إسلاميات - الإمام الشيرازي

ثقافة عاشوراء وتجديد الوعي الإسلامي

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

لقد جاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام ليعود المسلمون إلى الإسلام في كل زمان ومكان، فإن يوم عاشوراء كان من أجل العودة إلى الإسلام وعدم الإعراض عن ذكر الله عزوجل وأمره، والإمام الحسين عليه السلام قد ضحى بدمه ودماء أهل بيته وأصحابه لإحياء الدين المبين...

(يجب علينا أن نجعل يوم عاشوراء يوماً لإحياء القوانين الإسلامية والعمل بها)

الإمام الشيرازي


الأمة أية أمة لا تنهض إلا بثقافتها، فإن كانت الثقافة ذات جذور قوية ثابتة، فإن الأمة قوية وصامدة، وإن ضعفت ثقافة الأمة ينعكس هذا الضعف على الأمة فتُصاب بالضعف والهزال، هذا ما توصل إليه المفكرون المهتمون بالوعي ودور الثقافة في بناء الأمم.

لذا نحن كمسلمين توجد بنا حاجة كبيرة لاستعادة الوعي الاسلامي، والعودة إلى العمل الحقيقي في ضوء القوانين الإسلامية الحقيقية، وحين ثار الإمام الحسين عليه السلام على يزيد، وخرج من الحجاز حاملا لواء الحق والحرية، فإن هذا الخروج هو ثورة كبرى لاستعادة الوعي والثقافة والقوانين الإسلامية والعمل بها.

أما أهمية هذه الثورة، وإعلان الرفض للانحراف ومصادرة الإسلام، فتأتي في إطار وفي هدف واضح جدا، ألا وهو تحريك الوعي، واستنهاض الثقافة والقوانين الإسلامية، وعدم السماح للحكام المنحرفين بمواصلة تجهيل العقول، ولا بمواصلة نشر ثقافة الفسق والفجور.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (عاشوراء والعودة إلى الإسلام):

(إن من أبرز أسباب تخلف ملياري مسلم" هو انعدام الوعي، فإن كثيراً من هؤلاء المسلمين أميون عاجزون حتى عن القراءة والكتابة، فكيف بفهم ثقافة الحياة).

وحين نريد البحث عن السباب التي تقف وراء قلة الوعي عند الناس، فإننا سوف نكتشف من خلال الأدلة والمعطيات الأخرى، بأن الحكام المستبدين هم من يقف وراء حملات التجهيل المدروسة، لدرجة أن نسبة الأمية بين المسلمين بلغت درجات عالية غير معقولة، حيث أن نسبة كبيرة منهم لا يقرأون ولا يكتبون وهذه هي الطامة الكبرى.

وقد عاصر الإمام الشيرازي الكثير من الأنظمة السياسية، ولاحظ الحالة الاستبدادية العالية التي يحكمون بها الناس، ولاحظ أيضا كيف يصر هؤلاء الحكام الظالمون على سلب الوعي من الناس، ووضع العراقيل أمامهم كي لا يتعلموا، ولا يحصلوا على فرص التعليم التي تنقلهم من ظلام الجهل إلى نور الوعي والثقافة. 

لهذا يقول الإمام الشيرازي:

(إن من يقف وراء قلة الوعي والثقافة عند الناس، هم حكام الجور الذين سيطروا على بلاد المسلمين، فكانوا سبباً في هذا التخلف الواسع وانتشار الأمية المتعمَّدة، وقد شاهدتُ وعايشتُ بنفسي الإصرار العجيب على تجهيل الناس ونشر التخلف في العراق).

تداعيات عدم الالتزام بالقوانين الإسلامية

إضافة إلى سياسة التجهيل، هنالك أسباب أخرى يقف في المقدمة منها تردد وتكاسل المسلمين في قضية التعامل وفق القوانين الإسلامية، وحينما تركوا الالتزام بمبادئ وقوانين الإسلام، تسلّط عليهم الحاكم الظالم، وباتت نفوسهم وعقولهم مشغولة (بالدنيا ومغرياتها)، وابتعد عنهم العلم والمعرفة، وشحَّ! لديهم الوعي والثقافة.

لذا ما أن ترك المسلمون دينهم وإسلامهم، سيطر عليهم المستبد، وسلب منهم جوهر وعمود ومرتكز قوتهم وهو الإسلام الذي قدم الحسين عليه السلام نفسه ودمه وذويه وأصحابه فداءً كي يحفظ قوانين ومبادئ الإسلام الذي ابتعد عنه الناس، ولم تتعامل معه تلك الدول الإسلامية بما يحفظ لهم وعيهم وثقافتهم). 

لدرجة أن بعض الدول الإسلامية لم يبق فيها من الإسلام سوى اسمه فقط، بسبب الابتعاد عن الإسلام، وعن العمل بقوانينه، والسير في طرق الانحراف، ومجاراة الطمع والغرائز والمصالح الدنيوية المنفلتة، فلم يعملوا بالإسلام ولا بقوانين ولا مبادئه ولا ثقافته).

الإمام الشيرازي يؤكد هذه النقطة بالقول: 

(ومن الأسباب التي تقف وراء تخلفنا نحن المسلمين هو عدم العمل بالإسلام، الذي استشهد من أجل بقائه حياً الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وقد أصبح هذا الابتعاد عن الإسلام بدرجة، حتى لم يبق في بعض الدول الإسلامية إلا اسم الإسلام فقط ولا خبر من العمل به).

بالطبع تسعى الحكومات الإسلامية، وتحاول الأنظمة كافة أن تبرر الانحراف والفساد والفشل، ولكن أنّى لها ذلك، فالأسباب جلية و واضحة للجميع، ولا يمكن للأعذار والتبريرات أن تغطي أخطاء وانحرافات تلك الحكومات، ولا يمكن أن تجد لها الحل المطلوب.

لأن الحل واضح، فإن أراد المسلمون العودة إلى السمو والرفعة والارتقاء، فما عليهم إلا العودة إلى الإسلام، ولهذا رفع الإمام الحسين عليه السلام كلمة الحق عاليا، وجاهر بصوت عال في رفض الظلم ومواجهة الطغاة، واسترداد الاسلام بأي ثمن كان حتى لو كان الروح والنفس والدماء التي لا تقدَّر بثمن.

يقول الإمام الشيرازي:

(هكذا هو ديدن الحكومات الإسلامية، فإنها تتعذر وتحاول أن تبرّر أعمالها، وتجتهد في إيجاد أسباب وأعذار واهية لعلّة تخلف الأمة الإسلامية، ولكن يبقى الحل معروفا لدى الجميع، وهو يكمن في العودة إلى الإسلام فقط).

لا يوجد طريق آخر غير تفعيل الوعي، والعودة إلى مبادئ الإسلام، والتمسك بالفكر الحسيني، وثقافة عاشوراء، لأن الحسين عليه السلام حفظ بدمه الإسلام، وقيم عاشوراء تقوم على العدالة والإنصاف ورفض التسلّط.

دم الحسين والاستعادة الخالدة للإسلام

ليس أمامنا طريق آخر غير طريق الحسين (عليه السلام)، فهو طريق الحق الذي حمى الإسلام من ألاعيب الطغاة، واستعادة إلى جذوره المحمدية الحقيقية، فكانت هذه الاستعادة الخالدة بمثابة عودة ثانية إلى الإسلام بعد أن سعى يزيد بكل جهوده المنحرفة أن يزج بالإسلام في دهاليز الظلم والفسق والانحدار.

لقد قُتل الإمام الحسين حتى يبقى الإسلام في مأمن من الانحراف، لذا علينا اليوم أن نسعى بكل قوة واندفاع وتنظيم عال في طريق نشر الوعي والثقافة التي تحفظ حقوق الناس، وتحرك فيهم بوادر الوعي، وتبعد عنهم أساليب الجهل والتضليل.

الإمام الشيرازي يؤكد على هذه النقطة حين يقول:

(يجب علينا أن نجعل يوم عاشوراء يوماً لإحياء القوانين الإسلامية والعمل بها ونشر الثقافة والوعي في أوساط الأمة، فإن الإمام الحسين عليه السلام قُتل من أجل إحياء الإسلام وقوانينه العادلة).

هكذا هي نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، سجل حافل بالتضحيات، وإصرار منقطع النظير على حماية الإسلام، من خلال فضح أساليب الحكام المنحرفين الجائرين، حيث دفع الإمام الحسين عليه السلام ومعيته الأطهار أرواحهم ودماءهم، حتى تبقى عاشوراء منارا للثقافة والوعي الإسلامي الأصيل.

فإذا استثمر المسلمون ما قدمه الإمام الحسين من فعل خالد وعظيم على طريق التحرر والارتقاء، فإنهم سوف ينجون من موجات التشويه والتضليل التي تسعى دائما إلى تشويه الإسلام وإضعافه، من خلال بث سموم التجهيل، وإضعاف الوعي الجمعي.

يقول الإمام الشيرازي:

(لقد جاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام ليعود المسلمون إلى الإسلام في كل زمان ومكان، فإن يوم عاشوراء كان من أجل العودة إلى الإسلام وعدم الإعراض عن ذكر الله عزوجل وأمره، والإمام الحسين عليه السلام قد ضحى بدمه ودماء أهل بيته وأصحابه لإحياء الدين المبين، كما يقول الشاعر عن لسانه:

إن كان دين محمد لم يستقم

إلا بقتلي يا سيوف خذيني)

نعم كانت ولا زالت وسوف تبقى دماء الحسين هي الطريق المستقيم نحو الحياة السليمة، حياة العلم والوعي والثقافة الحقيقية التي تنقذ الجميع من زمر الضلالة والانحراف، فلنتمسك بعاشوراء ثقافة ونهجا وطريقا لأنها الطريق الحق للإسلام والسلام.

اضف تعليق