أتاحت داعش وما ارتكبته من جرائم بحق المجتمعات المسلمة والأقليات، وما تقوم به من تجنيد للمسلمين الأوربيين، وقتلها لمواطني تلك الدول بطرق وحشية بعد اتخاذهم رهائن لديها، أتاحت داعش بجرائمها العدمية لحكومات الدول الاوربية من اتخاذ جملة من القوانين النابذة للاسلام والمسلمين في بلدانها، وتحجيم حركة انتشار الاسلام بين مواطنيها..
حملة العداء الغربية للاسلام والمسلمين رغم بروزها الحالي، وتقبل المجتمعات الغربية لقوانين التمييز ضد مسلميها، تعود في حقيقتها الى ما سنته الدراسات الاستشراقية المبكرة وما رسمته من صور نمطية وطرائق تفكير في الاخر الذي هو المسلم، وهي دراسات في معظمها، الاساس النظري الذي تشكلت من خلاله تلك الصور، وأتاحت للإمبراطوريات الغربية في قرون قليلة سابقة من السيطرة على بلدان المسلمين ومقدراتهم..
إلا ان الهجرات المتعاقبة للمسلمين منذ ستينات القرن الماضي او ربما اسبق من ذلك واندماجهم في المجتمعات الاوربية، خلق نوعا من التواصل الذي ارتقى كثيرا الى مراتب عليا من الحوار والتفاهم، عمل على تشريع قوانين وقتها لحماية التنوع المجتمعي في تلك البلدان..
احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 أعادت الصورة النمطية للاسلام والمسلمين الى اذهان الغربيين، امريكيا بالدرجة الاساس واوربيا بدرجة ثانية، تبعا لمكان الحدث ودرجة الاهتمام الاعلامي به وادامة زخمه..
إلا ان هذه المجتمعات في غالبيتها العظمى بقيت متمسكة باحترام التعدد والتنوع الديني فيها، وكانت دعوات اليمين المتطرف من مواطنيها لاتلقى اذانا صاغية الا لدى قطاعات قليلة من تلك المجتمعات، وخاصة اليمين (المسيحي – التوراتي) فيها..
الزمن الحالي اختلف كثيرا بعد ظهور داعش ورسائلها الدموية، فما كان مرفوضا في المجتمعات الاوربية ضد الاسلام والمسلمين اصبح مقبولا بدرجة كبيرة، واصبح لديه قبول اجتماعي متصاعد، بسبب ما تمثله داعش وايديولوجيتها الفكرية من تهديد لنمط الحياة الغربي في عقر دارها.. هل يمكن تغيير تلك الصورة النمطية والمغرقة في وحشيتها وعدم واقعيتها؟
يمكن ذلك، كما يرى الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) وهو الذي كتب (الغرب يتغير) والصادر في العام 1994، و (كيف يمكن نجاة الغرب؟) والصادر في العام 1999، وهو العقد الذي شهد موجات هجرة كبيرة من العراقيين والعرب وبلدان اسلامية اخرى بسبب عدد من الاحداث (غزو الكويت – سقوط الاتحاد السوفياتي السابق - حرب البوسنة والهرسك) وغيرها..
في كتابه الغرب يتغير، يشير الى اللحظة التاريخية التي يجب على المسلمين استثمارها لنشر الاسلام وتعاليمه في بلدان الغرب، واول شروط تلك اللحظة هو خواء الفلسفة المادية التي جعلت من الغربيين يتركون ما جاء في كتبهم الدينية واستخفوا بما ورد فيها من أفكار واهية لا تتفق مع العقل البشرى، ثم اندفعوا مهرولين وراء المادة حيث لم يعرفوا الدين الصحيح.
هذه المادية المستشرية، كانت (سببا في حدوث خلل روحي رهيب و فراغ فكري هائل، لازال المجتمع الغربي يعاني من آثاره، ولذا كثرت الجرائم الإنسانية و الأخلاقية، و لم يستطيع القانون بقبضته الحديدية من ردع الناس عن اقتراف الموبقات و الجرائم، فان القانون لا يكفي في ردع الإنسان عن الموبقات إذا لم يكن له وازع من داخله، و الشاهد على ذلك هو: وقوع مئات الجرائم في أمريكا بسبب انقطاع الكهرباء لثلاث دقائق فقط )!.
وليس هذا فقط، بل بسبب تلك المادية المفرطة، انحرفت القوانين عن مسارها الموضوعة له، بسبب ما تقود اليه المادية من التكالب على المادة ، و التنازع على الثروة، وهما محدودتان، لكن طموحات الإنسان غير محدودة وكل واحد يريدها كاملة لنفسه، و من هنا انحرف (القانون) أيضا، ذلك انه يخضع المجتمع المادي للأقوياء ممن بيدهم المال و الجاه، الذين يشترون القانون بأموالهم، و يغيرونه كما تتوخاه مصالحهم كما أن الخلل الروحي يوجب مختلف المشاكل ويسبب أنواع الجرائم.
لهذا السبب يرى الامام الراحل، أن الكنيسة وكتبها الدينية و الأخلاقية عجزت عن إملاء الفراغ الروحي، الذي يعيشه المجتمع الغربي، بسبب من إن الكنيسة لا توفر إلا جانبا ضئيلا جدا من حاجات الروح، بالمقارنة بين القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة وكتب الأخلاق عند المسلمين، و بين الإنجيل وكتبهم الأخلاقية.
في كتابه الثاني وموضوعه تساؤل مركزي عنون به الكتاب وهو (كيف يمكن نجاة الغرب؟) يعتقد الامام الراحل، ان الإسلام بذاته ناجح لأنه دين الفطرة ولا يحتاج إلى مؤونة زائدة لإثبات حقانيته، وهذا من أهم ما يوجب هداية الغرب إلى الإسلام. ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال (الاهتمام الكافي لبيان أن الإسلام دين ودنيا، ويهتم بأمور الدنيا كما يهتم بالآخرة ويضمن سعادة كليهما).. وهو يرى ايضا، ان أسلوب القرآن في التبشير والإنذار من أهم أساليب الإيصال إلى الحقيقة وتحريك العقول والعواطف نحو الصراط المستقيم.
ويعتقد الامام الراحل، ان الغرب ومن في فلكه، أناس قابلون للهداية، فإنهم بشر والبشر بفطرته يحب الخير لنفسه ولغيره، ووجود ظواهر التعصب فيهم لا يدل على أنهم متعصبون.. ويشير الى التفاتة ذكية وهي، ان دليل عدم التعصب الاعمى لدى الاوربيين وقابليتهم للهداية الى الاسلام، قبولهم للمسيحيّة، مع أن المسيح(عليه السلام) كان شرقياً وليس غربياً.
ثم يتحدث الامام الراحل عن المسلمين في الغرب واعدادهم وقت تاليف الكتاب، ومايمكن ان يقوموا به من نشر الاسلام هناك، والاستفادة منهم لنجاة الغرب.. وهؤلاء المسلمون عددهم كبير وفيهم مختلف المستويات والثقافات، فإذا توفرت شروط عملهم في هذا الاتجاه أمكن الوصول إلى نتائج مذهلة غير مظنونة، والحال أن الإسلام في أصوله وفروعه مطابق للعقل والفطرة، مما تقبله كل فطرة بدون موانع.
لغرض تحقيق نجاة الغرب، يقترح الامام الراحل تشكيل منظمة عالمية إسلامية تختص بهذا الأمر، دون غيره من الأمور. وهذه المنظمة العالمية الإسلامية إذا أرادت نجاة الغرب فهي بحاجة إلى أمور كثيرة، منها:
1 - التركيز على المسائل الجوهرية، وعدم الاهتمام بالجانبيات والجزئيات حتى بعض الانحرافات في داخل المسلمين.
2 - عدم الدخول في الصراعات السياسية والعقائدية والاقتصادية والحدودية بعضها مع بعض، فان الأمور الصغيرة تمنع تمكن الإنسان من الأمور الكبيرة، لأن طاقات الإنسان محدودة.
3 - من الضروري على الحركة العالمية التي تريد نجاة الغرب، سلوك طريق اللاعنف.
4 - عدم محاربة الكنائس وإن حاربت الحركة، وذلك لعدم الانشغال بالجزئيات فان المهم الوصول إلى النتائج المرضية لا ما هو حقي وما هو حقك في الأمور العادية كما في مقام التخاصم.
5 - تقديم الخدمات الانسانية بأن يهتم المسلمون بخدمة الإنسان بما هو انسان، مؤمناً أو غير مؤمن، مسالماً أو غير مسالم.. فان الخدمة أهم ما يقرب القلوب ويخضع الأرواح.
6 - على المنظمة العالمية التي تريد نجاة الغرب أن يكون لها في كل بلد وما أشبه اعلاماً مناسباً لهذا العصر كماً وكيفاً.
7 - توفير الكوادر اللازمة والمال اللازم، فانه بدونهما لا يمكن التقدم.
8 - الاهتمام بالقرآن الكريم أكبر اهتمام بالنسبة إلى انتشال المسلمين العارفين بلغة القرآن من سقوطهم الحالي، وكذلك بالنسبة إلى غير المسلمين الذين لهم لغة غير لغة القرآن، فاللازم طبع ملايين النسخ من ترجمة القرآن بلغاتهم ونشرها بينهم.
9 - أن تتصف المنظمة الإسلامية العالمية التي تريد نجاة الغرب بالنزاهة الكاملة، فإن الناس ينظرون إلى أمرين:
الأول: صحة القانون.
الثاني: نزاهة حملته.
والنزاهة في الحركة ليست في الكلام فحسب، بل في العمل أيضا، يداً ورجلاً وجنساً وغير ذلك.
اضف تعليق