لا نبتعد عن الواقع اذا قلنا، أن هناك من يسعى لتخريب الاسلام، من خلال تدمير منظومة القيم الإنسانية الخلاقة التي جاء بها الدين الاسلامي، وصحح من خلالها معايير أخلاقية واجتماعية كثيرة، نقلت مجتمع الجزيرة العربية آنذاك من الظلام الى النور، وخلّصت هذا المجتمع من التعصّب والقبلية، ونقلته الى رحاب التآخي والتعاون والإيمان، ليتم بناء منظومة جديدة من القيم الاسلامية التي تحمي الفرد والمجتمع من الانتهاك والتجاوز، وتحث على التطور والاستقرار.
إذاً هناك أحكام معروفة للاسلام، وثمة شعائر تمسك المسلمون بها، تأسيا بالنص القرآني الكريم وتمسكا والتزاما به، فازدادت رحمة المسلمين لبعضهم وتضاعفت اواصر الأخوة والمحبة والتقارب فيما بينهم، وتم صنع نسيج اجتماعي متين لا يمكن اختراقه، ساعد على تكوينه مضامين الاسلام وتعاليمه، حتى اصبح المجتمع الاسلامي آنذاك من اقوى المجتمعات في العالم إن لم يكن أقواها جميعا، وهو أمر مثبت من خلال قوة دولة المسلمين وقدرتها على نشر الدين الاسلامي في دول وقارات ومساحات مترامية الاطرف في العالم.
هذه هي قدرة القيم الاسلامية على حفظ مكانة المسلمين ومؤازرة ما حققوه على مستوى العالم آنذاك، والنتائج التي تحققت للمسلمين بعد الإهتداء بها، والسير على هديها، أثبتت قدرة التعاليم الاسلامية على تحلّي المسلمين بالحداثة والقوة والرحمة، وهذا الخليط المتنوع من القيم، هو الذي بنى دولة عظمى للمسلمين.
لذا يرد التساؤل التالي بهذا الخصوص، هل يمكن أن تبني لنا القيم الاسلامية دولة قوية معاصرة اذا اعتمدها المسلمون كمنهج وخريطة طريق لحياتهم؟، الجواب نجده في قول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، الذي ورد في كتابه القيم، الموسوم بـ (الاستفادة من عاشوراء) إذ يقول سماحته في هذا الأمر: (يمكن أن يُستفاد من عاشوراء في التأكيد على ضرورة العودة إلى الإسلام وإلى أحكامه وشعائره).
ونظرا لهذه الإمكانية فيما لو تمسك المسلمون بالإسلام الصحيح، فقد ادرك اعداء المسلمين هذا الخطر الكبير، وخططوا ونفذوا كل ما في وسعهم لتشويه الاسلام ومحاربة مضامين القرآن، كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي في الكتاب نفسه: (قال غلادستون الرئيس البريطاني قبل قرن: إن أردتم ترسيخ أقدامكم في بلاد الإسلام فعليكم برفع القرآن من بين المسلمين ومنع الحج عنهم، وقد فعل الغربيون كلا الأمرين فالحج تحول إلى حملات محدودة بحدود، ومضيّقة بأيام معدودة، ومراقبة من قبل الجواسيس، فلا تعارف ولا تبادل هموم ولا مؤتمرات ولا حل لمشاكل المسلمين ..فأضحى الحج خاوياً).
القضاء على الأخوة الاسلامية
هكذا خطط اعداء الاسلام بدقة، ومن دون كلل او تعب او تردد، لتدمير الاسلام والمسلمين، فزرعوا الفرقة فيما بينهم، وانتشرت الفتن وحالات الاحتراب، وشجعوا على انتشار التطرف والتكفير وما الى ذلك من أساليب، كان الغرض منها ولا يزال، هو القضاء على الاخوة الاسلامية، فقد حاولوا واستماتوا في ذلك لمنع أية خطوات تقرب بين المسلمين وتجعل منهم امة واحدة كلمتها واحدة وقرارها واحد وسياستها واحدة.
لقد دمر اعداء المسلمين كل القيم الاسلامية ذات الطابع الانساني ونشروا بدلا منها قيم التناحر بين المسلمين، فقاموا بتجزئة أراضي المسلمين وجعلو بينهم حدودا جغرافية رسمية، حتى يضعفوهم الى أقصى حد ممكن، ليس هذا فحسب، إنما قاموا بصورة عملية منهجية دقيقة، على بث الخلافات والشقاق بين المسلمين، كي تسهل السيطرة عليهم، وكان هناك من الحكام من هو مستعد دائما لتنفيذ اهداف أعداء المسلمين.
والنتيجة كما يقول الامام الشيرازي، زرع الفرقة بين المسلمين، كما نقرأ ذلك في قول سماحته: (لقد قضوا على الأخوة الإسلامية، فصار أهل كل قطر في القطر الآخر أجنبياً وفرقوا الأمة الإسلامية الواحدة فأصبح المسلمون أمماً عدة، محددين بحدود جغرافية ما أنزل الله بها من سلطان).
نعم انها حدود وضعها اعداء المسلمين عبر اتفاقيات دولية، رسمتها دوائر وقوى دولية وجدت في وحدة المسلمين خطرا كبيرا يتهدد سيطرتها على العالم وتحكمها بثروات الدول الضعيفة، ونهب خيراتها كما حدث عبر التاريخ، فضلا عن الراهن العالمي القائم على الظلم، وعدم الانصاف، وغياب العدالة العالمية على نحو بالغ الألم والوضوح.
وما كان للغرب أن يتمكن من تحقيق اهدفه في تشويه الاسلام وتدمير القيم الاسلامية ووحدة المسلمين لو لا وجود أذرع عميلة تعمل لصالح الاستعمار، وتخنق الحريات، وتحارب الشعوب عبر القوانين الجائرة، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي: (لقد خنقوا الحريات الإسلامية، فلا حرية لإبداء الرأي ولا حرية للكلمة، ولا حرية للفكر، ووضعوا القوانين الجائرة، لتكون قيوداً لتكبيل الناس وتحديد حركتهم في الأعمار والتجارة والزراعة والصناعة والسفر والإقامة وسائر شؤون الحياة ولوازمها).
سياسة الاستبداد لتدمير الاسلام
لقد حرص المستعمرون على نشر سياسة الاستبداد في الحكومات الاسلامية، كونها الطريقة التي تضمن لهم قيام الصراعات بين الحكومات الاسلامية وبين وشعوبها، وهذه الصراعات تبعد المسلمين عن التفكير بالتطور والتقدم والاستقرار، وتزيد من تناحرهم مع بعضهم، فيما تخلو الاجواء للاستعمار وادواته كي ينعموا بخيرات المسلمين، وكل هذا ما كان له ان يحدث، لو لا سياسة تدمير القيم الاسلامية التي اتبعها الأعداء بصورة منظّمة.
لذلك حرصوا على تعميق الظلم والطغيان، وشجعوا الحكومات العميلة لهم على انتهاج هذه السياسة الظالمة للمسلمين، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: لقد (ألغوا الإستشارة في الحكم، فصار الحكام يستبدون، فلا انتخابات حرّة ولا مؤسّسات دستوريّة. ومنعوا التنظيمات السياسية، فأصبح ذلك محظوراً في بلاد الإسلام، فلا تعددية حزبية وإنّما الحق للحزب الواحد والحاكم الواحد).
ويتضح من ذلك أن الاسلام لم يأتي بالقيم الاجتماعية والدينية والاخلاقية فقط، بل كانت هناك قيم سياسية تم في ضوئها ادارة الدولة الاسلامية الكبيرة، وتم تحقيق التقدم المضطرد على الصعيدين الداخلي والخارجي، حتى بلعت تلك الدولة في غضون عقود من اقوى دول العالم آنذاك، وكل هذا حدث بفضل القيم السياسية التي جاء بها الاسلام، وكانت هذه المنظومة السياسية قائمة على المنهج الانساني، وليس منهج الخداع، والتكالب على المنافع حتى لو كانت على حساب الاطراف الاخرى.
لقد كان قادة الاسلام يراعون في سياساتهم مصالح الجميع، لأنهم انطلقوا في جميع سياساتهم من منطلق القيم الاسلامية التي لا ترى فرقا بين انسان وآخر، ولا تسعى للتجاوز على حقوق الآخر، كما يفعل قادة العالم الغربي اليوم، إن عالما اليوم بلغ من التشوّه أقصاه، فصار عالما قائما على الجشع والباطل وضمور الحق.
في حين يمكن أن يستعيد المسلمون وسط (هذا الخراب العالمي) قدراتهم ووحدتهم وقوتهم وتقدمهم واستقرارهم، اذا ما قرروا العودة الى القيم الاسلامية الخلاقة، وهي ذاتها قيم عاشوراء التي تدعو الى الحق والعدل والمساواة والابتعاد عن الظلم بصورة مطلقة.
من هنا يركز الامام الشيرازي، على أهمية العودة الى القيم الاسلامية الاصيلة، ويمكن ذلك من خلال اتخاذ قيم عاشوراء مسارا وطريقا وخريطة عمل لتحقيق هذا الهدف، الذي يبدو صعب المنال، ولكن بالعودة الى القيم العاشورائية، والتمسك بها، والعمل في ضوئها، يمكن أن يحقق المسلمون ما يرجونه ويأملون به ويسعون إليه، كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي: (ينبغي أن نتّخذ من عاشوراء سبيلاً للتركيز على إعادة أحكام الإسلام وآيات القرآن وتوجيهات العترة المطهّرة).
اضف تعليق