مقارعة الانسان المؤمن للشر أمر لا مفر منه، والظلم بجميع أنواعه شر، لاسيما ظلم النظام الحاكم، وكل السلطات بأنواعها، بما في ذلك السلطات الأدنى، ونعني بها سلطة مدير الدائرة والمعمل وحتى الظلم الذي يبدر من الأب تجاه عائلته ليس مقبولا، ولابد من الوقوف بالضد منه، فجميع أنواع الظلم تنتمي الى المنكر، والأخير متفَّق على مواجهته بالسبل كافة.
هل المسلمون تعاملوا مع هذه الحقيقة وهذا الواقع كما يجب، هل قاوم المسلمون الظلم والقمع وكل الاعمال المنكرة في هذا الباب او سواه؟، الاجابة تؤكد العكس، المسلمون تقاعسوا في هذا الجانب، بدءاً من القيادات والأنظمة بإزاء المستعمرين والمعتدين، فالمستعمرون استغلوا تهاون الأنظمة السياسية وحكام المسلمين معهم، فبذل المستعمرون كل ما في وسعم لإلحاق الظلم بالمسلمين ولإذلالهم.
وما زاد الطين بلّة أن حكام المسلمين وقفوا مع المستعمر، وتعاضدوا معه وتبعوا له، فصاروا ضد شعوبهم وحاولوا إلحاق الأذى بالمسلمين بالتعاون مع المستعمر حفاظا على العروش البائسة، حدث هذا في تاريخ معروف لا يمكن التنصل من أحداثه. والمشكلة الأكبر أن قبول المنكر بدأ يتسلل الى حياة المسلمين من دون مواجهة، فجعل منهم ضمن الأمم والشعوب المتأخرة، والسبب الأساس هو عدم العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول الامام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه القيم الموسوم بـ (من أسباب ضعف المسلمين): (من هنا ورد التأكيد الكبير على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من دون فرق بين أن يكون الطرف حاكماً أو محكوماً، فإن ذلك يقلع المنكر من ظلم وإرهاب، ويقمع أهل المنكر من الظالمين والإرهابيين، لكن المسلمين لما تركوا ذلك تسلط الطغاة وحكام الجور عليهم).
وأكد سماحته على أن التهاون في هذا المجال يشجع الظالمين على انتهاك حقوق أفراد المجتمع، لهذا لا يصح ولا ينبغي الركون الى الصمت أو مجاراة القادة والرؤساء والمسؤولين كل في موقعه، فمواجهة الظلمة أمر لا يصح التخلي عنه لأنه يقود الى تنمّر الظالمين على المظلومين أكثر فأكثر.
كما نقرأ ذلك في قول الإمام الشيرازي: (من المعلوم: أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى تسلّط الظالمين على الناس، وتحكم الإرهابيين في رقابهم، وهو بالنتيجة إذلال لهم وخاصة المؤمنين منهم، فعلى المؤمن أن لا يذل نفسه، ولا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
لله العزة ولرسوله وللمؤمنين
إن الخلل البيّن والأكثر وضوحا في الطغاة، أنهم لا يعيرون اهتماما لقيمة الانسان، لذلك لا يحترمون شعوبهم، وهؤلاء الطغاة تجدهم دائما على استعداد تام لالحاق الأذى بشعوبهم من دون تردد، لأنهم يؤمنون ويعتقدون أن منطق القوة والتعالي والتجبر هو الذي يحفظ عروشهم من السقوط، وهو من الواضح تصوّر خاطئ وتفكير بائس.
إن الحاكم الظالم لا يتورع عن إبادة شعبه بكل السبل والوسائل المتاحة له، فالمهم لديه هو أن يبقى متربعا على عرش السلطة متمتعا بامتيازاتها، ضاربا بحقوق شعبه وأمته عرض الحائط، وهؤلاء الحكام في الغالب لا تشغلهم سوى الامتيازات وسبل الحفاظ على السلطة، أما مصلحة الناس فهي تقع في اسفل اهتماماتهم إن لم تنعدم من ذلك تماما.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب بالتحديد: (من صفات الطغاة انهم لا يرون أية قيمة للشعوب. ولذلك نسمع تصريحات كثيرة لحكام كثيرين: بأنهم للاحتفاظ بعروشهم مستعدّون لإبادة الشعب كله، كما أنهم طبقوا تصريحاتهم الإرهابية على ساحة الواقع، عندما اصطدموا بالشعب)
لذلك لا ينبغي أن يجد مثل هؤلاء الحكام مجالا وتهاونا من الشعب وخاصة اذا كان هذا الشعب أو الأمة مؤمنة بحقوقها، وقادرة على حمايتها من التجاوز من خلال رفض المنكر والتشبث الدائم بالمعروف كاسلوب حياة يحفظ حقوق الجميع بما في ذلك حقوق السلطة القائمة على التوازن وشرعية الحكم وبلوغ السلطة عن طريق الانتخابات وضمن الأطر الدستورية المتعارفة وليس السيطرة على السلطة بالقوة الغاشمة كما تفعل معظم الدكتاتوريات في العالم.
من هنا المؤمن مطالب بالدفاع عن حقوقه من خلال التزامه بمبدأ عدم السماح للحاكم بإذلال الشعب، ومواصلة الكفاح المدني بكل السبل المتاحة، ومواجهة الظلم بأنواعه وحث الناس على هذه المواجهة من خلال اعتماد التمسك بالمعروف ورفض المنكر مهما كان مصدره أو نوعه، من دون خوف أو تردد، لأن المؤمن يكون شجاع القلب قوي الشكيمة ورابط الجأش حتى ضد أعتى الحكام وأكثر الحكومات ظلما وتجبّرا.
وقد ورد في كتاب الامام الشيرازي في هذا المجال: (عن أبي عبد الله(ع) قال: «إن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا أما تسمع الله تعالى يقول (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) فالمؤمن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلا، قال: إن المؤمن أعز من الجبل لأن الجبل يستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه بشيء).
المؤمن لا يذلّ نفسه
يعتمد تطبيق (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) على المؤمن الفرد والجماعة من المؤمنين، فإذا كان كل مؤمن متمسكا في سبل المعروف بإدارة حياته، وتنظيم نشاطاته الاجتماعية والعملية وسواها، فسوف يكون مقبولا لدى الناس جميعا، واذا كان رافضا للمنكر، محاربا له ايضا سوف يكون عنصرا فعالا في تطوير المجتمع.
الأسف والخوف عندما يكون الانسان مترددا محابيا متغافلا عن حقوقه، من خلال محاباة المسؤول او السلطة بأنواعها، او حتى عندما يقبل الخطأ والتجاوز من أي فرد كان حتى لو كان خارج السلطة، فالسلوك بأنواعه اذا لم ينضبط واذا كان منكرا فهو بالنتيجة يصب في تأخير المجتمع وتدمير بناء الدولة المدنية القادرة على حماية شعبها.
لذا المؤمن مطالب دائما وفي الظروف كافة أن لا يعرّض نفسه للذل، وأن لا يقبل مثل هذا السلوك، وان يرفض اذلال السلطات بأنواعها له، حيث نقرأ في كتاب الامام الشيرازي نفسه:
(عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه).
وثمة نقطة جوهرية لا ينبغي أن ننساها أو نتغافل عنها، فالاذلال قد لا يكون مصدره السلطة الظالمة، بل ربما يكون الانسان نفسه هو مصدر هذا الذل، بمعنى ربما يسهم الشخص هو نفسه بإلحاق الذل بشخصه ونفسه، وهذا يحدث عندما يسيء الانسان الى نفسه من خلال ارتكابه المعصية والاخطاء والتجاوزات بدون وازع انساني او ضمير او التزام بالدين والاعراف والقوانين.
فيوجد اشخاص يقبلون دائما على ارتكاب الخطأ وقد يكون سجلهم حافلا بارتكاب المعاصي، هنا لابد أن يعرض الانسان نفسه الى الاذلال، لأن المجتمع يرفض مثل هذه السلوكيات، ويعاقب عليها، فضلا عن اضطرار الانسان الخاطئ الى الاعتذار، وعندما تتحول قضية الاعتذار الى عادة وسلوك دائم في شخصية الانسان فهذا يعني انه كثير المعاصي والاخطاء مما يضطره الى الكثير من مواقف الاعتذار وهذا نوع من اذلال النفس غير المقبول.
لذا نقرأ في كتاب الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (عن مفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (ع): لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قلت: بما يذل نفسه؟ قال: يدخل فيما يعتذر منه).
اضف تعليق