الأرض تضم في أعماقها موارد وثروات، بعضها تم اكتشافه بعد أن كان خافيا على الانسان، والمزيد ربما لا يزال خافيا على البشرية، ولكن هذا الاكتشاف الذي تحقق في مضمار النفط، على الرغم من انه طور حياة الانسان وجعلها أسرع واكثر سعة وحركة، لكن هناك في الجانب الآخر أضرار أدت الى زيادة تعقيد الحياة، وجعلتها اكثر صعوبة، فضلا عن الاعتماد التام لعدد من الدول على هذه الثروة كمصدر رئيس لمواردها.
إن هذا الاكتشاف الجيد، أسهم في توفير موارد جيدة اضافية لكثير من الدول الاسلامية وغيرها من دول العالم، ولكن عندما لا يستطيع المسؤولون ادارة هذه الثروة الكبيرة بالطريقة الصحيحة، فإنها قد تنقلب الى وبال على شعوبها، وبدلا من ان تكون مفيدة للإنسان، ستكون عاملا لزيادة مشاكله وتأخير تقدمه وتطوره، كما هو الحال مع بعض الدول العربية والاسلامية.
وما ضاعف من هذه المصاعب التي تتعلق بثروة النفط، مجيء حكومات لم تتعامل بعلمية مع هذا المورد الغالي والذي أطلق عليه خبراء المال والاقتصاد بالذهب الأسود، تقديرا لقيمته الاقتصادية العالية، ولكن تلك الحكومات لم تتعامل معه بعلمية او بتخطيط اقتصادي سليم، وتم تبذير هذه الثروة في الفساد والافساد ومظاهر الفشل المختلفة، ولم يتعاملوا معها على انه ثروة ناضبة وللاجيال اللاحقة حق بها.
يقول الامام الرحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الموسوم بـ (ماذا بعد النفط)، حول المشاكل التي تتعلق بالثروة النفطية: (من المعروف أنّ النفط في حالة نفاذ، فما تبقّى في الآبار في أحسن الافتراضات سيبقى نصف قرن من الزمن. وهناك من يُعلل نفسه بالأمنيات ـ كما يقول الشاعر: أعللُ النفسَ بالآمــــال أرقــبها ........ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمَلِ). فالأمل والتمنيات وحدها ليست قادرة على التعامل الصحيح مع هذه الثروة التي باتت اليوم في طور النضوب، فضلا عن الهبوط الحاد في الاسعار، والذي ادى الى أزمة مالية خانقة، باتت تعاني منها كثير من الدول العربية والاسلامية التي لم تراعي قضية نضوب النفط، وعدم الركون إليه كمصدر إيرادي وحيد للدولة.
يقول الامام الشيرازي عن هذا الجانب: إن (العامل الآخر الذي يهدد بغلق أنابيب النفط هو سقوط قيمته بحيث تكون تكاليف استخراجه أكثر من عائداته، وهذا ما تنبأ به الخبراء خاصة وأن البدائل بدأت بالظهور ولربما بقيمة أرخص وبطرق أسهل وأيسر، ومن هذه البدائل الكحول حيث يتم استخراجه من سيقان الأشجار البالية، وحتى من أكوام القُمامه، ومن ثمّ الاستفادة منه في الوقود، كوقود السيارات ونحوها. وتستخدم البرازيل هذا الأسلوب في توفير الطاقة).
من يقف وراء هبوط الاسعار
ليس ثمة جديد في قولنا، عما تقوم به اسرائيل تجاه المسلمين، فالامور باتت واضحة، وألاعيب اسرائيل صارت معروفة للجميع، مدعومة من دول الغرب وبعض الدوائر المحابراتية، حيث يجتمع هؤلاء حول هدف واحد، هو اعاقة تقدم المسلمين، والحاق الاذى بهم بأية طريقة كانت، وعبر السياسة، والاقتصاد والثقافة والاعلام، وكل الوسائل المتاحة لها.
والآن بات واضحا اسلوب الضغط الاقتصادي على المسلمين من خلال هبوط اسعار النفط، على الرغم من أن الأزمة الراهنة تبدو عالمية، ولكن دول العالم المتقدم لن تتأثر بها كثيرا بسبب عدم اعتمادها على النفط فقط في تحصيل ايراداتها كما هو الحال معنا، ولذلك بان الاذى واضحا على الدول الاسلامية والعربية في مخاطر الهبوط المتسارع لسعر النفط، والهدف كما هو واضح تدمير الاقتصاد، والحاق الاذى بالمسلمين.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (من البديهي أن يكــــون وراء خفض أسعار النفط عامل سياسي ومخطط مرسوم بدقة من قِبل القوى الاستعمارية والصهيونية، فلهذه الأطراف مصلحة كبيرة في خفض أسعار النفط إلى الدرجة المتدنية حتّى يتم هدم البناء الاقتصادي في العالم الإسلامي).
لذلك ليس أمام المسلمين، لاسيما القادة والطبقة الحاكمة وصناع القرار السياسي والاقتصادي، سوى التصدي لمثل هذه السياسات، وليس هناك افضل من توحيد كلمة المسلمين تجاه هذه السياسات الخطيرة التي تتلاعب بموارد وارزاق المسلمين، اذ بات من الواجب على الجميع التخطيط السليم للتصدي لمثل هذه السياسات التي هدفها اضعاف المسلمين وتركهم في اسفل قائمة الدول المتأخرة.
وبات من الواجب علينا التصدي لمثل هذه السياسات الواضحة، فلا يجوز لاصحاب السلطة وصناع القرار اهمال ما يحدث، او التعامل معه بصمت وانما ينبغي ان تكون الاصوات عالية، والاجراءات واضحة وصارمة، حتى يتم احباط مساعي اعداء المسلمين وإيقاف الاذى الذي اصاب المسلمين في أرزاقهم وطبيعة حياتهم.
لذا يؤكد الامام الشيرازي على نقطة مهمة مفادها: (من الواجب علينا أن نحبط - مساعي هبوط اسعار النفط - فهـــذه محاولة معادية للإسلام والمسلمين).
علينا البحث عن أسباب القدرة
ان ضغط الدوائر الاجنبية بات واضحا في هذا الجانب، وما زاد في صعوبة الامر اعتمادنا على النفط كمصدر يديم الحياة الاقتصادية، ويؤثر على ارزاق الناس، فالعراق على سبيل المثال بات يعاني من شحة الاموال والموارد وصعوبة دفع رواتب الموظفين، ولا تزال السياسة المالية والاقتصادية قاصرة في التعامل مع المستجدات، ولا تزال هناك شبهات فساد تشوب القطاع المالي، وهذا يزيد من المصاعب التي تضاعف الاذى بالشعب.
لذلك مطلوب وقفة جادة ومدروسة لمواجهة سياسة خفض اسعار النفط، كونها باتت واضحة في اهدافها وسياستها، فهي تهدف الى تدمير الاقتصاد والحياة للمسلمين، من هنا يقول الامام الشيرازي: (يجب أن لا نبيع النفط بدون حدود وكما تشتهيه الدوائر الغربية والصهيونية العالمية، وبالأسعار التي تحددها الشركات، مما يسبب انخفاض الأسعار ونفاذ النفط وتضييع حقوق الأجيال القادمة، ولا بدّ من التفكير جدياً بالبحث عن بديل للنفط بالثروة الممكنة وقبل فوات الأوان). نعم هناك حقوق للاجيال القادمة لا يمكن غض النظر عنها، ولا يجوز هذا مطلقا، ولذلك بات واجبا مواجهة سياسة التخبط والفساد في الاقتصاد عموما.
وقد حث الاسلام جميع المسلمين، من عامة الناس ومن المسؤولين واصحاب القرار، على أهمية اتخاذ الخطوات الاجرائية والتشريعات والبنود الحازمة التي تضمن تحصيل القدرة ومضاعفة الثروة، والعمل بجدية على معرفة اسباب التدهور التي يعاني منها القطاع النفطي والاقتصادي، ومعالجة هذه الاسباب بجدية وتطبيق مدروس لا يقبل التساهل والخمول والتلكؤ.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله عن هذا الجانب بوضوح بكتابه المذكور نفسه، اذ يقول سماحته: (لقد حثّ الإسلام المُسلم على أن يتّبع السُبل ويستكشف الأسباب والطرق لكل شيء فعليه أن يبحث عن أسباب القدرة وطرق الثروة).
إن البحث عن أسباب القدرة لدى العرب والمسلمين بات مهمة القادة وأولي الأمر، فلا يصح التعامل مع هذه المخاطر الكبيرة وفق سياسة التفرقة والتعنت وإثارة الفتن وما شابه، بل مطلوب وحدة الكلمة والرأي والسياسة ، كذلك هناك مهمة كبيرة تتعلق في القضاء على الفساد والافساد في الاقتصاد وفي قطاع النفط وفي المؤسسات والبنوك المالية، ولابد من تغيير سياسة الاعتماد على النفط كمصدر ايرادي اقتصادي وحيد، وينبغي معالجة هذه المشكلة الكبرى بأسرع ما يمكن وفق سبل علمية جديدة وحازمة.
اضف تعليق