبقه»، موضحة «إذا كان الذكاء الاصطناعي الحالي يمكنه قراءة الأشعة السينية، واكتشاف المرض بما يساعد الأطباء في عملهم، فإن الذكاء الاصطناعي العام سيتمكن من قراءة الأشعة السينية، وفهم السجل المرضي للمريض، وتقديم توصية، وشرح تلك التوصية للمريض بطريقة لطيفة، وهو ما يعني الاستغناء عن الطبيب تمامًا».
نيتشا تضيف أن «الفوائد والمخاطر المحتملة على الاقتصادات العالمية والوظائف هائلة. أضف إلى ذلك قدرة الذكاء الاصطناعي العام على التعلم وإنتاج الذكاء الاصطناعي العام الجديد، ساعتها سيصبح الخطر وجوديًا. ليس من الواضح كيف ستتحكم البشرية في مثل هذا الذكاء الاصطناعي العام أو ما هي القرارات التي ستتخذها بنفسها».
وفي تصورات أكثر رعبًا، سلطت صحيفة نيويورك تايمز، الضوء على تصريحات لإيميت شير الرئيس التنفيذي السابق لمنصة تويتش وهو الرجل الذي حل بديلًا عن سام ألتمان، في رئاسة أوبن إيه آي قبل عودة سام، أعرب فيها عن قلقه من الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام. وقال، إن هذا النوع من الذكاء قد يؤدي إلى «القضاء على البشر»، مؤكدًا أنه يعادل «قنبلة مدمرة للكون».
وفي بودكاست تقني في يونيو تحدث شير عما يمكن أن يحدث إذا وصلت البشرية إلى الذكاء العام الاصطناعي، يمكن أن «يصبح النظام قويًا جدًا لدرجة أنه يمكنه الاستمرار في تطوير نفسه دون الحاجة إلى تدخلات بشرية، وحينها سيكون لديه القدرة على تدمير البشرية»، يقول شير.
أثار إيان هوغارث، رئيس فريق العمل في المملكة المتحدة المكلف بفحص سلامة الذكاء الاصطناعي المتطور، مخاوف قبل توليه منصبه هذا العام بشأن الذكاء العام الاصطناعي، إذ أكد أنه يمكنه أداء مهمة أعلى من قدرات البشر أو في مستواها و«يمكن أن يخرج عن السيطرة».
لكن شركة أوبن إيه آي الشركة الأم لتشات جي بي تي ترى أن هناك شرطًا لوقوع مخاطر الذكاء الاصطناعي وهو «سوء الاستخدام، والحوادث الجسيمة، والاضطراب المجتمعي».
وعلى الجانب الآخر، يرى باحثون في الشركة أن الذكاء الاصطناعي سوف يكون مفيدًا للبشرية. في منشور على مدونة الشركة قال الباحثون: «إذا وصلنا إلى الذكاء الاصطناعي العام بنجاح، فإن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساعدنا في الارتقاء بالبشرية من خلال زيادة الوفرة، وتحفيز الاقتصاد العالمي، والمساعدة في اكتشاف المعرفة العلمية الجديدة التي تغير حدود الإمكانيات». وأضاف الباحثون «يتمتع الذكاء الاصطناعي العام بالقدرة على منح الجميع قدرات جديدة مذهلة؛ يمكننا أن نتخيل عالما حيث يمكننا جميعا الحصول على المساعدة في أي مهمة معرفية تقريبا، مما يوفر قوة مضاعفة كبيرة للإبداع البشري والإبداع».
متى نصل إلى الذكاء الاصطناعي العام؟
تختلف التقديرات حول متى يحين موعد وصول البشرية إلى الذكاء الاصطناعي العام، البعض يقدر أنه في غضون سنوات قليلة، والبعض الآخر توقع بعد عشرين عامًا والبعض الآخر رأى أنه غير موجود أصلاً. يعتقد جيف هينتون، الحائز على جائزة تورينج (أعلى جائزة في علوم الكمبيوتر)، أن الذكاء الاصطناعي العام لا يزال على بعد أقل من 20 عامًا. وفي الوقت نفسه، يقول زميله الحائز على نفس الجائزة، يوشوا بنجيو، أننا لا نعرف عدد العقود التي سنستغرقها للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام.
وقال ماكس تيغمارك، العالم الذي كان وراء رسالة تصدرت العناوين الرئيسية هذا العام والتي تدعو إلى وقف تجارب الذكاء الاصطناعي الكبيرة، لصحيفة الغارديان إن المتخصصين في مجال التكنولوجيا في كاليفورنيا يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي العام قريب.
ووفقًا لمعظم الخبراء، فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الحالية والتي بين أيدينا اليوم ليست قريبة من مستويات الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، ولكنها تتحسن طوال الوقت. توقعت شركة OpenAI جدولاً زمنيًا مدته عقد من الزمن قبل أن يتجاوز الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري. وفي الوقت نفسه، سلط كانجون تشيو، الرئيس التنفيذي لشركة جينرالي إنتليجانت (Generally Intelligent)، الضوء على التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي حاليًا في تنفيذ المهام البسيطة للبشر، مثل تنسيق الاجتماع.
كيف يستعد العالم لتحديات الذكاء الاصطناعي العام؟
هناك سيل من المقالات والتقارير الإخبارية التي تحذرنا من خطورة الذكاء الاصطناعي. وتناقش الحكومات ما إذا كان ينبغي تنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي أم لا، وتضع الشركات حواجز حول مخرجات الذكاء الاصطناعي. المشكلة هي أن معظم هذه التقارير لا تميز بين الذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاءً والمعروف باسم الذكاء العام الاصطناعي، أو AGI.
وعلى هذا المنوال، قبل أقل من شهر، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرا تنفيذيا بشأن الذكاء الاصطناعي، يتناول مجموعة واسعة من المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على المدى القريب، من الخصوصية الفردية إلى تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول إلى إزاحة الوظائف وتحسين المهارات الضرورية. على الرغم من أنها لا تستهدف الذكاء الاصطناعي العام بشكل مباشر، إلا أن هذه الأوامر والتشريعات المماثلة يمكنها توجيه التطوير المسؤول للذكاء الاصطناعي على المدى القصير – قبل الذكاء الاصطناعي العام -.
في النهاية، قد لا نضطر إلى التعامل مع الذكاء الاصطناعي العام في الوقت الحالي، لكنه سيأتي هنا في النهاية. ومع وجود الذكاء الاصطناعي التوليدي في كل مكان، فإن السباق مستمر، وليس هناك ما يمكن إجبار الجني على العودة إلى القمقم الآن.
اضف تعليق