عندما تكون المقالات تكويناً وتركيباً جيداً من مقالات أخرى كتبها بشر، فلن تكون بشرية الروح والطابع. بصراحة، إنها تخيفني تحديداً؛ لأنها صحيحة ومنضبطة للغاية، ومع ذلك تكون جوفاء للغاية، وتتسم بالخواء. تقلّد تقنية «تشات جي بي تي» المشاعر باختيار رفيع المستوى للكلمات، لكنها تظل مفتقرة إلى الحيوية والحماسة...
بقلم: تريسي ماكميلان كوتوم
جميع من في نطاق حياتي المهنية سواء من زملاء في الجامعة أو كتّاب آخرون، يحتجّون بشدة على «تشات جي بي تي»، أداة الذكاء الصناعي الجديدة، التي تستطيع الكتابة مثل الإنسان.
ليس من المفترض أن تكون التكنولوجيا بشرية، بل من المفترض أن تكون لها مواصفات البشر فحسب. مع ذلك يستطيع برنامج الدردشة ذلك معالجة أفكار عديدة وإعداد فقرة مصاغة بشكل مقنع. لقد أصاب الفزع الصفوف الاحترافية.
بعضنا نحن الأساتذة مهووسون بالأساس بالتقييم وحماية سلامة وصحة كل شيء، فنحن نجري مسحاً للمقالات باستخدام أجهزة رصد الغش المنتهك لحقوق الملكية، ونمتعض حين يجد برنامج جزءاً كبيراً مثيراً للريبة من نص منسوخ أو منقول. لقد ناضل أكاديميون، على الأقل لعشر سنوات، بشأن الدور المناسب لاستئصال الغش الذي يتم بمساعدة الكومبيوتر. هل ينبغي أن نعدّ اختبارات أفضل أم نخيف الطلبة مباشرة مثلما كان يحدث في الخدمة الخاصة، التي يتم تقديمها بعد انتهاء اليوم الدراسي، خلال حقبة الثمانينات؟ انقسمت آراؤنا بشأن ذلك.
تقنية «تشات جي بي تي» جيدة جداً إلى درجة تجعلنا غير متأكدين ما إذا كان استخدامه يمثل غشاً أم لا، فالفقرات التي يقدمها أصيلة من حيث كونها غير منقولة أو منسوخة من نص آخر، ويستطيع حتى أن يضمّن الاقتباسات، ويحمي الثقافة الأكاديمية الخاصة بنا المتعلقة بالمصدر المنسوب إليه أي محتوى. سواء كان ذلك دقيقاً أم لا، يتوافق إرفاق المراجع مع أسلوب الكتابة الأكاديمية. تسأل الطبيعة ما إذا كان على الأساتذة الشعور بالقلق من التكنولوجيا.
كنت سأشعر بالقلق باستثناء أنه قد تم اعتبار تخصصي ميتاً في مرات كثيرة لدرجة شرائي فستاناً مناسباً لجنازته. العلوم الإنسانية ليست ميتة، والكتابة ليست كذلك أيضاً، وسوف يناضل التعليم العالي للخروج من الأزمة. هل تعلمون لماذا؟ من أسباب ذلك إنتاج هذه التكنولوجيا لمحتوى مريع.
يكتب الذكاء الصناعي النثر بالطريقة التي تستخدم بها أفلام الرعب الدُمى مثل تشاكي وميغان ووحش فرانكشتاين الأصلي. تظهر الدمى التي تتخذ شكل وحوش مثل البشر، وتستطيع رواية قصص، لكنها لا تستطيع تأليف قصص. أليس لهذا السبب هي وحوشاً؟ إنها لا تستطيع سوى رد تفاهات وغرور البشر في وجههم مرة أخرى. إنها لا تختلق أشخاصاً جدداً، أو ترسم آفاقاً جديدة، أو تقدّم تجارب جديدة، فهي ليست سوى نسخ طبق الأصل من صدى التجربة الإنسانية.
قرأت بعض المقالات المثيرة للإعجاب المكتوبة باستخدام «تشات جي بي تي». إنها غير مقنعة تماماً مثل ما يقدمه بعض الكتّاب أيضاً خاصة الطلبة. ليس هذا بالأمر الجديد أو المهم. المقال، الذي تتم كتابته باستخدام «تشات جي بي تي»، سليم نحوياً، في حين أنه كثيراً ما لا تكون أعمال الكتّاب والطلاب كذلك، وهذا أمر جديد ومهم.
مع ذلك، حتى عندما تكون المقالات تكويناً وتركيباً جيداً من مقالات أخرى كتبها بشر، فلن تكون بشرية الروح والطابع. بصراحة، إنها تخيفني تحديداً؛ لأنها صحيحة ومنضبطة للغاية، ومع ذلك تكون جوفاء للغاية، وتتسم بالخواء. تقلّد تقنية «تشات جي بي تي» المشاعر باختيار رفيع المستوى للكلمات، لكنها تظل مفتقرة إلى الحيوية والحماسة. لا يثير المقال الفضول أو أي مشاعر أخرى، حيث يكون هناك صوت، لكنه صوت آلي، لا يستثير المشاعر أو يجرحها، أو يغوي؛ ذلك لأن الصوت الحقيقي أكثر من مجرد تشكيل نحوي لقوالب أو نماذج.
الصوت، تلك البصمة الغامضة لكل التواصل النصي، هو علاقة بين القارئ والعالم والكاتب. تستطيع تقنية «تشات جي بي تي» أن تبرمج قارئاً، لكنها لا تستطيع سوى أن تحاكي كاتباً، وبالتأكيد لا يتيح ذلك توصيل العالم الذي بينهما.
لقد كنت في متجر بقالة خلال الأسبوع الحالي، وكانت موسيقى الأعياد تعمّ الأجواء، وأنا أحب كل أنواع الموسيقى. ليس جيداً بالنسبة لي أن أرتب مختاراتي الغنائية، فأنا أريد أن يشغّلها آخرون. أريد أن أسمعها في متجر، أو متنزه، أو من سيارة. حتى لو كان ذلك للحظات قليلة عندما ندندن بعضاً من مقاطع أغنية «سايلانت نايت» معاً في ممر داخل متجر بقالة.
هذا المتجر كان يشغّل أغنية لفرقة موسيقية اسمها «بينتاتونيكس»، وقد بحثت عنها، وكان اللحن فقط هو الذي يتم تشغيله على حد علمي، وكانت النغمات منضبطة بشكل رائع، لكنها كانت مرشّحة بالطريقة التي تحوّل بها علامة «موزاك»، الخاصة بالموسيقى التي يتم تشغيلها كخلفية، الأغاني الحقيقية إلى محضّ أصوات بحيث تصبح موسيقى أعياد تقنية.
هذا ما تعدّ به تقنية «تشات جي بي تي»، وغيرها من برامج وتطبيقات الذكاء الصناعي التي تقترب من محاكاة التعبير البشري. يخبرنا تاريخ التكنولوجيا بأن تلك الأشياء لديها دورة ضجة ورواج تبدأ بأنها تقدم وعوداً، ثم نخاف، وتبدأ في الانتشار، ثم تفشل في تنفيذ الوعد، ونقدّر حجمها الحقيقي، ونعود إلى وجودنا البشري المقاوم للآلة.
إن هذا وقت مثالي للتفكير في الرابط بين البشر والآلة، والتجربة المعاشة وتجربة المحاكاة. هناك ألف تقليد متعلق بموسم الأعياد، تعيدنا جميعها إلى المساحة التي نكون فيها أكثر بشرية من الآلة، أي أقل تنظيماً في المواعيد، وأكثر حضوراً في اللحظة الآنية، وأقل تقنية وفنية، وأكثر فوضوية.
يمكن للعلوم الإنسانية والفنون والتعليم العالمي استخدام رسالة تذكيرية مفادها أننا نقوم بفعل البشر، ويكون هذا عملنا ومجال تخصصنا إذا قمنا به بشكل جيد.
اضف تعليق