إن مسلسل الانحراف عن الإسلام الحقيقي الذي تسبب به الطغاة المستبدون، هو الذي يقف وراء جميع الويلات التي عانى منها المسلمون، ولا زالوا يعانون من ذلك إلى الآن، فالسياسات المنحرفة التي تأسست على أيدي الحكومات المستبدة بدءا من الأمويين، حرمت المسلمين من فرص التطور وأقصتهم كأمة ريادية عن موقع الصدارة في قيادة البشرية...

(كل ويلات المسلمين كانت نتيجة لتشكيل الحكومات الاستبدادية والدكتاتورية)

الإمام الشيرازي

إن مسلسل الانحراف عن الإسلام الحقيقي الذي تسبب به الطغاة المستبدون، هو الذي يقف وراء جميع الويلات التي عانى منها المسلمون، ولا زالوا يعانون من ذلك إلى الآن، فالسياسات المنحرفة التي تأسست على أيدي الحكومات المستبدة بدءا من الأمويين، حرمت المسلمين من فرص التطور وأقصتهم كأمة ريادية عن موقع الصدارة في قيادة البشرية.

فما أن سيطر يزيد على الحكم، أخذ النظام الأموي المستبد يُقصي الإسلام بعيد، ويؤسس لمنهجه المنحرف الذي قام على تشويه العقائد، وتلويث الأحكام الشرعية، وإطلاق البدع التي أساءت للإسلام والمسلمين، وجعلتهم يرزحون تحت وطأة الجهل والتخلف، وكان للقمع والاستبداد دوره الخبيث في سلب وتفريغ الشخصية المسلمة من قوتها ومصدر إلهامها.

وهكذا تم تجريد شجرة الإسلام الوارفة من مصادر سقيها الأصيلة، وتم تعريضها للتزييف، فتشوهت وانحرفت وجفت أغصانها، حتى كاد الإسلام يلفظ أنفاسه تحت جرائم الفسق والفجور التي قادها يزيد، فلم يكن ثمة بدّ من أطلاق صرخة الحق ورفض الظلم، ومواجهة الفساد والقمع، وإعادة الاعتبار للإسلام في مقابل استشهاد الحسين عليه السلام وذويه وأصحابه البررة.

فقد ورد في كتاب الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) الموسوم بـ (موجز عن النهضة الحسينية) ما يؤكّد:

(إن دين الله والعقيدة الإسلامية صارت في معرض خطر الفناء والزوال... فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وعادت شجرة الإسلام يابسة بعد موت جذورها وسقوط أوراقها، فلم يكن هناك أمل بإحيائها وإعادة الحياة إليها من جديد سوى ذلك الدم الزاكي لأبي عبد الله الحسين عليه السلام).

وهكذا استعادت تلك الشجرة الوارفة للإسلام حياتها، واخضرّت أغصانها، وسرى دماء الحق والفضيلة والقيم الحميدة، لتمد هذه الشجرة بكل أسباب الحياة، وتم مواجهة المساعي الخبيثة للحكم الجائر المنحرف، فخرج الحسين بن علي عليهما السلام من الحجاز إلى العراق، (لا أشرا ولا بطرا) بل (خرجت لإصلاح أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله).

القيم الصالحة والعقائد الرصينة

فعادت هذه الشجرة العظيمة إلى سابق عهدها، حيث الرسالة النبوية أغدقت عليها بالقيم الصالحة والعقائد الرصينة، والأحكام الشرعية التي ما انتظم بها الناس واستجابوا لها، حتى تماسك نسيجهم، وتعاظمت قوتهم، وانتعشت حقوق الناس، ورفرفت أجنحة الحرية فوق الرؤوس والعقول، وكان الدم الحسيني الممتد من نسغ النبوة والإمامة، هو الساقي الأعظم لشجرة الإسلام واستعادتها من يزيد وجلاوزته الذين سعوا بكل كيدهم لخطف الإسلام وتحطيمه، ولكن الله تعالى حفظ الإسلام بدماء الحسين عليه السلام. 

كما يظهِر ذلك في كتاب الإمام الشيرازي: 

(لقد أحيا الدم الطاهر لسيد الشهداء (عليه السلام) سبط النبي وابن علي والزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) وأصحابه الأبرار تلك الشجرة العظيمة وأعاد لها الحياة وملأها بهجة ونضارة بحيث صار المسلمون وغير المسلمين يقطفون ثمارها المباركة وإلى يومنا هذا).

وهكذا تجلّت نهضة الحسين علي السلام في الهدف المركزي الواضح، ألا وهو، إلحاق الهزيمة بالنظام المستبد الفاسد، وانتزاع الإسلام والعقيدة المتماسكة ممن سعلا لخطفها وتشويهها، وهذا كان الهدف الإلهي أيضا، فقام الحسين عليه السلام بدوره، وقدّم نفسه ودمه قربانا يحفظ الإسلام من عتاة القمع وأرباب الفساد.

ومن الخبائث التي أطلقها المعادون للإسلام، أن الحسين بن علي ليس هدفه تخليص الإسلام من ربقة الانحراف، وإنما كان هدفه السلطة قبل كل شيء، هكذا سعى المنحرفون آنذاك لتشويه الحقائق وقلبها، ولكن أنى لهم ذلك وجميع المواقف والأدلة والحقائق، تؤكد أن سبط الرسول وابن الإمام علي هدفه تحجيم الطغاة الفاسدين، فانتزع من براثنهم أصالة الإسلام، واستعاده محمديًّا كما أظهره في انطلاق الرسالة النبوية الأولى.

نقرأ في كتاب الإمام الشيرازي المذكور في أعلاه:

(إن نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) المباركة كانت فقط من أجل رضا الله وإحياء واستقامة العقيدة الإسلامية والمحافظة عليها من خطر الانحراف والزوال، فلم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) له طمع في الحكومة والرئاسة الدنيوية، بل سعى مخلصاً في سبيل الله وضحى بنفسه وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) من أجل الدين وبقاء شريعة سيد المرسلين).

هذا الهدف العظيم الذي يتلخص بحماية الإسلام من انحراف يزيد، لم يأت بالسهل، وإنما تعرض فيه الحسين عليه السلام وذويه وأصحابه الكرماء إلى أبشع جريمة يمكن أن يرتكبها حاكم قمعي منحرف، ولهذا لا تزال وسوف تبقى نداءات الحسين عالية وحاضرة بين الأجيال، وستبقى كذلك إلى الأبد، حتى تقض مضاجع الطغاة.

الحكام الفاسدون يخشون النهضة الحسينية

كما أنها كانت ولا تزال ثورة كبرى حيّة زلزلت الأرض تحت عروش المستبدين، وسوف تهدد عروش الحكام الطغاة البغاة على مر الأزمان، لهذا يخشاها كل حاكم فاسد منحرف ويعاديها في نفس الوقت، لأنه سيكون هدفا للنهضة الحسينية التي لن تسمح للفاسدين والمستبدين بالبقاء فوق عروشهم طالما كان القمع والظلم والانحراف منهجهم.

لهذا يقول الإمام الشيرازي:

(إن فاجعة كربلاء كانت بحق شديدة على أهل السماوات والأرضين والإنسانية جمعاء، ولقد فاقت كل فاجعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها إلى قيام الساعة، ولذا فإن صرخات ونداءات الإمام الحسين (عليه السلام) ستترد في كل جيل فيستجيب لها كل أبي وغيور).

أما البحث في أسباب بقاء المسلمين في أوضاع مزرية، فالحقيقة التي لا تقبل الشك تعود إلى أنهم لم يراعوا أحكام الله، وأنهم ابتعدوا عن الخلافة الشرعية لأهل البيت عليهم السلام، وسمحوا للمنحرفين التجاوز عليها، مما جعلهم في غابة من المظالم والخروقات، وأسقطهم في وحل المغانم الظالمة، فأنهكهم الجشع، وأغراهم الحكم الجائر.

وهكذا كان للأنظمة الدكتاتورية دورها في إنهاك المسلمين، وصارت القوى المختلفة تتصارع فيما بينها كي تغنم بالسلطة والقوة والمال، بعيدا عن عدالة الإسلام، ورصانة سنن السماء، والمساواة المحمدية وبلاغة علي، فضاعت على المسلمين فرص التقدم، لنهم لم يستجيبوا للحق، ولم ينصاعوا لكلام الرسول صلى الله عليه وآله، فأصبح جميع المسلمين تحت رحمة الحكومات والدول المستبدة. 

يقول الإمام الشيرازي:

(إن كل ما جرى من ويلات على المسلمين كان نتيجة لتعدي القوانين الإلهية والابتعاد عن الخلافة الشرعية وعن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ووكلائهم، ونتيجة تشكيل الحكومات الظالمة والدول الاستبدادية والدكتاتورية، وعدم الانصياع لكلام الله والرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته عليهم السلام).

أما إذا أراد المسلمون العودة إلى دورهم الرائد، فلا يوجد طريق سوى التمسك بالنهضة الحسينية، كونها حصيلة تلك البذور التي زرعها الرسول في منهج سبطه، فصارت هي طريق الخلاص، كون الحسين رمز التضحية والإيثار، وهو المحفز للمسلمين كي يصنعوا أمتهم من جديد على أن يعلنوا السير في طريق الحسين عليه السلام.

وهكذا (سيبقى الحسين رمزاً للاستقامة والشجاعة والتضحية في سبيل الحرية يقض مضاجع الظالمين)، ومنهجا واضح المعالم لاستعادة المجد والرفعة، ونشر أصالة الرسالة المحمدية مجددا، كما تجسدت بوضوح وجلاء في ملحمة عاشوراء الحسين عليه السلام التي ستبقى خالدة إلى الأبد. 

اضف تعليق