القيام بالأعمال السياسية التي يراد بها تحقيق الإرهاب الاقتصادي، كحصار الشعوب المستضعفة والتحكم في ثرواتها ومنعها من استثمار خيرات بلادها، وكذلك القضاء على الشركات الكبيرة ومنع تأسيسها أو استمرارها، وتخريب البنية التحتية للبلاد، والبرمجة الدقيقة لتهجير رأس المال إلى الغرب، وما يُشبه هذه الأمور...

(الدول الغنية لا تعطي القروض للدول الفقيرة إلا بعد إعلان التبعية السياسية لها)

الإمام الشيرازي

من الأمور المسلَّم بها أن الشكل القديم للاستعمار قد انتهى، ولم تعد الدول القوية بحاجة إلى استخدام قواتها العسكرية حتى تستعمر الدول الضعيفة، بل هنالك شكل (استعماري) آخر، هو التبعية الاقتصادية، وهو إخضاع الدول الصغيرة أو ما يًصطلَح بـ النامية، أو دول العالم الثالث، ومنها الدول الإسلامية، حيث يتم إخضاعها عبر أسلوب الترهيب والترغيب الاقتصادي.

 ومن بين الأساليب الناعمة للاستحواذ والسيطرة على الدول الضعيفة ونهب خيراتها، اللجوء إلى أسلوب التجسس الدقيق لمعرفة تفاصيل ثروات تلك الدول وكمياتها، وأهمية، وتسلسل ندرتها وقيمتها، ومن ثم الانطلاق وفق خطط دقيقة لسلبها ونهبها عبر التجسس، والاستفادة التامة من شبكة الإنترنيت، ووسائل الاتصال المختلفة، بالإضافة إلى ما يتوفر للدول القوية من عملاء لها يدخلون في صلب أو لبّ السلطة والحكومة.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (فقه السلم والسلام الجزء الثالث):

إن (الدول الاستعمارية قامت بالتجسس على ثروات الشعوب المسلمة من أجل نهبها واستغلالها واحتكارها والسيطرة عليها، وعلى معاملاتها التجارية، وذلك من خلال وسائل الاتصال الحديثة عبر الإنترنت وغيره ومن خلال الوسائل المتطورة، كما يتم التجسس عبر عملائهم في الحكم).

وهنالك سبل أخرى تعتمدها الدول القوية لنهب ثروات الدول الصغيرة أو تجفيف منابعها المالية، منها ما يمكن أن نصطلح عليه بـ (الإرهاب الاقتصادي)، مثل اللجوء إلى محاصرة الدول سياسيا واقتصادية، بعهد اختلاق حجج واهية، ليس لها أي وجود في الحقيقة، كما أنها تعلن استهداف الحكام والحكومات ولكنها في الواقع تدمر الشعر وتذيقه الهوان والتجويع، وتقوّي شوكة الحكام أكثر فأكثر.

محاربة الشركات الوطنية

وغالبا ما تهدف الحصارات إلى التحكم بثروات الدول الصغيرة، ومنعها من مضاعفة واستثمار خيراتها، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى محاربة الشركات الوطنية الداخلية، ويمنعها من التطور، ومن المشاركة الفعلية في بناء الاقتصاد الوطني، مما يؤدي إلى تدمير الاقتصاد ووقف الحركة الانتاجية للبلد.

يُضاف إلى ذلك إنهاك البنية التحتية ومنع إدامتها وتطويرها، ثم العمل على تهجير رؤوس الأموال الوطنية خارج حتى لا تستفيد منها الشعوب الإسلامية، وهذه في الحقيقة سياسية استعمارية خبيثة لا تلجأ إلى القوة ولا إلى السلاح وإنما إلى الإرهاب الاقتصادي.

كما يؤكد الإمام الشيرازي ذلك في قوله:

(القيام بالأعمال السياسية التي يراد بها تحقيق الإرهاب الاقتصادي، كحصار الشعوب المستضعفة والتحكم في ثرواتها ومنعها من استثمار خيرات بلادها، وكذلك القضاء على الشركات الكبيرة ومنع تأسيسها أو استمرارها، وتخريب البنية التحتية للبلاد، والبرمجة الدقيقة لتهجير رأس المال إلى الغرب، وما يُشبه هذه الأمور).

إن الأساليب المؤذية والخبيثة التي تم ذكرها، والتي تقوم بها الدول المتنفّذة اقتصاديا وسياسيا على المستوى العالمي، تلجأ إليها هذه الدول من أجل تجفيف المنابع المالية للدول الإسلامية والدول الأخرى التي تكتظ بالثروات الطبيعية والمواد الأولية التي يسل لها لعاب الدول الصناعية وغيرها.

من الدول التي تعرضت لمثل هذه المخاطر في إطار الاستعمار الاقتصادي والترهيب الاقتصادي أيضا إيران والعراق، فقد تعرضت هاتان الدولتان إلى هجمات خبيثة من قبل دول قوية عالميا، حاولت بشتى السبل أن تمتص رؤوس أموال وخيرات العراق وإيران، بأساليب خبيثة، والهدف من ذلك تحقيق الاستحواذ التام على الخيرات الأموال الطائلة في هاتين الدولتين. أما المتضرر من ذلك فهي الشعوب وليس الحكومات كما تدعي الدول الناهبة. 

يقول الإمام الشيرازي:

(يفعلون كل ذلك كي يصلوا إلى النتيجة التي يسعون إليها وهي القضاء على المنابع المالية للشعوب الإسلامية وتجفيفها، وهذا ما لاحظناه في إيران والعراق، وفي الحقيقة إنها مؤامرة أريد منها تدمير الشعوب وليس الحكومات).

ومن الأساليب الخبيثة أيضا كي تُنهَب الثروات الطبيعية ورؤوس الأموال والمواد الأولية، ربط اقتصادات الدول النامية ومنها الإسلامية بعجلة الاقتصاد الغربي، واقتصاد الشركات لضمان السيطرة والتحكم، ومنها أسلوب الإقراض وإجبار الدول الإسلامية ودول العالم الثالث على الرضوخ لها عبر منحها قروض بتسهيلات معينة بشرط التبعية لها.

حيث يذكر الإمام الشيرازي: (كذلك ما نراه من الفوائد التي تفرضها الدول الكبرى لقاء إعطاء قرض طويل الأجل أو لمدة معينة مما يثقل كاهل الدولة والشعب بزيادة الفائدة المرتفعة عبر مرور الوقت).

ويضيف الإمام الشيرازي قائلا: (كذلك عدم إعطاء بعض الدول الغنية القروض والمساعدة إلا بعد إعلان الدولة المقترضة بأنها تابعة لها في سياستها أو في غيرها من المجالات المختلفة).

مجاعات على المستوى العالمي

وهكذا أخذت تحدث مجاعات على مستوى العالم بسبب هذه السياسات الخبيثة التي تهدف إلى إخضاع الدول النامية إلى سياسات اقتصادية مهيمنة عليها، ومتحكمة بها، الأمر الذي يجعلها تحت رحمة سياسات استعمارية تهدف إلى نهب وسلب وامتصاص خيرات وثروات الشعوب الإسلامية في ظل حكومات خانعة هدفها الأول والأخير الحفاظ على المناصب، أما التبعية للاقتصاد الأجنبي والخضوع له وتدمير حاضر ومستقبل الشعب فهذا ليس أمرا مهما عند الحكومات الخاضعة. 

يقول الإمام الشيرازي: (هذه الأعمال وغيرها من النهب والسلب واحتكار الثروة وما أشبه، هي التي كانت سبباً في إيجاد أكثر من ألف مليون جائع في عالم اليوم، وموت مليون طفل جوعاً بسبب عدم العناية الصحية في كل عام، وكذلك هي السبب في بث الرعب والقلق والخوف في النفوس).

وهكذا سعت القوى العظمى، والشركات الكبرى المهيمنة على الاقتصاد العالمي، إلى الترويج لسياساتها الاقتصادية، ونشر النزعة الاستهلاكية المادية على مستوى العالم، واعتمدوا في ذلك عقد المؤتمرات الكبرة التي تروج لبعض الحجج والمشكلات التي تسعى من خلالها القوى العظمى لإخضاع اقتصادات الدول لها عبر الترويج لمشكلة الزيادة السكانية عالميا.

متخذين من هذه الحجة سببا لتحديد النسل وتقنين الانجاب، كما حدث في الصين مثلا، وحاولوا فرض هذه السياسة على الشعوب الأخرى، باعتبار أنها السبب الأساس في المجاعة التي تضرب نسبة كبيرة من سكان العالم، لكن الحقيقة العلمية والأسباب الحقيقية لما يحدث في العالم من أزمات ومشكلات تكمن في سياسات القوى المهيمنة اقتصاديا على شعوب العالم، ومنها شعوب الدول الإسلامية.

حيث لا تزال الدول الإسلامية تعاني من مشكلة مزدوجة ذات بعدين: الأول ضغط الشركات والقوى الكبرى لإخضاع وربط اقتصادات هذه الدول في عجلة الاقتصاد الغربي، لضمان نهب خيراتها وتهجير رؤوس أموالها، وتحويلها إلى شعوب ودول استهلاكية لا تمتلك اقتصادات منتجة، بل تبقى سوقا مفتوحة لمنتوجات الدول والشركات الكبرى.

والثاني الهيمنة على الأنظمة السياسية للدول النامية، وضمان تبعيتها في مقابل حماية عروشها، وهذا أسلوب متعارف عليه حيث ترتبط معظم حكومات الدول النامية سياسيا واقتصاديا بالدول الكبرى، وهكذا تم الترويج عبر المؤتمرات وعقدها دوريا لسياسات الهيمنة الاقتصادية لضمان نهب وسلب الثروات والخيرات والأموال معا. 

يقول الإمام الشيرازي: (لقد عقدوا المؤتمرات الدولية واستغلوا الإعلام العالمي لمسائل تم اختلاقها لهذا الشأن، ومنها مثلاً المشكلة السكانية في العالم، وأنها تهدد مستقبل العالم وتنذر بانفجار سكاني لا يعرف مصيره ولا تعلم عواقبه، فتعقد لأجلها المؤتمرات وتبحث فيها مسائل كثيرة ومنها تحديد النسل وعلاج المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها!).

هكذا تتعامل القوى الكبرى، والشركات العائدة لها مع الشعوب والدول الإسلامية، ومع دول العالم الثالث أو الدول النامية، حيث تضع لها سياسات تضمن تبعيتها، والهيمنة عليها، وضمان تدفق ثرواتها من الداخل إلى الخارج، الأمر الذي يستدعي سياسات مقابلة يجب أن تضعها الحكومة الإسلامية والنامية لكي تحمي اقتصاداتها من هذا النهب المبرمج.

اضف تعليق