صوّت مجلس النواب العراقي على قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، وهو قانون يهدف إلى تنظيم الأحكام والإجراءات المتعلقة بتأسيس الأحزاب وأنشطتها في العراق. وتحقيق مبدأ التعددية السياسية، وضمان حرية المواطنين في تأسيس حركة سياسية او الانضمام إليها أو الانسحاب منها.
عرف قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية الجديد، في المادة 2/أولا، الحزب أو التنظيم السياسي بأنه مجموعة من المواطنين منظمة تحت أي مسمى على أساس مبادئ وأهداف ورؤى مشتركة تسعى للوصول إلى السلطة لتحقيق أهدافها بطرق ديمقراطية بما لا يتعارض مع أحكام الدستور والقوانين النافذة.
وفي مقال سابق توصلنا إلى نتيجة مفادها: أن قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية العراقي الجديد، جاء بشكل عام منسجم مع الأطر الدستورية والقانونية، كما جاء متوافقا إلى حد ما مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال الحقوق والحريات السياسية التي أرسيت في القانون الدولي من خلال المواثيق والصكوك الدولية. وأن القيود التي وردت في قانون الأحزاب الجديد هي قيود معقولة ومقبولة إلى حد ما وهي أكثر تطابقا مع الواقع العراقي في ظل الظروف والمتغيرات السياسية، وإن كانت بعضها يحتاج الى اعادة صياغة، للتطبيق على أرض الواقع.
ولا يمكن لدائرة الأحزاب ولا لغيرها أن تضبط عقائد تلك الأحزاب ولا سلوكها السياسي والمالي، ولا يمكنها أن تقارن بين ما هو مطابق للدستور والقوانين النافذة وبين ما هو ليس كذلك. وسيبقى الجدل قائما بشأن تلك النصوص ويجري تعدليها خلال فترة قصيرة من تطبيقها.
في هذا المقال سنتطرق إلى ما ينبغي أن يكون عليه الحزب السياسي من منظور مدرسة المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي، خاصة وإن الإمام الشيرازي قد ألف العديد من الكتب التي تعنى بالحياة السياسية والحزبية في العراق.
نتحدث في هذا المقال عن تكون الأحزاب السياسية ونشأتها، ومدى شرعية وعدم شرعية عمل الأحزاب السياسية، وعن أركان وعناصر التكتل الحزبي والفلسفة الحزبية والنضج الحزبي وغيرها من المسائل السياسية والحزبية التي يمكن أن تدعم العمل الحزبي في العراق، والتي يمكن أن تهتدي بها الأحزاب العراقية بالخصوص الأحزاب الإسلامية، وتتخذ منها رؤى واستراتيجيات وسياسيات تنتفع وتنفع بها جمهورها.
يرى الإمام محمد الشيرازي أنه في داخل أي أمة أو الشعب، قد تتكون مجموعة، لها هدف خاص، قد يكون هذا الهدف سياسيا، أو ثقافيا، أو اقتصاديا، فتسمى (جماعة) أو (جمعية) أو (هيئة) وفي الغالب تسمى (حزبا) إذا كان لها هدف سياسي أي إدارة البلاد. وقد ورد اسم الحزب في القرآن الكريم، وهناك صورة تسمى بـ(سورة الأحزاب) واستعماله في القرآن تارة في الخيريين مثل(حزب الله) وتارة في الشريرين أو الأعم مثل قوله تعالى (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون).
وأصل تكون الحزب أو الأحزاب، إنما هو من وجود الفوارق النفسية بين الناس؛ فكل جماعة وأمة وشعب وقبيلة لابد وأن يوجد بينهم أناس لهم صفات نفسية متمايزة وكفاءات خاصة. وتلك الصفات تدعو أولئك الأفراد إلى (الأنانية) تارة وإلى (المشاركة الوجدانية) تارة أخرى. وبذلك يجمع ذلك الإنسان حول نفسه جماعة يصبهم في اتجاهه إما لإشباع رغبته في السيادة والأنانية. وإما لجعلهم خدمة الناس بالقيام بحوائجهم لحسه بالمشاركة مع الناس في أحزانهم وآلامهم وآمالهم.
والحزب بهذا المعنى كان موجودا منذ وجود الإنسان، وإنما اختلفت الضوابط والخصوصيات وتطورت حسب تطور الزمان. وأصبح اليوم وجود الأحزاب ظاهرة واقعية في كل المجتمعات، إذ لا يكاد يخلو حكم أو مجتمع في العالم من الأحزاب السياسية. وقد تكون ظاهرة ضرورية في بعض المجتمعات، والإسلام -بما أنه هو البديل الأفضل عن كافة الأنظمة العالمية اليوم- لابد أن تكون لديه وجهة نظر، أو طريقة خاصة، في استيعاب الأحزاب، وصهرها ضمن نظامه العالمي.
ويعطي الإمام الشيرازي أمثلة عديدة من الحزبية الصالحة للمجتمع فيقول: (ظاهرة الأحزاب ليست ظاهرة جديدة في الإسلام؛ بل نحن نرى مثل هذه الظاهرة في زمن الرسول الأكرم (صل الله عليه واله وسلم) وما بعده أيضاً، نعم إنها كانت تختلف في البناء والشكل والهدف؛ ففي التاريخ: إنه كان الرسول الأعظم (صل الله عليه واله وسلم) يعتمد على جهتين وكتلتين، هما: الأنصار والمهاجرين، نعم إن الأنصار والمهاجرين كانا يعملان من أجل هدف واحد، حيث لا يوجد لدينا في الإسلام تصادم في الأهداف والإرادات، بل كل الأحزاب تعمل على توعية المجتمع، ونشر مفاهيم الدين المبين، وقيادة الأمة نحو مستقبل أفضل).
ويذكر الإمام الشيرازي في كتابه (السياسة) تعريفا للحزب فيقول (الحزب هو الجماعة المترابطة من الناس الذين لهم تنظيم على سطع الدولة، ولهم فلسفة خاصة، وهدفهم الوصول إلى الحكم).
والحزب المعنى السياسي هو جزء من الأمة، له هدف تقديم الأمة إلى الإمام وإصلاح المفاسد ودرء الإخطار، فهو جزء من الأمة يمتاز عنها بالتنظيم، وكثرة التفهم للواقع وكثر العمل، وإذا وصل إلى الحكم وسع خدماته وإصلاحاته، حيث يتمتع حينذاك بالمال والقدرة.
وبحسب الإمام الشيرازي ينبغي أن تتوفر في الحزب أيا كان أركان أو مقومات خمسة لابد أن تكون فيه:
1-أن يكون للحزب نشاط مستمر: يجب أن يكون الحزب شلالا مستمرا؛ كالنهر الجاري الذي لا يوقت بزمان دون زمان، ولا يرتبط وجوده ببقاء زعمائه، كلما مات زعيم قام آخر مكانه. ويستمر نشاطه ويزداد مع مرور الأيام..
2-أن يكون للحزب فلسفة ما: لان الحزب ليس عملا خارجيا فقط، إنما هو فلسفة توجب شد بعض أجزائه ببعض وتحدد له هدفا ووسيلة وتكون هي المرجع عند الاختلاف مثل فلسفة استمرار الرأسمالية، وفلسفة الاشتراكية، وفلسفة تطبيق عقيدة أو شريعة أو تعميمها. مثلا نريد تطبيق أو تعميم للعقيدة الإسلامية، فانا نعمل على تطبيقها بأسلوب اللاعنف المستفاد من (ادع إلى سبيل ربك) أو (ادخلوا في السلم كافة..)، وعلى الحزب يبذل جهدا في تعليم وتربية أعضائه، من خلال فهم السياسة والاقتصاد والاجتماع فهما كاملا، فالحزب مثل الفرد كلما كان متصفا بالعلم والفضيلة كان تقدمه في المجتمع أسرع والتفاف الناس حوله أكثر واحتمال سقوطه أقل. ومن خلال أسلوب الإنصاف بالحزم واللين والاستقامة وروح الشورى والواقعية. فالاستقامة مثلا توجب اطمئنان الناس بالحزب، والشورى تبعد الحزب عن طريق الدكتاتورية والاستبداد ففي الحديث (من استبد برأيه هلك).
3- أن يكون للحزب برنامج إصلاحي: لابد أن يكون لكل حزب سياسي برنامج إصلاحي واضح ومفهوم للجماهير، يستهدف به إصلاح أداة الحكم وجهاز الدولة، وتوفير الرفاهية للأمة وفي علاج مشكلات النقد والأجور والأسعار وفي مكافحة الأزمات الاقتصادية وحل مشكلة البطالة وفي تعميم الثقافة، وفي توفير وسائل العمل وتنمية الإنتاج وتكثير الزراعة وتصنيع البلاد وفي التقارب مع الشعوب والأخص الجيران والابتعاد مهما أمكن عن الحرب. ولا يخفى أن الإصلاح الذي يبرمجه الحزب لا يكون قفزيا إذ القفز العالي يوجب السقوط والانكسار غالبا، بل ينظم الحزب البرامج في جداول زمنية معقولة لتسير بالأمة صعدا، لحل المشاكل بأسلوب معقول. لذا يحتاج الحزب إلى جيش من المثقفين والخبراء والفنيين من مختلف القطاعات سواء قبل وصوله إلى الحكم، أو بعد وصوله إلى الحكم.
4-أن يكون للحزب فروع: يجب أن يكون الحزب ذا تنظيمات ومؤسسات محلية، ترتبط كلها بالنواة المركزية للحزب، لان تلك التنظيمات المحلية اذا لم تكن لم يقدر الحزب على العمل في ذلك المحل، ولو لم ترتبط بالمركز حصل الانفصام المخرج للحزب عن الوحدة وبذلك يخرج عن كون حزبا واحدا.
5-أن يكون الحزب مرتبطا بالجماهير: يلزم أن يكون الحزب مرتبطا بالناس، ارتباطا وثيقا، إذ أن ذلك هو الذي يمكن الحزب من التوسعة الكمية والكيفية وإلا لو انحصر الحزب بأعضاء خاصين بدون الارتباط بالناس كان كالأقلية في أكثرية. حيث أن الناس مصدر الاستمرار والتوسع والتصاعد وكما لا يتمكن غصن بعد قطعه عن الشجرة من الاستمرار في الحياة وإعطاء الزهر والورق والثمر، كذلك يكون الحزب الذي قطعت صلته بالناس. لذا يجب على الحزب أن يكون مع الناس، فيشرح فلسفته للناس ويخدم الناس، ويعطي ويأخذ منهم، وبدون هذه الأعمال الثلاثة، يقطع الناس علاقتهم به.
6- أن يكون هدف الحزب الوصول إلى السلطة: يلزم أن يكون هدف الحزب هو الوصول إلى السلطة، سواء كان لوحده كما في الأحزاب الدكتاتورية، أو بمعاونة الأحزاب الأخرى، كما في الأحزاب المبنية على الديمقراطية، وإلا إذا لم يقصد الحزب السلطة، لم يكن هدفه سياسي ولا يسمى بالحزب السياسي.
يؤكد الإمام الشيرازي على أهمية تعدد الأحزاب السياسة في الدولة، لان تعدد الأحزاب من شأنه توفير الحريات للناس؛ حيث أن كل حزب يخاف من الحزب الأخر، فيعمل جاهدا في إصلاح شانه لئلا يتقدم الحزب الأخر عليه، وبذلك يعيش الناس أحرارا لا يتمكن أن يكبتهم أحدهم إلا في إطار القانون. كما أن التعددية الحزبية من شانها أن تصل بالناس إلى أهدافهم وحاجاتهم وذلك لان الحزب يعمل جاهدا لتحقيق حاجة الناس، لئلا ينفرط منه احد إلى الحزب الآخر، لذا قال السياسيون: إن الأحزاب السياسة المتعددة تسبب للجماهير تنسم الحريات والتعبير عن آرائها وإبداء رغباتها والوصول إلى أهدافها..
ويرى الإمام الشيرازي أن من مقومات الحزب الإسلامي الصحيح هي:
1-أن يكون متفائلا بالنسبة إلى المستقبل، كما قال تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين..).
2-أن يعتقد بتساوي الإنسان، وإنما الفارق التقوى كما قال سبحانه (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم) وقال صلى الله عليه واله وسلم (الناس سواسية كأسنان المشط).
3-أن يرى تساوي الرجل والمرأة في كل الشؤون، إلا الشؤون النابعة من الفرق بينهما خلقة. وهي لا تعطي ميزة للرجل على المرأة ولا تنقص منها شيء.
4-أن يرى لزوم اقتران العلم بالإيمان.
5-أن يرى عدم التفكيك بين الدين والسياسة، بل السياسة جزء من الدين.
6-أن يرى لزوم الانتخابات الحرة، وكون الحاكم مرضيا لله ولأكثرية الأمة.
اضف تعليق