إن عقولنا تحتاج إلى المكتبة، لأنها تعرض الكتب وتقدم المعلومات المتنوعة، وهذا يعني بأن المكتبة تُشبع حاجتنا الفكرية والمعنوية، وتساعدنا أن نوفر الغذاء الروحي والعقلي لأنفسنا، من هنا يظهر أن أهمية المكتبة في حياتنا حاسمة، ولا يمكن التخلي عنها، وهل يمكن أن يتخلى الإنسان عن غذائه؟...
(لابد من الاطلاع على العلوم الباطلة لردّها كالأديان المزيّفة والمبادئ الهدّامة)
الإمام الشيرازي
لا يمكن لأي إنسان أن يصمد كثيرا أمام الجوع، لأن جسده سوف يتعرض للأمراض، وتُمسي حياته مهدّدة بالموت، لهذا سوف يلجأ إلى ألف طريقة وطريقة لكي يُشبع جسده، ويحمي حياته من التضاؤل والضمور، وهذا البحث عن سد الجوع الجسدي حاجة لا يمكن إهمالها، وهناك حاجة موازية لها، وتكاد تضاهيها في الأهمية ونقصد بها حاجة العقل للمعلومات والأفكار، لأنه إذا لم يحصل عليها سوف يبقى جائعا كما الجسد.
الفراغ الفكري مشكلة لا تقل ضررا عن الجوع الجسدي، لهذا نحن البشر نحتاج إلى السبل والوسائل التي تمنحنا الأفكار، وتملأ فراغ العقل، وتشبعه وتنقذه من الجوع، لأن جوع العقل يعني العيش على هامش الحياة طيلة العمر، بالإضافة إلى تدمير طاقات الجسد وإتلافه في زوايا الجهل والنسيان.
لذا نحن ببساطة في أشدّ الاحتياج للكتب، وللمكتبة التي تمنحنا الكتب، فالأخيرة تمنحنا المعلومات والعلوم والأفكار التي تطور تفكيرنا، وتجدد أفكارنا، وتجعلنا نرى ما بين السطور، وما خلف المعاني والأرقام والرموز المختلفة، فهناك معادلة كيمياوية لها رموزها الخاصة يمكن أن تغيّر حياة الإنسان إلى الأبد، ومثل هذه المعلومات لابد أن يطالها العقل.
ونظرا لأهمية العلوم فقد أصبح بمستوى الفريضة التي لا يمكن أن نتخلى عنها، كالصلاة مثلا، حيث لا يمكن للإنسان أن يتخلى عن صلاته كونها فريضة ملزِمة، وتحصيل العلم لا يقل أهمية عن الفريضة، وهذا نجدها في بطون الكتب، والكتب نجدها على رفوف المكتبة.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم، الموسوم بـ (كل فرد حركة وفلسفة التأخّر):
(إن المكتبة ترفع المستوى الثقافي للأمّة، لأنها توفر لهم مختلف العلوم والمضامين التي تقدمها الكتب للقراء، وطلب العلم الصحيح يمكن أن يقع بين فريضة ومستحب، وقد ورد في الحديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة).
فكما يتّضح لنا أن الكتب توفر للعقول ما تحتاجه من الأفكار الجديدة التي يتجدد معها العقل نفسه، ورؤية الإنسان، ويصبح أكثر خبرة في إدارة حياته، وينظم شؤونه، ويزيد من ذكائه وتصوراته، ويصبح أكثر ثقة في نفسه، ويمكنه مواجهة الجهل بالعلم من دون تردد.
مواجهة الأفكار المنحرفة
لذا فإن المطلوب من البعض أن لا يترددوا في مطالعة الكتب التي تحاول أن تنشر العقائد والأفكار المزيفة، كما أننا يجب أن نفهم كيف يفكر المضادون لنا، حتى نعرف كيف نتعامل معهم، كما أننا إذا فهمنا ما يفكر به الآخر، فإننا نستطيع نواجه هذه الأفكار إذا كانت مغرضة أو تنطوي على الكراهية أو التطرف لأننا أصحاب فكر نظيف وعقيدة لا تقترب منها الكراهية ولا العنف ولا التجاوز على حدود وكرامات الآخرين.
لذا فإن كل شخص يشعر بأنه لم يفهم ما تطرحه الكتب الباطلة، أي التي تساند الباطل وتقف بوجه الحق، فإننا يجب أن نفهم ما تطرحه هذه الكتب لكي نكون قادرين على مواجهتها.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(كما يلزم ــ على البعض ــ أن يطالعوا ويفهموا ويتعلّموا العلوم الباطلة لردّها كالأديان المزيّفة والمبادئ الهدّامة وما أشبه ذلك(.
أما المكتبات فهي كثيرة ومتنوعها، ويمكن أن تكون مكتبات عامة تستقبل جميع الناس، كما نلاحظ ذلك بالنسبة للمكتبات العامة الموجودة في العواصم الكبيرة والمحافظات والمدن الأخرى، فهذه المكتبات الكبيرة ارتبطت أسماؤها بأحدث تاريخية مهمة جدا، وقد حملت أسماء نُقشت في ذاكرة الثقافة والأدب والعلوم عبر التاريخ.
أما المكتبات الخاصة، فالمقصود بها تلك التي يتم تشييدها في البيوت، فهناك عوائل وبيوت لا يمكن أن تخلوا من المكتبة البيتة، وبعضها تضمة اجود الكتب وأفضلها، حيث يجد الشاب أو الشابة من أفراد العائلة نفسه بين الكتب المختلفة، وأن العلوم والآداب والفنون وكتب الأديان والأحاديث الشريفة بين يديه في أي وقت كونها تتوف له في بيته.
كذلك نحن نتذكر عندما كنا نسافر إلى المدن الأخرى بسيارات الأجرة ذات الأحجام المختلفة، فإننا نرى الركاب يقرأون الصحف والمجلات، وبعضهم يحمل معه كتابا، وقد انتشرت في عقود وسنوات سابقة ظاهرة كتب الجيب حيث كان يحمل الناس معهم كتبا أثناء السفر والترحال القريب أو البعيد، كذلك نجد الكتب متاحة في عيادات الأطباء والمحامين وغيرهم، وهذا دليل على الشغف الكبير بالقراءة والحب الذي يكنه الناس للمكتبات والكتب.
لذا يقول الإمام الشيرازي:
(من الممكن أن تكون المكتبات عامة أو خاصة، وبالإمكان إنشائها في البيوت أو في المساجد أو سائر المؤسسات الحكومية والمدنية، بل وحتى في وسائط النقل مثل الطائرات والقطارات والسيارات، وكذلك في العيادات ومراكز الطب والأطباء والمحامين، إلى غير ذلك).
تنمية الأفكار الدينية والعقائدية
كذلك نجد الكتب المختلفة والمجلدات موجودة في المساجد وهو المكان الذي يجعل الإنسان أكثر تقربا إلى الله تعالى، فهو مكان عبادة وتعبد، وفي نفس الوقت يمكن أن نحصل فيه على المعلومات الدينية والعقائدية التي تملأ عقولنا بالفهم، وتزيد قلوبنا إيمانا واستقرارا وثباتا، وتجعلنا أقرب إلى الله أكثر من أي وقت مضى.
كذلك يتصاعد لدينا منسوب المعنويات، بعد أن نحصل على الاستقرار النفسي التام، خاصة أننا نكون في وسط تصاميم عبادية إسلامية تنعش الروح وتجعلها في حالة كبيرة من الأمن والهدوء، كذلك نلاحظ أن تصميم المكتبات يوحي أيضا بأنه مكان للعلم والدراسة وطرد الجهل. وقد أصرَّ الكثير من المهتمين بالمكتبة وبنائها على أهمية تصميم المكتبة بأسلوب هندسي خاص يوحي بأنها مكان مختلف عن الأمكنة الأخرى.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(إن المسجد هو مكان التقرّب إلى الله سبحانه، وهذا المكان يقوّي المعنويات، والتصميم العمراني للمسجد يوحي إلى الإنسان بالمعاني التي بني لأجلها، وكذلك بناء المكتبة يوحي بالقراءة والتعلّم).
وقد ثبت تاريخيا أن المكتبات في عموم المدن لها وجود مهم وتاريخ حافل في مذكرات الكتاب والعلماء والأدباء أيضا، ومن النادر جدا أن لا يكون هناك دور مهم وكبير للمكتبة في حياة العظماء والنوادر من العلماء الكبار والأدباء المعروفين، كذلك هناك دور كبير للمكتبات في تطوير المجتمع ككل، لهذا يتم التركيز على مكتبات المدارس والجامعات.
بالإضافة إلى مكتبة البيت التي تجعل أفراد العائلة في طليعة المثقفين والمفكرين الفاعلين، وحين نعود إلى سيرة أي عالم أو كاتب أو ديب سوف نجد تأثير المكتبة والكتب حاضرا وقويا في حياته، وأهمية المكتبة لا تتعلق بجنس معين، ولا بفئة عمرية محددة.
فالأطفال يحتاجون المكتبات في المدارس والبيوت، من أجل زرع ثقافة القراءة في عقولهم وهم صغار العمر، فينمو ويكبر ويشب عن الطوق ليجد نفسه حاملا للعلوم والآداب والعقائد الصائبة، وهذا ما يجعله محميا من الانحراف أو الضياع في التيارات الفكرية المنحرفة، كذلك يجب توفير المكتبة للنساء وللرجال أيضا لأهميتها الكبيرة في تطوير حياتهم.
يقول الإمام الشيرازي:
(هذه المكتبات يمكن تخصيصها للرجال أو للنساء أو للأطفال أو لفئة خاصة، ومن ذلك المكتبات الصوتية، وما أشبه ذلك).
في الخلاصة، إن عقولنا تحتاج إلى المكتبة، لأنها تعرض الكتب وتقدم المعلومات المتنوعة، وهذا يعني بأن المكتبة تُشبع حاجتنا الفكرية والمعنوية، وتساعدنا أن نوفر الغذاء الروحي والعقلي لأنفسنا، من هنا يظهر أن أهمية المكتبة في حياتنا حاسمة، ولا يمكن التخلي عنها، وهل يمكن أن يتخلى الإنسان عن غذائه؟
اضف تعليق