ان جميع الذين وقفوا ضد الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، تلقوا العذاب الذي يستحقونه في الدنيا، لكن العذاب الأشد هو عذاب الآخرة، حيث يقتص منهم تعالى بما يستحقونه من القصاص كونهم ظلموا الرسول صلى الله عليه وآله في سبطه وذويه، وهذا ما يستحقون عليه أشد العذاب في يوم الحساب...

(المشكلة الكبيرة أن الإنسان لا يعاد إلى الدنيا ليتدارك ما فاته) الإمام الشيرازي

لهذا الكون نظامه الإلهي الدقيق، فكل يتحرك ويجري بمقدار، وحركة الكون مثال عظيم عن الدقة الإلهية، ومنها انبثق أدق القوانين الإلهية ألا وهو قانون الجزاء والعقاب، أو الثواب والعقاب، والحقيقة أن مسيرة حياة الناس لا تتسق ولا تنتظم لولا هذا القانون العظيم، ولتحوَّلت الحياة الدنيا إلى غابة.

نعم هنالك قوانين وضعية يتم تشريعها في الدول وإدارة المجتمعات، ولكنها ليست كافية، بل ثبت أن الحاجة للتوعية والتثقيف على القيم والدين والأخلاق، والتعريف المستمر بأحكام الله تعالى أمر لابدّ منه، بل هو في غاية الأهمية البشرية، خصوصا ما يتعلق بإحقاق الحق وحماية الحريات، وكفّ الظلم عن الناس المسالمين الملتزمين، وكبح جماح الطغاة والظالمين، لاسيما الحكام المستبدين الجائرين.

ولكن لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فهناك في المقابل قانون آخر يقابل قانون العقاب الذي يطال كل من يتجاوز على حرمة الناس وكرامتهم وحقوقهم، ونقصد به قانون الثواب، لأن كل إنسان يقول بعمل الخير سوف يحصل على ما يقابله من جزاء جيد، هذا يحدث في الدنيا، وهناك جزاء عن العمل الصالح عند الله تعالى.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ ( قتلة الإمام الحسين عليه السلام والجزاء الدنيوي):

إن (من أدق قوانين الله عزَّ وجل، قانون الجزاء والعقاب، سواء في الدنيا أو في القبر أو في المحشر أو في الآخرة، وكذلك قانون الثواب).

قتلة الحسين والقصاص الدنيوي 

ما تقدم في أعلها بمثابة التمهيد الذي يتيح لنا التحدث عمّا سيواجه (قتلة الإمام الحسين عليه السلام) من عقوبات إلهية صارمة، فضلا عن العقوبات الهائلة التي تلقوها في الحياة الدنيا، عندما داهمتهم قوات المختار واقتصت منهم في الدنيا قبل الآخرة بالقصاص الذي يستحقونه، كونهم تجاوزا على حرمة سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله، وأهرقوا دمه مع حالة عجيبة من الإصرار على الإجرام.

وعادة ما يحاول الطغاة المجرمون أن يبعدوا عنهم الجرم، وأن يبرروا كل ما يقترفونه من جرائم شنيعة، لكن العقاب بانتظارهم في الآخرة، وفي البرزخ، بعد أن نالوا جانبا منه على يد المختار، الذي طاردهم وقتلهم وألحق بهم عذاب شديدا في الدنيا، فيما ظل بانتظارهم ذلك العذاب والعقاب الأشد أضعافا، عذاب القبر والمحشر والبرزخ، وعذاب يوم الحساب.

فما قالوه من أعذار وتبريرات عن أنهم لم يرتكبوا جريمة بحق آل البيت وأبناء الرسول صلى الله عليه وآله، غير صحيح، وغير مقبول، لأن جميع الأدلة تفند أعذارهم وتبريراتهم الكاذبة، لذا فإن الله تعالى ونار جهنم وسقر لهم بالمرصاد.

يقول الإمام الشيرازي: 

(قد يزعم الطغاة ـ كما زعم قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) ـ أنهم لا يؤاخَذون بما عملوه من إجرام كبير في الدنيا أو الآخرة، ولكن الله كما قال: (إن ربك لبالمرصاد) سورة الفجر، الآية 14. حيث لم تمر عليهم إلا أيام قليلة وثار عليهم المختار (رحمه الله) وانتقم منهم او عوقبوا في الدنيا بشكل آخر).

إن العذاب الذي طال قتلة الإمام الحسين لا يعلم حجمه وعذابه إلا الله تعالى، وهو في الحقيقة عذاب لا يخطر على بال مما يستحقه المجرمون الذين تجاوزوا على حرمة الأئمة الأطهار وذرية الرسول صلى الله عليه وآله.

لذا فإن (الله يعلم عن سوء حالهم بعد قتلهم في عالم البرزخ والقيامة، فالعذاب مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).

في حين أن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وكل الذين ناصروه في واقعة الطف، و واجهوا الطغيان بالوقوف مع الإمام والانتصار لثورته، وقدموا أنفسهم فداءً للإمام الحسين عليه السلام، في تلك المنازلة غير المتكافئة، وهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن مصيرهم الموت بسبب الحجم الكبير لقوات الطرف الآخر.

الانتصار لسيد الشهداء

لكنهم لشدة إيمانهم، صمدوا إلى جانب الحسين، فنالوا الثواب الذي يستحقونه لأنهم انتصروا للحق ولم يخذلوا سيد الشهداء، كما أنهم لم يتراجعوا أمام جبروت الطغاة والرعب الذي كانوا يطلقونه ضد سبط الرسول ونسائه وأطفاله، حيث انطفأت العاطفة وتبخرت الرحمة، وخلت القلوب من النور تماما، فراحوا يتسابقون على قتل الحسين (عليه السلام)، وكان الله لهم بالمرصاد، والعقاب الهائل بانتظارهم.

يقول الإمام الشيرازي:  

(أما أصحاب الحسين (عليه السلام) في المقابل، رأوا مثل ذلك من الثواب والأجر العظيم، وقد استطلعنا بعض العقاب الدنيوي لقتلة الإمام الحسين (عليه السلام) حسب ما سجله التاريخ، ليكون عبرة وعظة لأولي الألباب، فإنه الله سبحانه وتعالى للظالم لبالمرصاد، ولا يمكن الفرار من حكومته).

هناك مشكلة كبيرة لم يكن يعيها المعسكر الجائر، ولم يعرفها المجرمون من قتلة الإمام الحسين، وهي أن الإنسان حينما يموت لا يمكن أن يعود إلى الدنيا مرة أخرى لكي يكفّر عن جرائمه أو ذنوبه التي يرتكبها بحق الآخرين، وقد حاول الأموات المجرمين العابثين في دنياهم، بعد أن بلغهم الحساب في جهنم وسقر، وبعد أن شاهدوا كيف يتعذب المجرمون أمامهم، حاولوا الدعاء والتضرع لله بالعودة إلى الدنيا لكي يعملوا صالحا.

لكن أوان العودة للحياة قد فات، ولم يبق أماهم سوى ساعة الحساب والعقاب، وكان الله تعالى لهم بالمرصاد، وعُذّبوا العذاب الذي يستحقون، كونهم قتلوا سيد الشهداء، وسبط رسول الله، وتنكروا لفضائله حين نقلهم من الظلمات إلى النور، وكان جزاء فعل الخير أن قتلوا الحسين السبط والإمام المعصوم وسيد شهداء أهل الجنة.

لذا يقول الإمام الشيرازي:

(المشكلة الكبيرة أن الإنسان لا يعاد إلى الدنيا ليتدارك ما فاته وإن (قال رب ارجعونِ * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت) سورة المؤمنون، الآية 99. فيُجاب: (كلا... ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) سورة المؤمنون، الآية 100 .

نعم قتلة الإمام الحسين واجهوا مصيرهم الذي يستحقونه، في الدنيا قبل الآخرة، و واجهوه في الآخرة، بداية من عذاب القبر، ومراحل وأنواع العذاب اللاحق، في حين أن أحباب الله تعالى ومطيعوه ومناصروه، هؤلاء في مأمن، بل هم بانتظار الجزاء والثواب العظيم الذي يستحقونه، بحيث تقر عيونهم، وتفرح نفوسهم، ويسعدون في جنائن وفراديس الله.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:

(أما الصالحون المطيعون لله ولرسوله ولأولي الأمر من أهل البيت (عليهم السلام) (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعلمون)، سورة السجدة، الآية 17. وذلك أعظم التشويق للمطيع، وأكبر التحذير للعاصي).

الشيء الذي يتفق عليه الجميع، أن جميع الذين وقفوا ضد الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، تلقوا العذاب الذي يستحقونه في الدنيا، لكن العذاب الأشد هو عذاب الآخرة، حيث يقتص منهم تعالى بما يستحقونه من القصاص كونهم ظلموا الرسول صلى الله عليه وآله في سبطه وذويه، وهذا ما يستحقون عليه أشد العذاب في يوم الحساب. 

اضف تعليق