لا شك أن مستقبل الذكاء الاصطناعي واعد جدًا. وكثيرون من يرون في هذه التقنية التكنولوجية وسيلة جذرية لحل المشكلات التي تواجه المجتمعات، كمسألة التغير المناخي والرعاية الصحية والأمن السيبراني. وكأي ابتكار جديد، قد تحيط به مخاوف كثيرة من شأنها أن تعكر المحيط المبتكر...
بقلم: د. هاني الشعراني
سنوات من البحث والتحسين والتطوير حتى حصد الإنسان شكل الذكاء الاصطناعي المعروف اليوم. فهو ليس وليد البارحة، بل تكنولوجيا احتاجت إلى جهود جبارة ووقت ثمين لكي تحقق النجاح والتوسع الذي تحققه اليوم في مجتمعاتنا المعاصرة.
كثيرة هي العوامل التي ساهمت في هذا التطور الثوري. فلا شك في أن تطورات التكنولوجيا الحاسوبية عززت وجود هذا الذكاء الاصطناعي، بل ومنحته تلك القدرة الهائلة على جمع كم هائل من المعلومات والبيانات بشكل فعال وسهل وكذلك تحليلها. بالإضافة إلى أن حاجة الإنسان إلى خلق نظام جديد يعمد إلى أتمتة المهام الصغيرة ويساهم في اقتصاد الوقت والجهد للالتفات إلى مهام أهم، مثّلت عاملًا آخرًا مهمًا دفع إلى نشوء ظاهرة الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، تأثر الذكاء الاصطناعي بموجة المواضيع والمسائل المجتمعية والثقافية. فقد كثرت المناقشات والحوارات التي تحمل في طياتها مسائل أخلاقيات وتداعيات الذكاء الاصطناعي على مجتمعنا، مثلما عبر الأفراد عن مخاوفهم تجاه ظاهرة الأتمتة وما يرافقها من خسارة الوظائف.
ولم تقتصر المخاوف على هذا الشق الوظيفي والعملي فحسب، بل اتسعت لتشمل ذعر الناس من احتمالية استخدام هذه الأداة التكنولوجية الثورية لأغراض شريرة، كالهجمات الإلكترونية أو حملات التضليل والاحتيال.
إشكاليات وتداعيات كثير بشأن الذكاء الاصطناعي وتطوره، جاري مناقشتها وطرحها في العالم بأكلمه، ولكننا قد نحتاج إلى العودة في الزمن قليلًا لبدايات ظاهرة الذكاء الاصطناعي، ربما قد يساعدنا ذلك في النقاشات الجارية.
منتصف القرن العشرين
يعود تاريخ نشأة الذكاء الاصطناعي إلى منتصف القرن العشرين تقريبًا، حينما شرع علماء الكمبيوتر في ابتكار خوارزميات وبرامج متعددة قادرة بدورها على إنجاز المهام التي تحتاج عادة إلى ذكاء بشري، كحل المشكلات أو التعرف على الأنماط. ومن أشهر رواد هذه التكنولوجيا الثورية ألان تورينج Alan Turing، الذي اقترح مفهوم الآلة التي تحاكي أي مهمة ذكاء بشري، والتي تعرف اليوم باسم اختبار تورينج.
مؤتمر دارتموث Dartmouth لعام 1956
استقطب هذا المؤتمر أكاديميين من مختلف المجالات والمهن؛ بغية فحص إمكانية صناعة روبوت قادر على التفكير. عرض المؤتمر مجال الذكاء الاصطناعي إلى الجمهور. وخلال تلك الفترة، تمحورت الموضوعات الرئيسية لدراسة الذكاء الاصطناعي حول الأنظمة القائمة على القواعد بالإضافة إلى التفكير الرمزي.
الستينيات والسبعينيات
في هذه الفترة الزمنية المحددة، اتجه تركيز الأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي نحو تطوير أنظمة خصيصًا لتقليد قرارات المتخصصين البشريين في مجالات معينة. وغالبًا ما تم اعتماد هذه الأساليب في صناعات مختلفة كالهندسة والتمويل وصولًا إلى الطب.
الثمانينيات
بعدما تم تسليط الضوء على عيوب الأنظمة القائمة على القواعد في الثمانينيات، اتجهت الأبحاث في الذكاء الاصطناعي إلى التعلم الآلي والذي هو فرع من فروع هذه التكنولوجيا الهادف إلى استخدام الأساليب الإحصائية بغية السماح للكمبيوترات بالتعلم من البيانات المتوفرة. ونتيجة لذلك، تم ابتكار ما يعرف اليوم بالشبكات العصبية والتي تم تصميمها على شكل هيكلة الدماغ البشري وعملياته.
التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشري
عرفت أبحاث الذكاء الاصطناعي قفزة نوعية وتطورًا هائلًا في التسعينيات وخاصة في مجال الروبوتات ومعالجة اللغة الطبيعية وقدرة الكمبيوتر على الرؤية والتمييز. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نشأت تطورات في التعرف على الكلام والتعرف على الصور وصولًا إلى معالجة اللغة الطبيعية.
الذكاء الاصطناعي الحديث
تنوعت أشكال استخدامات الذكاء الاصطناعي اليوم وفي عصرنا هذا لتطال المساعدين الافتراضيين كما السيارات ذاتية القيادة والتشخيصات الطبية المتطورة.
يشهد الذكاء الاصطناعي اليوم تطورًا سريعًا، ولا أحد يمكن إنكار ظاهرة أنسنة الذكاء الاصطناعي – تفاعله كالبشر مع المستخدمين – بواسطة مساعدي الأصوات كـ سيري Siri مثلًا. هذا وقد أثبتت معالجة اللغة الطبيعية أهميتها في هذا المجال وتطورها الكبير في غضون سنوات قليلة. فقد مكنت الآلات من استيعاب اللغة والاستجابة للحديث البشري بكل فعالية ودقة. فمن لا يعرف تقنية شات جي بي تي ChatGPT والتي أصبحت اليوم حديث الساعة. فقد اتضح أن هذا الروبوت الذكي قادر على فهم اللغة الطبيعية، وتوفير إيجابات مثيلة بإجابات الإنسان في مواضيع متعددة ومختلفة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
لا شك أن مستقبل الذكاء الاصطناعي واعد جدًا. وكثيرون من يرون في هذه التقنية التكنولوجية وسيلة جذرية لحل المشكلات التي تواجه المجتمعات، كمسألة التغير المناخي والرعاية الصحية والأمن السيبراني. وكأي ابتكار جديد، قد تحيط به مخاوف كثيرة من شأنها أن تعكر المحيط المبتكر.
اضف تعليق