أَهلَ البيتِ (ع) لم يغفلُوا عن ذلكَ عندما يُذكِّرُونَ بقصَّةِ عاشُوراء وكربلاء والحُسين السُّبط (ع) فحثُّوا على الحُزنِ وحرَّضُوا على البُكاءِ ولَبسِ السَّوادِ وأَمرُوا بتبادُلِ التَّعازي في يومِ عاشُوراء، وكُلُّ هذهِ الظَّواهر تُلامِسُ العَواطف والمَشاعر أَوَّلاً ليبدأَ الحديث بعدَ ذلكَ عن جَوهَرِ عاشُوراء وفحوى كربلاء ورسائِلَ الحُسينِ...
عاشُوراء يجب أَن تبقى في الذَّاكرةِ ويجب أَن نعيشَها جيلاً بعدَ جيلٍ.
والوجُوبُ هذا تحدَّت بهِ عقيلةُ الهاشمييِّنَ زَينب بنت عليٍّ (ع) الطَّاغية يزيد وهوَ في قمَّةِ نشوَتهِ بـ [الإِنتصارِ السَّاحق] الذي ادَّعى أَنَّهُ حقَّقهُ على [الخَوارجِ] في كربلاء! عندما خاطبتهُ بشجاعةٍ وتحدٍّ رساليٍّ قاتِلاً قائلةً {فكِدْ كيدَك واسْعَ سعيَك وناصِبْ جهدَك فوَاللهِ لا تمحُو ذِكْرَنا ولا تُميتُ وحيَنا ولا تُدرِكُ أمَدَنا ولا تَرحضُ عنكَ عارَها وهلْ رأيُكَ إلاّ فَنَد وأَيَّامُك إلاَّ عَدَد وجمعُك إلاَّ بَدَد}.
أُربطُوا أَولادُكم وصِغاركُم بالحُسينِ السِّبطِ (ع) كما ربطَ اللهُ تعالى على قلبِ أُمِّ موسى {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وكما ربطَ على قلبِ أَصحابِ الكهفِ {وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}، وكما رَبطَ على قلوبِ المُؤمنينَ {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} ولتتعلَّق قلوبهُم وأَحاسيسهُم ومشاعرهُم بكربلاء ولوَ عن طريقِ [ماعُونِ قيمةٍ] أَو شعيرةٍ مِن الشَّعائِر أَو صورةٍ تعلِّقها في البيتِ أَو قصَّةٍ قصيرةٍ عن أَحدِ أَبطالِ كربلاء يسمعَها قبلَ النَّومِ أَو كأسِ ماءٍ يوزِّعهُ في مواكبِ المشي إِلى الحُسين السِّبط (ع) في الأَربعِين أَو بأَيةِ طريقةٍ أُخرى، ليكُونُوا جُزءً من مُعادلةِ التحدِّي الزَّينبي.
لا تسخَر من الوَسيلةِ أَو تُقلِّل من شأنِها مهما كانَت بسيطةً فالهدفُ أَسمى وأَكبرُ وأَعظمُ.
إِنَّها الطَّريقُ إِلى عاشُوراء التي يجِب أَن تبقى حيَّةً بكُلِّ تفاصيلِها.
صحيحٌ؛ لا ينبغي أَن نتوقَّفَ عندَ هذا الحدِّ مِن الذِّكرى، إِذ يلزم أَن تتطوَّر العِلاقة بينَ النَّشء الجديد وكربلاء بالفكرِ والثَّقافةِ والسُّلوكِ والمُنطلقاتِ والأَهدافِ والوَسائلِ، لكن يبقى [ماعُونِ القِيمةِ] هوَ المدخلُ، لأَنَّ مِن طبيعةِ الإِنسانِ أَنَّهُ يتعلَّق بالأُمورِ بظواهرِ الأَشياءِ وبعواطفِهِ أَوَّلاً ليتطوَّر هذا التعلُّقِ إِلى تعلُّقٍ بالعقلِ والفكرِ والفَلسفةِ.
قالَ تعالى عن فلسفةِ العِبادةِ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
خاصَّةً إِذا كانُوا صِغاراً لم يستوعبُوا بعدُ علاقةَ العقلِ والفكرِ بالحُسين السِّبط (ع) ولذلكَ يَلزم أَن نبذلَ جهودَنا ليرتبطُوا بعاشُوراء بعواطفهِم ومشاعرهِم لنثبِّتَ العرشَ أَوَّلاً ثمَّ نبدأَ بالنَّقشِ عليهِ، والحِكمةُ تقولُ [العِلمُ في الصِّغَرِ كالنَّقشِ على الحجَر].
أَرايتُم كيفَ يرتبِطُ النَّشء الجديد بقدَواتهِ من ممثِّلين ولاعبين وأَبطال ومغنِّين وغيرهُم بقَصَّةِ شعرهِم وتسريحتهِ أَوَّلاً أَو بطريقةِ تنظيمهِ لذقنهِ ومن ثمَّ يسترسِلَ الإِرتباطُ إِلى الفِكرِ والثَّقافةِ والعَقلِ وطريقةِ التَّفكيرِ!.
لقد وظَّفَ الغربُ كُلَّ مداخلِ العواطفِ والمشاعرِ ليصِلَ من خلالِها إِلى عقُولِ النَّاسِ ليُحدِّدَ لهم طريقةَ التَّفكير حدَّ الإِنبهارِ وأَهدافهُم التي يرجُوها لهُم من التَّفكيرِ؟!.
فالعواطفُ والمشاعِرُ مدخلٌ لابُدَّ منهُ للعقلِ والتَّفكيرِ، لا يمكِنُ الإِستغناءَ عنها أَو تجاهُلها والقفزَ عليها، فإِذا كانَ المدخَلُ إِلى العواطفِ سليمٌ وصحيحٌ أَنتجَ عقلٌ سليمٌ وصحيحٌ وطريقةُ تفكيرٍ سليمةٍ وصحيحةٍ، والعكسُ هوَ الصَّحيحُ.
ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ أَهلَ البيتِ (ع) لم يغفلُوا عن ذلكَ عندما يُذكِّرُونَ بقصَّةِ عاشُوراء وكربلاء والحُسين السُّبط (ع) فحثُّوا على الحُزنِ وحرَّضُوا على البُكاءِ ولَبسِ السَّوادِ وأَمرُوا بتبادُلِ التَّعازي في يومِ عاشُوراء، وكُلُّ هذهِ الظَّواهر تُلامِسُ العَواطف والمَشاعر أَوَّلاً ليبدأَ الحديث بعدَ ذلكَ عن جَوهَرِ عاشُوراء وفحوى كربلاء ورسائِلَ الحُسينِ السِّبطِ (ع).
يقولُ جدُّ الحُسين السِّبط (ع) رسولُ الله (ص) وهوَ أَوَّلُ مَن بكى على سبطهِ الشَّهيدِ لحظةِ وِلادتهِ {إِنَّ لقَتلِ الحُسين حرارةٌ في قلُوبِ المُؤمنينَ لا تَبردُ أَبداً} وقولُ الصَّادق (ع) عن جدِّهِ الحُسين السِّبط (ع) أَنَّهُ قال {أَنا قتيلُ العَبرَةِ، قُتِلتُ مكرُوباً، وحقيقٌ على الله أَن لا يَأتيني مكرُوبٌ قَطُّ إِلَّا ردَّهُ الله إِلى أَهلهِ مسرُوراً}.
ومِن نافلةِ القَولِ إِنَّ الحُسين السِّبط (ع) لم يُقتَلُ لنبكي عليهِ، فهذا أَمرٌ مفرُوغٌ منهُ، ولكن في نفسِ الوقتِ فإِنَّ لكُلِّ مدخلٍ بابٌ وأَنَّ بابَ الدُّخولِ لفَهمِ عاشُوراء هو الشَّعائر الحُسينيَّة وأَوَّلها وعلى رأسِها البُكاء [الدَّمعة] فهيَ أَعظمُ رِسالةٍ إِنسانيَّةٍ، إِنَّها ثَورةُ المظلُومِ ضدَّ الظَّالمِ عندما تتحوَّلُ إِلى سَيلٍ هادرٍ ثائرٍ واعي.
إِنَّ اهتمامنا بالنَّشء الجديد لِيحضرَ ويُمارسَ ويُشاركَ في هذهِ الشَّعائر يفتحَ لهُم البابَ مُشرعةً للدُّخولِ إِلى كربلاء لِمَعرفةِ كُنهَ القُصَّة فيعيشَها في عقلهِ وتفكيرهِ بعدَ أَن يعيشَها في قلبهِ وعواطِفهِ ومَشاعرهِ، ومن الصَّعبِ جدّاً أَن نقنعهُ يعيشَ عاشُوراء بعقلهِ قبلَ أَن يعيشها بعواطفهِ، ولعلَّ ذلكَ يُفسِّرُ قولَ الحُسين السِّبط (ع) آنف الذِّكرِ.
إِنَّ إِثارة العاطِفة واهتمامَها وتفاعُلِها معَ أَمرٍ ما هوَ المَدخل للعقلِ، فالعاطِفةُ تُهيِّء العَقل، بالأُولى يستعدَّ المرءُ للإِصغاءِ وفي الثَّاني يبدأُ يتفهَّم الأَمر [الرِّسالة].
أَرايتَ لو صادفتَ يوماً طِفلاً يجلس على قارعةِ الطَّريق يبكي؟! في البدء سيُثيرُ المَنظر عواطِفكَ ومشاعِركَ وأَحاسيسكَ لتسأَلهُ عن السَّبب ثم تبدأ تستوعِب القصَّة بعقلِكَ وتفكيرِكَ والتي عادةً ما تكونُ مأساويَّةً وإِلَّا لما جلسَ على قارعةِ الطَّريقِ يبكي.
ذات الطِّفل إِذا صادفتهُ جالِساً على قارعةِ الطَّريقِ يضحكُ، فهل سيُثيرُ انتباهكَ بشيءٍ؟!.
تُحدثِّنا ملايين القَصص على مرِّ التَّاريخ أَنَّ الكثيرَ جدّاً مِن النَّاسِ ومِن مُختلفِ الخلفيَّاتِ تفاعلُوا واندمجُوا وآمنُوا بالحُسينِ السِّبطِ (ع) عندما رأَوا دمعةً تُسكَبُ من عينِ باكٍ، لتقُودهُم إِلى البحثِ في الحُسينِ السِّبطِ (ع) بعقُولهِم ووعيهِم، فالدَّمعةُ رِسالةٌ بطبيعتِها وجوهرِها وهيَ دليلٌ على الحُبِّ فقط وليسَ كالضِّحكةِ التي قَد تُدلِّلُ على التَّشفِّي أَو الإِستهزاءِ أَو الحُبِّ [رُبما].
الدَّمعةُ تثيرُ السُّؤالَ وهوَ أَوَّلُ خطَواتِ الوعي.
ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ المُشرِّع أَكَّدَ على المودَّة [مَحَبَّةٌ وَوِئَامٌ] أَوَّلاً كَونها المَدخل للعقلِ والفكرِ والإِرتباطِ العقَدي، فبالمودَّةِ تنتبِهَ وبالعقلِ والفكرِ ترتبِطَ.
يقولُ تعالى {ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗقُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
كما أَنَّهُ نظَّمَ العِلاقةَ بينَ أَتباعِ الأَديانِ على أَساسِ المَودَّة بقولهِ تعالى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖوَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
وبالمودَّةِ تتأَسَّس العِلاقة الجديدة مع [العدُو] أَو الخَصم كما يقولُ تعالى {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚوَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
والزَّواجُ لتأسيسِ نواةِ المُجتمعِ [الأُسرة] الصَّالحة والمُنسجِمة والمُتعايِشة والمُتفاعلة مع بعضِها يبدأ بالمودَّةِ أَوَّلاً {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَاوَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ}.
أَمَّا أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) فيقولُ {والْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ ولَا تَأْمَنَنَّ مَلُولًا}.
اضف تعليق