الحاكم المستبد مريض بجنون العظمة، وذاته متضخمة الى درجة العماء، بحيث لا يبصر بالنظر او البصيرة، قيمة العلماء ورجال الدين، وبهذا فالحكام الطغاة لا يمكنهم معرفة القيمة الحقيقية لرجال الدين، لسبب واضح، أن هؤلاء الحكام يحملون العداء المسبق في أنفسهم لكل العقول التي تقوم بمساعدة الشعوب في مجالات المعرفة والوعي وفهم الحقوق والحريات، وهذا الأمر بطبيعة الحال يهدد سلطة الحاكم، لذلك فإن الذين يقبضون على السلطة بالقوة الغاشمة لا يمكن أن يتعاملوا بالحسنى مع رجال الدين والعلماء.
علما أن جميع الحكام يعرفون تمام المعرفة القيمة الحقيقية لرجل الدين وطبيعة علاقته مع الشعب، ويعرفون درجة تأثيره فيهم، وقدرته على تحريك طاقات الناس بالاتجاه الصحيح، لهذا يحاول الحكام المستبدين تهميش العلماء واقصاء رجال الدين، ومحاصرتهم، وعدم السماح لهم بأداء دورهم الاصلاحي في المجتمع، كونه يهدد سلطة الحاكم، ويهز عرشه، ويسقط نفوذه وامتيازاته التي تأتي على حساب حقوق الناس وحرياتهم.
وعلى الرغم من معرفة الحكام الطغاة لقيمة العلماء لكنهم مع ذلك يتجاوزون عليهم، ويحطّون من مكانتهم، وهم يجازفون في هذه الحالة بمستقبلهم السياسي، فليس هناك حاكم على مر التاريخ، حمل العداوة لرجال الدين والعلماء وتمكن من الاستمرار في الحكم، فمصيره السقوط الحتمي استنادا الى تجارب التاريخ، ومكانة العلماء التي تصل الى درجة مكانة الانبياء.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم، الموسوم بـ (تحطم الحكومات الاسلامية بمحاربة العلماء)، حول هذا الموضوع: إن (العلماء كالأنبياء - عليهم السلام- يصدّق آخرهم أولهم، ويبشّر أولهم بآخرهم، فهم أخوة من أمهات شتى كما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).
فإذا كانت مكانة العلماء كمكانة الانبياء، كيف يجرؤ الحكام على معاداتهم ومحاصرتهم وتكميم أفواههم، ومصادرة آرائهم؟؟، علما أن جميع الحكام الذين يحاربون رجال الدين لا قيمة لهم، لسبب واضح، أن الشعب سوف يسقط هذه القيمة من الحاكم، وينظر له على انه عدو للشعب والوطن، وليس قائدا سياسيا حريصا على شعبه وامته ودولته، بل هو حاكم جاهل مستبد أناني، يهتم بمصلحته وسلطته على حساب الدولة.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب بكتابه المذكور نفسه: (إن الحاكم الذي لا يساير الناس ولا يعمل بقوانين الله ويحارب العلماء لا قيمة له).
إسقاط الحاكم العميل
إن غباء الحكام المستبدين يفوّت عليهم الكثير من فرص التقارب مع الشعب، فهؤلاء الحكام مصابون بالجهل والغباء والعمى ايضا، لأنهم لا يرون سوى سلطتهم وكيفية حماية عرشهم، والمزايا التي يحصلون عليها من الحكم، لهذا عندما يتجاوزون على حقوق الشعب، يريدون من العلماء أن يجاروهم ويساريوهم ومن رجال الدين أن يؤيدوهم ويغضون الطرف عن افعالهم، أما اذا حدث العكس فتقوم الحرب على العلماء من الحكام المستبدين.
ولكن في جميع الاحوال يبقى الخاسر الاول هو الحاكم عندما يعادي العلماء، فهو يغامر بخسارة الشارع، فينكره الشعب وتهبط شعبيته، وتقل قيمته الى الصفر، ويبدأ يعاني من خلل نفسي وخوف من الحاضر والمستقبل، وبعضهم يصاب بالرعب، وهو يعيش هذا الوضع النفسي طالما بقي على قيد الحياة، وبعد الموت سوف يبقى ملعونا على لسان الشعب، كما هو الحال مع الحكام الطغاة، الذين انتهوا الى مزبلة التاريخ.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب بكتابه نفسه: (وعليه ينبغي أن يعرف الحاكم الذي يحارب العالم إن أول ما يكتسبه ويجنيه من معاداته للعلماء، زوال حب الناس، ويغدو مكروهاً عندهم.. وهذه أشد ضربة نفسية له يعاني منها ما دام حياً، ويلحقه اللعن إذا مات).
لقد اعتاد المسلمون والعرب على جفاء الحكام للعلماء ورجال الدين، لاسيما الحكومات التي وصلت الى الحكم بالقوة او الوراثة، فهذه الحكومات وحكامها لم يصلوا الى السلطة وفق الدستور الاستشاري، ولا التداول السلمي للسلطة، لذلك غالبا ما تحدث حالة خلاف بينهم وبين العلماء لعدم تأييدهم على الخطأ.
وهكذا يكون الحاكم المستبد هو الخاسر في جميع الاحوال، اذ سرعان ما ينظر اليه الشعب على انه عميل للغرب اذا كان معاديا لرجال الدين، وهذه سوف تكون بداية النهاية له، ويبدأ سقوطه من هذه اللحظة، وقد يسقط بالانتخابات اذا كانت الدولة استشارية او بقوة السلاح، بمعنى انه ذاهب الى الزوال في جميع الحالات.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله الواضح: (بمجرد أن ينفصل الحاكم عن العالِم يراه الناس عميلاً للغرب وغاصباً للحكم وهذه نقطة البداية في سقوطه، فإذا كان الحكم ديمقراطياً استشارياً يسقطه الناس عند حلول الانتخابات أو قبلها، وإذا كان ديكتاتورياً استبدادياً أسقطه الناس بالسلاح والقوة).
الرعب في حياة الحكام الطغاة
وهكذا يجد الحاكم المستبد نفسه معزولا عن الشعب، هو وحكومته، وشيئا فشيئا يزداد الحصار عليه، ويتضاعف الرعب في داخله، وتكبر الثورة الجماهيرية، ويلمس الطاغية عزلته بنفسه، فيبدأ يتخبط بقراراته، فيصدر احكام الاعدام الرعناء العشوائية، ويقتل ويطارد ويعذب، ويبطش، لكنه بالنتيجة سيجد رأسه داخل حبل المشنقة كما فعل بالناس الابرياء، وسوف تتردد في سمعه (وبشر القاتل بالقتل)، فيصاب بالرعب وينهار.
هذه هي الصورة الواضحة التي يعيشها الحكام الطغاة في طوال حياتهم، فهم لا يذوقوا طعم الهدوء والاستقرار، طالما كانوا في حالة صراع ومعاداة للعلماء ورجال الدين، ومن بعدهم الشعب، وقد يموت الطاغية ميتة اخرى، فهو يرى شبح الموت قريبا منه في كل لحظة، لكنه لا يعرف كيفية طريقة موته، وهذا بحد ذاته من اشد انواع الفزع.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (من أوحش الأشياء أن يحس الإنسان بأنه لا قيمة له، ووجوده معلّق بخيط رقيق، وفوق رأسه حدّ السيف طول حياته، ولا يعلم بأيّة قتلة يقتل أو بأية ميتة يموت، كما هو مذكور في علم النفس، وهذه الحالة تصيب هؤلاء الحكام الذين يحاربون العلماء).
ولذلك هناك تصوّر لدى المسلمين حول حكامهم بأنهم منذ أن انفصلوا عن العلماء وابتعدوا عن الدين، صاروا لعبة بيد الأجنبي المستعمر، فهؤلاء الحكام العملاء أداة بيد الدول الطامعة، ينفذون اهداف المستعمرين على حساب مصالح شعوبهم، وشعوب المسلمين يعرفون ذلك، ويفهمون ان معاداة الحكام للعلماء جاءت بسبب تبعيتهم للأجنبي.
من هنا نلاحظ ان هؤلاء الحكام التابعين للأجنبي هم ضعفاء مع اسيادهم، واقوياء ضد شعوبهم، فليس بمقدورهم اتخاذ القرار السياسي المستقل ولا الاقتصادي، بسبب تبعيتهم للمستعمرين، ولكنهم عندما يتعلق الامر بالتعامل مع شعبهم، فإنهم يبرزون عضلاتهم ويتنمرون على الشعب وعلى رجال الدين والعلماء، فيعدمون ويقتلون ويشردون ويعذبون كل من يعارضهم في الرأي ويقف الى جانب الشعب، لذلك يفعل هؤلاء الطغاة العملاء، كل ما من شأنه أن يلحق الاذى بالناس الابرياء، لذلك هم ضعفاء اذلاء لأسيادهم واقوياء ضد شعوبهم.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه نفسه: (منذ أن انفصل الحكام عن العلماء، انفصلوا عن الشعوب أيضاً، وصاروا آلة بيد الأجانب وعملاء لهم، فلا يملكون الاستقلال في القرار السياسي او أي قرار آخر لأنهم أتباع لأسيادهم).
اضف تعليق