المخاطر التي يفرضها بالفعل الذكاء الاصطناعي المتقدم، وتلك التي يمكن توقعها بدرجة معقولة من الدقة، كبيرة حقا. فإلى جانب إعادة توجيه أسواق العمل على نطاق واسع، من الممكن أن تعمل أنظمة نماذج اللغة الضخمة على زيادة انتشار المعلومات المضللة وإدامة التحيزات الضارة. كما يهدد الذكاء الاصطناعي التوليدي بتفاقم...
بقلم: كلاوس شواب، كاثي لي
جنيف ــ في الأشهر الأخيرة، تسارعت وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي بدرجة كبيرة، حيث تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وMidjourney على تحويل مجموعة عريضة من الأنشطة المهنية والعمليات الإبداعية بسرعة كبيرة. بيد أن نافذة الفرصة السانحة لتوجيه عملية تطوير هذه التكنولوجيا القوية بطرق تقلل من المخاطر وتعظم الفوائد تنغلق بسرعة.
توجد القدرات القائمة على الذكاء الاصطناعي على طول سلسلة متصلة، حيث تقع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل GPT-4 (النسخة الأحدث من ChatGPT) ضمن الفئة الأكثر تقدما. ولأن مثل هذه الأنظمة تحمل الوعد الأكبر لكنها قد تؤدي في الوقت ذاته إلى أشد المزالق غدرا، فإنها تستحق التدقيق الشديد من جانب أصحاب المصلحة في القطاعين العام والخاص.
لكن كل تقدم تكنولوجي تقريبا يخلف تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية على المجتمع. فمن ناحية، عمل التقدم التكنولوجي على تعزيز الإنتاجية الاقتصادية ونمو الأجور، وتوسيع القدرة على الوصول إلى تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وإطالة أمد عمر الإنسان، وتحسين الرفاهة في مجمل الأمر. ومن ناحية أخرى، تسبب في إزاحة العمال، وركود الأجور، واتساع فجوات التفاوت بين الناس، وزيادة تركيز الموارد بين الأفراد والشركات.
لا يختلف الذكاء الاصطناعي عن أي تقدم تكنولوجي. تفتح أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصا وفيرة في مجالات مثل تصميم المنتجات، وإنشاء المحتوى، واكتشاف الأدوية والرعاية الصحية، والتعليم المخصص، واستخدام الطاقة على النحو الأمثل. في الوقت ذاته، قد تكون شديدة الإرباك، بل وقد تلحق الضرر باقتصاداتنا ومجتمعاتنا.
الواقع أن المخاطر التي يفرضها بالفعل الذكاء الاصطناعي المتقدم، وتلك التي يمكن توقعها بدرجة معقولة من الدقة، كبيرة حقا. فإلى جانب إعادة توجيه أسواق العمل على نطاق واسع، من الممكن أن تعمل أنظمة نماذج اللغة الضخمة على زيادة انتشار المعلومات المضللة وإدامة التحيزات الضارة. كما يهدد الذكاء الاصطناعي التوليدي بتفاقم التفاوت الاقتصادي. حتى أن مثل هذه الأنظمة قد تشكل مخاطر تهدد وجود الجنس البشري.
يرى بعض المراقبين في هذا سببا للضغط على مكابح أبحاث الذكاء الاصطناعي. في الشهر الماضي، وَقَّـعَ أكثر من 1000 متخصص في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من إيلون ماسك إلى ستيف وزنياك، على رسالة مفتوحة توصي بأن "توقف مختبرات الذكاء الاصطناعي على الفور" تدريب أنظمة أقوى من GPT-4 لمدة ستة أشهر على الأقل. خلال فترة التوقف هذه، يجب أن نعمل على حد زعمهم على ابتكار وتنفيذ مجموعة من بروتوكولات السلامة المشتركة ــ "الخاضعة للتدقيق الشديد والإشراف من قِـبَـل خبراء مستقلين من الخارج".
تؤكد الرسالة المفتوحة، والجدال المحتدم الذي أثارته، على الحاجة الملحة إلى مشاركة أصحاب المصلحة في عملية واسعة النطاق قائمة على حسن النوايا تهدف إلى تحقيق التوافق مع خطوط هادية مشتركة قوية لتطوير ونشر الذكاء الاصطناعي المتقدم. يجب أن يضع هذا الجهد في الحسبان قضايا مثل الأتمتة (التشغيل الآلي) وإزاحة الوظائف، والفجوة الرقمية، وتَـرَكُّـز السيطرة على الأصول والموارد التكنولوجية، مثل البيانات والقوة الحاسوبية. ويجب أن تكون الأولوية القصوى للعمل على نحو مستمر من أجل القضاء على التحيزات الجهازية في تدريب الذكاء الاصطناعي، حتى لا تنتهي الحال بأنظمة مثل ChatGPT إلى إعادة إنتاج هذه التحيزات أو التسبب في تفاقمها.
بالفعل، بدأت مقترحات بشأن حوكمة الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية تظهر مؤخرا، بما في ذلك في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تقدم منظمات مثل المنتدى الاقتصادي العالمي بعض المساهمات. في عام 2021، أطلق المنتدى التحالف العالمي للسلامة الرقمية، الذي يسعى إلى توحيد أصحاب المصلحة في ما يتصل بالتصدي للمحتوى الضار على الإنترنت وتسهيل تبادل أفضل الممارسات لتنظيم السلامة على الإنترنت. في وقت لاحق، أنشأ المنتدى مبادرة الثقة الرقمية، لضمان تطوير التكنولوجيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي مع وضع أفضل مصالح جماهير الناس في الحسبان.
الآن، يدعو المنتدى إلى تعاون عاجل بين القطاعين العام والخاص في مواجهة التحديات التي صاحبت ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي وبناء الإجماع على الخطوات التالية لتطوير ونشر التكنولوجيا. لتسهيل التقدم، يعتزم المنتدى، بالشراكة مع جمعية "منافع الذكاء الاصطناعي العامة" (AI Commons) ــ وهي منظمة غير ربحية يدعمها ممارسو الذكاء الاصطناعي، والأوساط الأكاديمية، ومنظمات غير حكومية تركز على الصالح العام ــ عقد قمة عالمية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي في سان فرانسيسكو خلال الفترة من السادس والعشرين إلى الثامن والعشرين من إبريل/نيسان. سيناقش أصحاب المصلحة تأثير التكنولوجيا على الأعمال، والمجتمع، وكوكب الأرض، وسوف يعملون معا لابتكار الطرق لتخفيف العوامل الخارجية السلبية وتسليم نتائج أكثر أمانا واستدامة وإنصافا.
سوف يغير الذكاء الاصطناعي التوليدي العالَـم، سواء شئنا أو أبينا. وفي هذه اللحظة المحورية في جهود تطوير هذه التكنولوجيا، يشكل النهج التعاوني ضرورة أساسية لتمكيننا من بذل كل ما بوسعنا لضمان توافق هذه العملية مع مصالحنا وقيمنا المشتركة.
اضف تعليق