قال الامام علي (عليه السلام) : القبر خير من الفقر.
يا تُرى كم لدينا من بين المسلمين، ومن العراقيين، يتمنون الموت بدل الفقر؟؟، هذا السؤال لو تقدمنا به الى جياع افريقيا ماذا سوف يكون جوابهم، ولو تقدمنا بالسؤال نفسه الى فقراء العراق؟؟ ماذا سيكون جوابهم بعد أن أعلنت الجهات الرسمية ان نسبة الفقراء في العراق 23%، كل شخص من هؤلاء الفقراء يتمنى الموت بسبب ذل العيش غير الكريم، فمن المسؤول عن هذه النتيجة في بلدن غنية بثرواتها ومواردها وفقيرة في توزيعها العادل للثروات؟.
ومما جاء عن الفقر كما عرفه البنك الدولي، أن الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار، وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا. برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوي رفاهية الإنسان ونوعية الحياة "Livelihood” هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم.
وخلال النصف الثاني من القرن العشرين كثر الحديث عن الفقر والفقراء في أدبيات الأمم المتحدة بالتوسّع من الظاهرة الاجتماعية في المجتمع الواحد إلى الظاهرة العالمية بتصنيف البلدان إلى غنية وفقيرة وبتحديد مقاييس ومؤشرات للفقر في مستوى البلدان وكذلك الأفراد مع مراعاة النسبيّة، فالفقير في اليمن لا يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقير في أمريكا الشمالية.
تضم دائرة الفقر بلـيون فرد في العالم بعد الهند والتي يقل فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنوياً، ومنهم 630 ملـيون في فقر شـديـد (حيث متوسط دخل الفرد يقل عن 275 دولار سنوياً)، وإذا اتسعت الدائرة وفقا لمعايير التنمية البشرية لشملت 2 مليار فرد من حجم السكان في العالم.
فهناك مليار فرد غير قادرين على القراءة أو الكتابة، و 1.5 مليار لا يحصلون على مياه شرب نقية، وهناك طفل من كل ثلاثة يعاني من سوء التغذية، وهناك مليار فرد يعانون الجوع، وحوالي 13 مليون طفل في العالم يموتون سنوياً قبل اليوم الخامس من ميلادهم لسوء الرعاية أو سوء التغذية أو ضعف الحالة الصحية للطفل أو الأم نتيجة الفقر أو المرض.
الفقر يفتح أبواب الفساد
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم، الموسوم بـ (ماذا بعد النفط): (إذا استقرأنا أوضاعنا الاقتصادية يتضح لنا أنّ المديونية والمرض والجهل والفساد ترجع ـ فيما ترجع إليه ـ إلى عامل الفقر). ونقرأ أيضا لسماحته: (إذا افتقر الإنسان فإنّه لا يتمكن من توفير الرعاية الصحية والتغذية السليمة اللازمة للبدَن، وينشأ من ذلك المرض، وإذا مرض فهو عاجز، عن العلاج والتداوي بسبب الفقر).
كما لاحظنا فإن نسبة الفقر كبيرة بين سكان العالم، والمسلمون لهم حصة من هذا الوباء الخطير، أما العراق فإنه الشعب الوحيد في العالم الذي لم ينتبه له قادته وحكوماته التي تعاقبت عليه، ولم ينصفوه ولم يراعون حقوقه، فعاش فقيرا، وهو الغني، لذلك عجز كثير من مواطنيه وشبابه عن اكمال دراستهم، او معالجة أنفسهم من الامراض بسبب فقرهم.
يقول الامام الشيرازي في كتابه (ماذا بعد النفط): (الفقير عاجزٌ عن الدراسة ومواصلة التعليم والتثقيف، فمن لا مال له لا قدرة لهُ على شراء الكتب وارتياد الجامعات).
ولا يكتفي الفقر بإلحاق الجوع بالناس، او الذل، او الأعباء المعروفة، بل يمهّد الفقر لأخطر ظاهرة تتغلغل في النسيج السياسي والاجتماعي والإداري، ونقصد بها الفساد، فهذا المارد الأكبر، يعيث بالطبقة السياسية فسادا، ثم ينعكس ذلك على المجتمع وعلى حياة الشعب والدولة برمتها.
لذا يرى الامام الشيرازي أن: (الفقر مقدمة الفساد، فكم من عوائل انغمست في الفساد بسبب الحاجة إلى المال هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ الفقرَ هو الحاجز الأكبر بوجه الزواج، فالبعض ارتكبوا الفجور بسبب العزوبية). وهذا يعني بروز ظاهرة اخرة هي العنوسة وصعوبة تزويج الشباب ما يعني حرمان الشعب العيش في توازن واستقرار.
ولا يُخفى أن الفساد هو المحرك والمسبب الأول للأمراض، والأوبئة التي تفتك بالطبقة الفقيرة، ذلك أن من يمتلك المال يستطيع أن يطبب نفسه، أما الفقير فليس أمامه سوى طريقين أحلاهما مر، الأول هو طريق الموت، والثني هو طريق السقوط في الرذيلة، وهذا أيضا موت ولكن من نوع آخر.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه المذكور: إن (نتيجة الفساد هو انتشار الأمراض والأوبئة إثر السقوط في مستنقع الرذيلة)، هذه هي بعض نتائج الفقر، هذا المارد الذي لا يراعي أي شيء، كونه ينتمي الى الشر بأقسى أنواعه.
الاستبداد منتج للفقر
ومن أسباب الفقر، ظاهرة رافقت مجتمعاتنا عقود طويلة بل قرون متعاقبة، ونقصد بها ظاهرة الاستبداد، حيث يهيمن على السلطة أناس قلوبهم قاسية، ولا يحملون الرحمة ولا أي صفة من الصفات الانسانية، فيكون همهم الوصول الى السلطة لغاية في نفوسهم، يمكن تلخيصها بحالة الاستحواذ وحب الظهورن والنفوذ وجمع أموال السحت الحرام.
فتصبح السلطة مصدر لانتاج الفوضى الصراعات بين جماعات لا تفكر إلا بالسلطة وامتيازاتها، فتعد العدة للسيطرة عليها بالقوة بعيدا عن الشرعية أو الانتخابات، فتنحدر اخلاق الحكام وحكوماتهم ويفقدون دينهم ولا يعترفون إلا بسلطانهم.
يقول الامام الشيرازي حول هذه الظاهرة في الكتاب نفسه: إن (الفقر ينتج الفوضى أيضاً لأنّ المادة القليلة توجب التحارب والتضارب، حيث أن كل واحد منهما يريد أن يحصل على تلك المادة القليلة، وحينذاك يفقد الكثيرون الدين والأخلاق والفضيلة أيضاً).
هذه الظاهرة التي قد تدور رحاها بين الأفراد، فهي يمكن أن تنطبق على الدول ايضا، فالدول تتصارع أيضا وتشتبك مصالحها بالضد من بعضها، فتحدث صراعات كبرى لا يتحمل وزرها سوى الفقراء، كل ذلك من اجل إشباع رغبات الحاكم الأناني لا أكثر.
بالاضافة الى ذلك هناك صراع يحدث داخل الدولة نفسها بين القوى المتصارعة على السلطة، خاصة تلك الجماعات المتحالفة مع بعضها والمنخرطة في السلك العسكري، فهؤلاء الضباط والعسكر هم الذين أشبعوا حقبة طويلة بظاهرة الانقلابات العسكرية، وطالما انهم يصلون الى السلطة بالقوة الغاشمة، فإن الاستبداد سوف يكون عنوانا عريضا لطبيعة حكمهم.
كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (تنطبق هذه الحقيقة على الدول، كانطباقها على الأفراد).
وهكذا سوف يشكل الاستبداد أهم الاسباب لانتشار الفقر بين افراد ومكونات الشعب، لأن الحاكم المستبد سوف يقضي على المواهب والكفاءات، ويحاصر الشعب بالفقر كي لا تقوم له قائمة، فكلما كان الشعب ضعيفا جاهلا، هذا يعني فترة اطول لحكومة الاستبداد، وهكذا يقوم حكام الاستبداد، بتجهيل الشعب ونشر الفساد في كل ثغرة من ثغرات المجتمع، فيحصل تبادل في هذا الظاهرة لتنتشر بين الطبقات الاجتماعية والسياسية، فتتحول الدولة كلها الى كيان فاسد.
يقول الامام الشيرازي عن هذا الجانب: (إذا أردنا دراسة أسباب الفقر نجد أنّ من أهم عوامله الاستبداد، فالمستبد يكبح جماح الطاقات والكفاءات ويعطّل العقل المبدع الذي يخطط ويخترع ويبتكر،ويشل حركة المجتمع والفرد). لذا ليس امام المسلمين سوى القضاء على هذا المارد الأكبر، من خلال القضاء على أسبابه، وأول هذه الأسباب، ثنائية الاستبداد والجهل.
اضف تعليق