هل يمكنك تخيُّل الحياة دون فيسبوك؟ ليس سؤالاً بالمعنى المفهوم قدر ما هو محاولة لتوضيح عمق الأثر والمساحة التي يأخذها هذا الموقع من حياتنا الشخصية والمهنية كذلك.
كان الهدف الذي تروج له مثل هذه المواقع هو التواصل بدون قيود، فهل حقاً يساعدنا فيسبوك على ذلك؟ هذا أحد الأسئلة التي يطرحها كتاب "العيش كصورة.. كيف يجعلنا فيسبوك أكثر تعاسة؟"، عبر مجموعة من المقالات لطوني صغبيني، الكاتب والمدون والناشط الإلكتروني، ونشرتها مدونة نينار، وصدرت في كتيب إلكتروني صغير الحجم، صفحاته لا تتعدى 39 صفحة.
"وحدنا معاً" على مواقع الانفصال الاجتماعي
"لقد أصبح من الواضح أن تكنولوجيتنا قد تخطت إنسانيتنا"، هكذا يقول ألبرت أينشتاين، وهي المقولة التي اختارها الكاتب كي يبدأ بها هذا الكتيب.
فإن كان لفيسبوك مزاياه في إذابة الحدود، وتسليط الضوء على قضايا عدة، ومنح منصات لمن لا صوت لهم، واكتشاف المواهب وتعزيزها، إلا أنه تحول إلى بديل للعلاقات الإنسانية؛ ما جعل أحد الصحفيين يصف انتقاد الموقع بأنه أشبه بإعلان العداء للمجتمع والتقدم والحياة الاجتماعية، ووصفه الكاتب بأنه كارثة في العلاقات الإنسانية، بعد التلفاز الذي حول كثيرين لمشاهدين ومستهلكين وحسب.
فهل نحن واعون لما يأخذه منا الموقع على حساب ما يعطينا في المقابل؟
يدعونا الكاتب لتجربة إلغاء تفعيل الحساب لمدة شهر، واختبار تأثيره فينا، ومدى تحسن العلاقات والإنتاجية وغيرها. فيخبرنا الكاتب أنه أصبح بعدها أكثر حيوية وحضوراً، وازدادت قدرته على الكتابة والعمل على المشروعات طويلة الأمد.
مفهوم جديد للصداقة
يشير الكاتب إلى عدد من الدراسات القائمة على تأثير فيسبوك، وكيف يتشوه مفهوم الجيل الجديد، لاسيما الأطفال والمراهقين، عن العلاقات؛ فيغدو الصديق هو الشخص الذي تتبادل معه الإعجابات وتتحدث معه على الماسنجر.
وتستبدل أيقونات تعابير الوجه مشاعرنا الحقيقية، فننسى كيف نضحك ونحزن ونتفاعل، ويُختزل الشخص في صورة وصفحة شخصية أو Profile، وتصبح التهنئة والمواساة ودعم القضايا والاطمئنان على الآخر، ومعرفة أخباره بإعجاب وتعليق ومشاركة، ونحتفي بالإنجازات الحقيقية في صورة ومناسبة، فنبارك لأحدهم في ثوانٍ.
وتتسطح العلاقات الإنسانية عندما يصبح القريب مثل الغريب، ورب العمل والحبيب وغيره على نفس المستوى. حتى إذا انقطع عنه أحدهم تساءل مَن حوله لمَ الغياب؟، وكأن الحضور الواقعي لا يعد كذلك.
التعاسة والأمراض النفسية.. هل أصبح إدماناً؟
يخبرنا الكاتب عن دراسات تبين أن انتباهنا ووقتنا يمكن أن نمنحه بشكل متوازن لنحو 3 إلى 8 من الأصدقاء في الوقت نفسه، فكيف نقدم الاهتمام للمئات على فيسبوك دون أن يؤثر بالسلب في نوعية علاقاتنا؟ تشير هذه الدراسات أيضاً إلى أن فيسبوك مسبب رئيس في تعاستنا؛ فهو يفاقم مشاعر الغيرة والوحدة والتوتر والاكتئاب أيضاً، بسبب المقارنة الاجتماعية.
يستعرض الكاتب روابط بحثية حول العلاقة بين هذه المواقع واضطراب نقص الانتباه، فالكم الهائل الذي يتعرض له العقل من المعلومات أكبر بكثير مما يستوعبه؛ ما يتسبب في عسر هضم -إن جاز التعبير- لهذه المعلومات، فضلاً عن نسيان المعلومات القديمة. فنحو 1% فقط من أبناء الثمانينات يستطيع إنهاء مقال من ألف كلمة دون استراحة أو تفقد مواقع أخرى.
ومع تزايد الأبحاث، يطرح الكاتب ما إن كانت هناك علاقة بين فيسبوك وتعزيز الميول النفسية السلبية والأمراض النفسية، مثل الوسواس القهري، والشخصية الفصامية بسبب تضارب الصورة الإلكترونية للشخص مع شخصيته الحقيقية والنرجسية بسبب الحاجة إلى التقدير الذاتي والقبول والثناء من الآخرين، التي قد تتفاقم لاضطراب الشخصية النرجسية، وما إن كان يجب إضافة فيسبوك كأحد أنواع الإدمان.
فيسبوك.. جهاز الاستخبارات الأقوى والأسرع في العالم
يجعلنا كاتب "العيش كصورة.. كيف يجعلنا فيسبوك أكثر تعاسة" نتخيل العيش في نظام يعرف عنا كل شيء، بدايةً من لحظة الاستيقاظ وحتى النوم، وما بينهما من تفاصيل العمل وشبكة العلاقات، والتفضيلات الشخصية والحالة الصحية والمؤهلات والمهارات، والتاريخ الشخصي واليومي بتفاصيله كافة، وموقعنا في أي وقت ومع من نتواجد وما نفعله.
قد يجعلنا ذلك نتصور أننا نعيش في إحدى الديكتاتوريات الشمولية، إلا أننا يمكن أن نزيل بكل بساطة كلمة النظام لنضع مكانها فيسبوك، فهو يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، بل ويخصص تفضيلاته وفقاً لما نريده؛ فتراه يقترح علينا أصدقاء وأماكن ومناسبات معينة.
ليس ذلك وحسب، بل أصبح أداة ملاحقة قد تستخدمها الحكومات في ملاحقة من تريد، وقمع الناشطين، والتلاعب بالرأي العام. بجانب استثمارات بينها وبين شركات استخباراتية وصلات علنية مع أجهزة الاستخبارات الأميركية وغيرها.
فكل هذه المعلومات يعطيها فيسبوك لمن يملك المال دون غضاضة، وفقاً لاتفاقية الاستخدام، والمستخدم هو السلعة والضحية دون أن يدري.
وبموجب هذه الاتفاقية، يصبح جميع ما ينشره المستخدم من مواد، مثل الصور ومقاطع الفيديو ملكاً لفيسبوك، فله مطلق الحرية في استخدامها بأي طريقة شاء، وبيعها وترخيصها للغير، حتى تزيلها وتلغي حسابك أيضاً، إلا إذا تمت مشاركتها على صفحات الغير دون محوها.
وهو يمنح قوة هائلة لشركة وحيدة يمكن أن تستخدمها كيفما شاءت، وتوابعه شديدة الخطورة، فضلاً عن أنها، وفقاً لهذه الاتفاقية، تعفي نفسها من أي مسؤولية قد تقع نتيجة لإساءة استخدام هذه المعلومات من أي طرف ثالث.
وهم الحرية..
يحذرنا الكاتب في النهاية من أن فيسبوك تسبب في تحييد الآراء الفردية ووأدها، في مقابل تعزيز هيمنة سلطة الجماهير، وهي عملية إلكترونية بحتة تقودها عملية التفاعل؛ فتظهر الأخبار صاحبة التفاعل الأكبر، ولا يملك المتابع إلا أن ينجرف شيئاً فشيئاً مع تيارها، أو يتشتت تحت وطأة التدفق الهائل للمعلومات.
لذا يدعونا الكاتب لإعادة النظر في فيسبوك، وكيف أنه يمنح حرية زائفة بسطوته على صوت المرء، وتفتيت الرأي العام، ومنح الطاغية سلاحاً يذبح به الضحية.
بجانب أنه يمنح الجميع، سواء كانوا مؤهلين أم لا، الأدوات ذاتها، وقد يحل مع الوقت محل النشاط الحقيقي على أرض الواقع، فيصبح النضال دفاعاً عن القضايا دفاعاً إلكترونياً.
ويختتم مقالاته بنصائح عملية للتخفيف من أضرار فيسبوك بتفقدة مرة أو اثنين على الأكثر، وعدم فعل ذلك في الصباح، وإزالته من الهاتف، والبحث عن وسيلة بديلة للمعرفة، بدلاً من استخدام فيسبوك مصدراً للمعلومات، وإزالة الأصدقاء الذين لا تتفاعل معهم.
وينصحنا بعدم تفقده خلال المهام الضرورية، والاحتجاب الإلكتروني الدوري، مثل العطلة الأسبوعية، وتعزيز العلاقات على أرض الواقع.
الباب: معلوماتية.
الوسم: فيشوبك، صحة نفسية، شبكات اجتماعية، حريات انترنت.
فيسبوك ووهم الحرية: أنت مجرد صورة!
الكاتب: هاف بوست عربي
هل يمكنك تخيُّل الحياة دون فيسبوك؟ ليس سؤالاً بالمعنى المفهوم قدر ما هو محاولة لتوضيح عمق الأثر والمساحة التي يأخذها هذا الموقع من حياتنا الشخصية والمهنية كذلك.
كان الهدف الذي تروج له مثل هذه المواقع هو التواصل بدون قيود، فهل حقاً يساعدنا فيسبوك على ذلك؟ هذا أحد الأسئلة التي يطرحها كتاب "العيش كصورة.. كيف يجعلنا فيسبوك أكثر تعاسة؟"، عبر مجموعة من المقالات لطوني صغبيني، الكاتب والمدون والناشط الإلكتروني، ونشرتها مدونة نينار، وصدرت في كتيب إلكتروني صغير الحجم، صفحاته لا تتعدى 39 صفحة.
"وحدنا معاً" على مواقع الانفصال الاجتماعي
"لقد أصبح من الواضح أن تكنولوجيتنا قد تخطت إنسانيتنا"، هكذا يقول ألبرت أينشتاين، وهي المقولة التي اختارها الكاتب كي يبدأ بها هذا الكتيب.
فإن كان لفيسبوك مزاياه في إذابة الحدود، وتسليط الضوء على قضايا عدة، ومنح منصات لمن لا صوت لهم، واكتشاف المواهب وتعزيزها، إلا أنه تحول إلى بديل للعلاقات الإنسانية؛ ما جعل أحد الصحفيين يصف انتقاد الموقع بأنه أشبه بإعلان العداء للمجتمع والتقدم والحياة الاجتماعية، ووصفه الكاتب بأنه كارثة في العلاقات الإنسانية، بعد التلفاز الذي حول كثيرين لمشاهدين ومستهلكين وحسب.
فهل نحن واعون لما يأخذه منا الموقع على حساب ما يعطينا في المقابل؟
يدعونا الكاتب لتجربة إلغاء تفعيل الحساب لمدة شهر، واختبار تأثيره فينا، ومدى تحسن العلاقات والإنتاجية وغيرها. فيخبرنا الكاتب أنه أصبح بعدها أكثر حيوية وحضوراً، وازدادت قدرته على الكتابة والعمل على المشروعات طويلة الأمد.
مفهوم جديد للصداقة
يشير الكاتب إلى عدد من الدراسات القائمة على تأثير فيسبوك، وكيف يتشوه مفهوم الجيل الجديد، لاسيما الأطفال والمراهقين، عن العلاقات؛ فيغدو الصديق هو الشخص الذي تتبادل معه الإعجابات وتتحدث معه على الماسنجر.
وتستبدل أيقونات تعابير الوجه مشاعرنا الحقيقية، فننسى كيف نضحك ونحزن ونتفاعل، ويُختزل الشخص في صورة وصفحة شخصية أو Profile ، وتصبح التهنئة والمواساة ودعم القضايا والاطمئنان على الآخر، ومعرفة أخباره بإعجاب وتعليق ومشاركة، ونحتفي بالإنجازات الحقيقية في صورة ومناسبة، فنبارك لأحدهم في ثوانٍ.
وتتسطح العلاقات الإنسانية عندما يصبح القريب مثل الغريب، ورب العمل والحبيب وغيره على نفس المستوى. حتى إذا انقطع عنه أحدهم تساءل مَن حوله لمَ الغياب؟، وكأن الحضور الواقعي لا يعد كذلك.
التعاسة والأمراض النفسية.. هل أصبح إدماناً؟
يخبرنا الكاتب عن دراسات تبين أن انتباهنا ووقتنا يمكن أن نمنحه بشكل متوازن لنحو 3 إلى 8 من الأصدقاء في الوقت نفسه، فكيف نقدم الاهتمام للمئات على فيسبوك دون أن يؤثر بالسلب في نوعية علاقاتنا؟ تشير هذه الدراسات أيضاً إلى أن فيسبوك مسبب رئيس في تعاستنا؛ فهو يفاقم مشاعر الغيرة والوحدة والتوتر والاكتئاب أيضاً، بسبب المقارنة الاجتماعية.
يستعرض الكاتب روابط بحثية حول العلاقة بين هذه المواقع واضطراب نقص الانتباه، فالكم الهائل الذي يتعرض له العقل من المعلومات أكبر بكثير مما يستوعبه؛ ما يتسبب في عسر هضم -إن جاز التعبير- لهذه المعلومات، فضلاً عن نسيان المعلومات القديمة. فنحو 1% فقط من أبناء الثمانينات يستطيع إنهاء مقال من ألف كلمة دون استراحة أو تفقد مواقع أخرى.
ومع تزايد الأبحاث، يطرح الكاتب ما إن كانت هناك علاقة بين فيسبوك وتعزيز الميول النفسية السلبية والأمراض النفسية، مثل الوسواس القهري، والشخصية الفصامية بسبب تضارب الصورة الإلكترونية للشخص مع شخصيته الحقيقية والنرجسية بسبب الحاجة إلى التقدير الذاتي والقبول والثناء من الآخرين، التي قد تتفاقم لاضطراب الشخصية النرجسية، وما إن كان يجب إضافة فيسبوك كأحد أنواع الإدمان.
فيسبوك.. جهاز الاستخبارات الأقوى والأسرع في العالم
يجعلنا كاتب "العيش كصورة.. كيف يجعلنا فيسبوك أكثر تعاسة" نتخيل العيش في نظام يعرف عنا كل شيء، بدايةً من لحظة الاستيقاظ وحتى النوم، وما بينهما من تفاصيل العمل وشبكة العلاقات، والتفضيلات الشخصية والحالة الصحية والمؤهلات والمهارات، والتاريخ الشخصي واليومي بتفاصيله كافة، وموقعنا في أي وقت ومع من نتواجد وما نفعله.
قد يجعلنا ذلك نتصور أننا نعيش في إحدى الديكتاتوريات الشمولية، إلا أننا يمكن أن نزيل بكل بساطة كلمة النظام لنضع مكانها فيسبوك، فهو يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، بل ويخصص تفضيلاته وفقاً لما نريده؛ فتراه يقترح علينا أصدقاء وأماكن ومناسبات معينة.
ليس ذلك وحسب، بل أصبح أداة ملاحقة قد تستخدمها الحكومات في ملاحقة من تريد، وقمع الناشطين، والتلاعب بالرأي العام. بجانب استثمارات بينها وبين شركات استخباراتية وصلات علنية مع أجهزة الاستخبارات الأميركية وغيرها.
فكل هذه المعلومات يعطيها فيسبوك لمن يملك المال دون غضاضة، وفقاً لاتفاقية الاستخدام، والمستخدم هو السلعة والضحية دون أن يدري.
وبموجب هذه الاتفاقية، يصبح جميع ما ينشره المستخدم من مواد، مثل الصور ومقاطع الفيديو ملكاً لفيسبوك، فله مطلق الحرية في استخدامها بأي طريقة شاء، وبيعها وترخيصها للغير، حتى تزيلها وتلغي حسابك أيضاً، إلا إذا تمت مشاركتها على صفحات الغير دون محوها.
وهو يمنح قوة هائلة لشركة وحيدة يمكن أن تستخدمها كيفما شاءت، وتوابعه شديدة الخطورة، فضلاً عن أنها، وفقاً لهذه الاتفاقية، تعفي نفسها من أي مسؤولية قد تقع نتيجة لإساءة استخدام هذه المعلومات من أي طرف ثالث.
وهم الحرية..
يحذرنا الكاتب في النهاية من أن فيسبوك تسبب في تحييد الآراء الفردية ووأدها، في مقابل تعزيز هيمنة سلطة الجماهير، وهي عملية إلكترونية بحتة تقودها عملية التفاعل؛ فتظهر الأخبار صاحبة التفاعل الأكبر، ولا يملك المتابع إلا أن ينجرف شيئاً فشيئاً مع تيارها، أو يتشتت تحت وطأة التدفق الهائل للمعلومات.
لذا يدعونا الكاتب لإعادة النظر في فيسبوك، وكيف أنه يمنح حرية زائفة بسطوته على صوت المرء، وتفتيت الرأي العام، ومنح الطاغية سلاحاً يذبح به الضحية.
بجانب أنه يمنح الجميع، سواء كانوا مؤهلين أم لا، الأدوات ذاتها، وقد يحل مع الوقت محل النشاط الحقيقي على أرض الواقع، فيصبح النضال دفاعاً عن القضايا دفاعاً إلكترونياً.
ويختتم مقالاته بنصائح عملية للتخفيف من أضرار فيسبوك بتفقدة مرة أو اثنين على الأكثر، وعدم فعل ذلك في الصباح، وإزالته من الهاتف، والبحث عن وسيلة بديلة للمعرفة، بدلاً من استخدام فيسبوك مصدراً للمعلومات، وإزالة الأصدقاء الذين لا تتفاعل معهم.
وينصحنا بعدم تفقده خلال المهام الضرورية، والاحتجاب الإلكتروني الدوري، مثل العطلة الأسبوعية، وتعزيز العلاقات على أرض الواقع.
هل يمكنك تخيُّل الحياة دون فيسبوك؟ ليس سؤالاً بالمعنى المفهوم قدر ما هو محاولة لتوضيح عمق الأثر والمساحة التي يأخذها هذا الموقع من حياتنا الشخصية والمهنية كذلك.
كان الهدف الذي تروج له مثل هذه المواقع هو التواصل بدون قيود، فهل حقاً يساعدنا فيسبوك على ذلك؟ هذا أحد الأسئلة التي يطرحها كتاب "العيش كصورة.. كيف يجعلنا فيسبوك أكثر تعاسة؟"، عبر مجموعة من المقالات لطوني صغبيني، الكاتب والمدون والناشط الإلكتروني، ونشرتها مدونة نينار، وصدرت في كتيب إلكتروني صغير الحجم، صفحاته لا تتعدى 39 صفحة.
"وحدنا معاً" على مواقع الانفصال الاجتماعي
"لقد أصبح من الواضح أن تكنولوجيتنا قد تخطت إنسانيتنا"، هكذا يقول ألبرت أينشتاين، وهي المقولة التي اختارها الكاتب كي يبدأ بها هذا الكتيب.
فإن كان لفيسبوك مزاياه في إذابة الحدود، وتسليط الضوء على قضايا عدة، ومنح منصات لمن لا صوت لهم، واكتشاف المواهب وتعزيزها، إلا أنه تحول إلى بديل للعلاقات الإنسانية؛ ما جعل أحد الصحفيين يصف انتقاد الموقع بأنه أشبه بإعلان العداء للمجتمع والتقدم والحياة الاجتماعية، ووصفه الكاتب بأنه كارثة في العلاقات الإنسانية، بعد التلفاز الذي حول كثيرين لمشاهدين ومستهلكين وحسب.
فهل نحن واعون لما يأخذه منا الموقع على حساب ما يعطينا في المقابل؟
يدعونا الكاتب لتجربة إلغاء تفعيل الحساب لمدة شهر، واختبار تأثيره فينا، ومدى تحسن العلاقات والإنتاجية وغيرها. فيخبرنا الكاتب أنه أصبح بعدها أكثر حيوية وحضوراً، وازدادت قدرته على الكتابة والعمل على المشروعات طويلة الأمد.
مفهوم جديد للصداقة
يشير الكاتب إلى عدد من الدراسات القائمة على تأثير فيسبوك، وكيف يتشوه مفهوم الجيل الجديد، لاسيما الأطفال والمراهقين، عن العلاقات؛ فيغدو الصديق هو الشخص الذي تتبادل معه الإعجابات وتتحدث معه على الماسنجر.
وتستبدل أيقونات تعابير الوجه مشاعرنا الحقيقية، فننسى كيف نضحك ونحزن ونتفاعل، ويُختزل الشخص في صورة وصفحة شخصية أو Profile، وتصبح التهنئة والمواساة ودعم القضايا والاطمئنان على الآخر، ومعرفة أخباره بإعجاب وتعليق ومشاركة، ونحتفي بالإنجازات الحقيقية في صورة ومناسبة، فنبارك لأحدهم في ثوانٍ.
وتتسطح العلاقات الإنسانية عندما يصبح القريب مثل الغريب، ورب العمل والحبيب وغيره على نفس المستوى. حتى إذا انقطع عنه أحدهم تساءل مَن حوله لمَ الغياب؟، وكأن الحضور الواقعي لا يعد كذلك.
التعاسة والأمراض النفسية.. هل أصبح إدماناً؟
يخبرنا الكاتب عن دراسات تبين أن انتباهنا ووقتنا يمكن أن نمنحه بشكل متوازن لنحو 3 إلى 8 من الأصدقاء في الوقت نفسه، فكيف نقدم الاهتمام للمئات على فيسبوك دون أن يؤثر بالسلب في نوعية علاقاتنا؟ تشير هذه الدراسات أيضاً إلى أن فيسبوك مسبب رئيس في تعاستنا؛ فهو يفاقم مشاعر الغيرة والوحدة والتوتر والاكتئاب أيضاً، بسبب المقارنة الاجتماعية.
يستعرض الكاتب روابط بحثية حول العلاقة بين هذه المواقع واضطراب نقص الانتباه، فالكم الهائل الذي يتعرض له العقل من المعلومات أكبر بكثير مما يستوعبه؛ ما يتسبب في عسر هضم -إن جاز التعبير- لهذه المعلومات، فضلاً عن نسيان المعلومات القديمة. فنحو 1% فقط من أبناء الثمانينات يستطيع إنهاء مقال من ألف كلمة دون استراحة أو تفقد مواقع أخرى.
ومع تزايد الأبحاث، يطرح الكاتب ما إن كانت هناك علاقة بين فيسبوك وتعزيز الميول النفسية السلبية والأمراض النفسية، مثل الوسواس القهري، والشخصية الفصامية بسبب تضارب الصورة الإلكترونية للشخص مع شخصيته الحقيقية والنرجسية بسبب الحاجة إلى التقدير الذاتي والقبول والثناء من الآخرين، التي قد تتفاقم لاضطراب الشخصية النرجسية، وما إن كان يجب إضافة فيسبوك كأحد أنواع الإدمان.
فيسبوك.. جهاز الاستخبارات الأقوى والأسرع في العالم
يجعلنا كاتب "العيش كصورة.. كيف يجعلنا فيسبوك أكثر تعاسة" نتخيل العيش في نظام يعرف عنا كل شيء، بدايةً من لحظة الاستيقاظ وحتى النوم، وما بينهما من تفاصيل العمل وشبكة العلاقات، والتفضيلات الشخصية والحالة الصحية والمؤهلات والمهارات، والتاريخ الشخصي واليومي بتفاصيله كافة، وموقعنا في أي وقت ومع من نتواجد وما نفعله.
قد يجعلنا ذلك نتصور أننا نعيش في إحدى الديكتاتوريات الشمولية، إلا أننا يمكن أن نزيل بكل بساطة كلمة النظام لنضع مكانها فيسبوك، فهو يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، بل ويخصص تفضيلاته وفقاً لما نريده؛ فتراه يقترح علينا أصدقاء وأماكن ومناسبات معينة.
ليس ذلك وحسب، بل أصبح أداة ملاحقة قد تستخدمها الحكومات في ملاحقة من تريد، وقمع الناشطين، والتلاعب بالرأي العام. بجانب استثمارات بينها وبين شركات استخباراتية وصلات علنية مع أجهزة الاستخبارات الأميركية وغيرها.
فكل هذه المعلومات يعطيها فيسبوك لمن يملك المال دون غضاضة، وفقاً لاتفاقية الاستخدام، والمستخدم هو السلعة والضحية دون أن يدري.
وبموجب هذه الاتفاقية، يصبح جميع ما ينشره المستخدم من مواد، مثل الصور ومقاطع الفيديو ملكاً لفيسبوك، فله مطلق الحرية في استخدامها بأي طريقة شاء، وبيعها وترخيصها للغير، حتى تزيلها وتلغي حسابك أيضاً، إلا إذا تمت مشاركتها على صفحات الغير دون محوها.
وهو يمنح قوة هائلة لشركة وحيدة يمكن أن تستخدمها كيفما شاءت، وتوابعه شديدة الخطورة، فضلاً عن أنها، وفقاً لهذه الاتفاقية، تعفي نفسها من أي مسؤولية قد تقع نتيجة لإساءة استخدام هذه المعلومات من أي طرف ثالث.
وهم الحرية..
يحذرنا الكاتب في النهاية من أن فيسبوك تسبب في تحييد الآراء الفردية ووأدها، في مقابل تعزيز هيمنة سلطة الجماهير، وهي عملية إلكترونية بحتة تقودها عملية التفاعل؛ فتظهر الأخبار صاحبة التفاعل الأكبر، ولا يملك المتابع إلا أن ينجرف شيئاً فشيئاً مع تيارها، أو يتشتت تحت وطأة التدفق الهائل للمعلومات.
لذا يدعونا الكاتب لإعادة النظر في فيسبوك، وكيف أنه يمنح حرية زائفة بسطوته على صوت المرء، وتفتيت الرأي العام، ومنح الطاغية سلاحاً يذبح به الضحية.
بجانب أنه يمنح الجميع، سواء كانوا مؤهلين أم لا، الأدوات ذاتها، وقد يحل مع الوقت محل النشاط الحقيقي على أرض الواقع، فيصبح النضال دفاعاً عن القضايا دفاعاً إلكترونياً.
ويختتم مقالاته بنصائح عملية للتخفيف من أضرار فيسبوك بتفقدة مرة أو اثنين على الأكثر، وعدم فعل ذلك في الصباح، وإزالته من الهاتف، والبحث عن وسيلة بديلة للمعرفة، بدلاً من استخدام فيسبوك مصدراً للمعلومات، وإزالة الأصدقاء الذين لا تتفاعل معهم.
وينصحنا بعدم تفقده خلال المهام الضرورية، والاحتجاب الإلكتروني الدوري، مثل العطلة الأسبوعية، وتعزيز العلاقات على أرض الواقع.
اضف تعليق