الرئيس السياسي ينبغي أن يتسلح اليوم بما يسمى بـعقل المستقبل، الذي يشمل العقل التخصصي والتركيبي والإبداعي والأخلاقي والعصري، مثلما لا يمكن له تجاهل هذه الثورة التقنية الهائلة التي أصبحت تشكل عبئا كبيرا على الدول، وتجاهل العدد الكبير من الشباب الذي أسس لنفسه دولة افتراضية من أكبر دول العالم...
باتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة للتأثير على الأحداث السياسية، كما أصبحت وسيلة لتشكيل الرأي العام والضغط على الحكومات، كما ساعدت على زيادة النزعة السياسية لدى عناصر في المجتمع قد تكون خاملة ودفعتها إلى المشاركة والتفاعل مع الأحداث، وهو ما أدّى إلى زيادة في النشاط السياسي للمجتمع وخلق للرأي العام الجديد تجاه إحدى القضايا، وحشد الجمهور وتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات التي يصعب أو يستحيل أحيانا تحقيقها في ظل الإعلام التقليدي خلال هذه الفترة الزمنية، كما حصل في بعض الدول العربية.
إن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد بشكل عام، يتحدد في نوعين من التأثير؛ أولهما: التأثير الفعلي الذي تُمارِسه، سواء من حيث قُدْرتها على جذب الملايين من الشباب، أو من خلال متابعتها اللصيقة للأحداث والقضايا، وبثّها بالصورة والصوت لحظةً بلحظةٍ إلى كافة أنحاء العالم، مما بات يشكل (رقابة شعبية) تفضح تقصير الحكومات وتجبر مسؤوليها على التحرُّك لتدارك الأخطاء.
إنَ التوسع الكبير للشبكات والمواقع سيؤدي في المستقبل إلى تكوين قارة افتراضية تجمع جمهوريات عديدة كفيسبوك وتويتر ويوتيوب، لأن ما نراه اليوم يبدو خياليا حيث تظهر مدونة جديدة كل 4.1 ثوان بمعنى 84 مدونة في الدقيقة يومياً، و121 ألف مدونة متنوعة في مختلف المجالات، و48 ساعة فيديو يتم رفعها إلى موقع يوتيوب كل دقيقة، وهذا يعني أننا لو أردنا مشاهدة جميع المقاطع التي رفعت خلال يوم واحد فسنحتاج إلى 8 سنوات من المشاهدة المتواصلة.
وكلما تأملنا أخبار اليوم، نحتاج إلى أن نعترف أن تحت سطح الأحداث يكمن واقع افتراضي يمنح العصر الجديد الفوضى والتقدم على حد سواء. فالإعلام الجديد يمكن أن يوحد الأمة، مثلما يستطيع أن يفرقها، ويمكن له أن يكون أداة للصراع أو أداة للسلام. لكن على صانعي السياسة في الوطن العربي أن يتعاملوا بجدية مع هذا اللاعب الجديد.
ومثلما يحتدم الجدل في الشارع السياسي حول أي قضية في وسائل الإعلام التقليدية، فإن صفحات التواصل الاجتماعي لها نصيب من هذه الجدل الدائر سواء على مستوى الحكومات أو الدول في صفحتها، لذلك تولي الحكومات المتقدمة اهتماماً كبيراً على كافة المستويات للشبكات الاجتماعية من خلال توظيفها للوصول والتفاعل مع الجمهور، وتقديم أفضل الخدمات الحكومية له بيسر وكفاءة. أما بالنسبة إلى الدول العربية فإن استخدام تلك الشبكات في المؤسسات الحكومية لا يزال ضعيفاً جداً باستثناء حالات قليلة. لهذا لم يستوعب بعض الزعماء الذين أسقطتهم جماهير فيسبوك وتوتير عصرهم الجديد، وأصروا على مخاطبتها بخطب الخمسينات والستينات، فتم سقوطهم في مشهد درامي حزين تندر مشاهدته حتى في الخيال!
إن هذه الوسائل الجديدة التي تفتخر بأن لها قاعدة جماهيرية من كل الأجناس والقوميات والطوائف واللغات والأديان قادرة على أن تلغي الأنظمة والأمزجة والقيم والهويات الوطنية، وتشعل فتيل الثورات، وتؤسس للآخرين شعار المستقبل “تَغيَّرْ أو انْدَثِرْ”.
لم يعد بوسع الحكومات الحالية والقادمة أن تتجاهل أهمية هذه الشبكات الاجتماعية. ولذلك على الحكومات أن تبادر إلى استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، ولا تنتظر حتى تجد نفسها مضطرة لاستخدام هذه الوسائل للتواصل مع الشعب. لهذا تحرك المستشارون ومؤسسات العلاقات العامة لإبداء النصيحة الذهبية للرؤساء بضرورة فتح الحوارات مع هذه الدولة الافتراضية وسكانها، وإيجاد لغة جديدة معهم.
وكما أن للسياسة والأحداث نصيبا في فيسبوك فإن للرؤساء نصيبا كذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك التي أحدثها الرئيس الأميركي باراك أوباما في استخدامه لثورة التقنية والإنترنت لحشد المؤيدين والترويج لحملته، والذي بدأها بصورة جلية في انتخابات الرئاسة الأميركية في 2008.
ومن دون شك فإن الرئيس السياسي ينبغي أن يتسلح اليوم بما يسمى بـ”عقل المستقبل”، الذي يشمل العقل التخصصي والتركيبي والإبداعي والأخلاقي والعصري، مثلما لا يمكن له تجاهل هذه الثورة التقنية الهائلة التي أصبحت تشكل عبئا كبيرا على الدول، وتجاهل العدد الكبير من الشباب الذي أسس لنفسه دولة افتراضية من أكبر دول العالم في عدد السكان، وهو ما يستدعي بناء استراتيجية كسر الجليد من خلال التواصل مع هؤلاء الشباب، والمعرفة التامة بقدراتهم وإمكانياتهم. لأن النصر في لعبة العقول يكون في الغالب لمن يملك مفاتيحها.
ولا غرابة أن يقدم أحد مستشاري البيت الأبيض استشارة لرئيسه ملخصها “لا تهتم بالصحف كثيرا، فإن كسب العقول اليوم يبدأ بالإعلام الجديد”.
اضف تعليق