ونحن نلجُ عامًا جديدا، فإننا نحمل معنا طموحاتنا، وأهدافنا، ونحدد قدراتنا، وطاقاتنا، ومواردنا، ومواهبنا، ففي كل عام لابد أن نتجدد، ونساير الحياة، ونطوّها لكي تدفع بنا إلى أمام، ولنجعل منها منطلقا نحو ضمان الفوز بالهدف الأعظم والأهم، وهو مرضاة الله الذي سيقود الإنسان إلى الغاية الأعظم والأنبل...
(إن تكرار النظر للشيء مرتين يفيد التأكّد والإمعان)
الإمام الشيرازي
من القضايا المهمة التي تساعد الإنسان على التقدم في حياته، أن يطرح على نفسه الأسئلة باستمرار، ولا يتركها بلا أجوبة، بل عليه أن يسعى بجدّية للإجابة عن هذه الأسئلة، بمقدار الجدية التي تدفعه لطرح الأسئلة، ومنها مثلا، ما الذي حققته في السنة التي انقضت، وما هو المطلوب مني في السنة القادمة، وما هو طموحي الأهم؟
أي أن الطموح يجب أن يكون من الأهداف المهمة للسنة الجديدة، ولكن على الإنسان أن يعرف طموحه مسبقا، فما هو الطموح في اللغة، جاء في كتاب العين: الطمح لغة بمعنى الارتفاع، فطمحَ الفرس رأسه أي رفعه، وكذلك طمح يديه. وفي اللغة أيضاً: رجل طماح: أي بعيد النظر. وطمح ببصره إلى الشيء: ارتفع. وطمح الفرس يطمح طِماحاً وطُموحاً: أي رفع يديه. وهكذا فإن طموح الإنسان يعني بحثه عن الرفعة والتقدم بشكل دائم.
هذه الأفكار من الأهمية بمكان أن تُطرَح على الذات، وأن يسأل الإنسان نفسه، ما الذي أريد أن أحققه، وأصل إليه، علما هنالك أهداف دنيوية، وأخرى مختلفة تماما كونها تتعلق بالآخرة، ولكن في كل الأحوال تكون الدنيا هي محطة الانطلاق نحو النوعين من هذه الأهداف، لذا واجب على الإنسان أن يطمح إلى الأفضل ويجعل من الدنيا طريقا سليما نحو الآخرة.
فالطموح بهذا المعنى غاية الإنسان للتقدم والتطور والمضيّ إلى الأمام في شؤون الحياة كافة، وعليه أن لا ينسى الجانب المهم الآخر، وهو كيف يضمن النتائج المثمرة من دنياه لكسب الدار الأخرى، وهي دار السعادة الأبدية، لذا يجب أن نحذر ونحن ندخل عاما جديدا من الانشغال بالدنيا وحدها، والغوص في ملوّثاتها الكثيرة، علينا مراعاة الطموح الأسمى للدار الأخرى، فلا جدوى من نجاح دنيوي لا يقودنا إلى السعادة النهائية.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الطموح في حياة الإنسان والمجتمع):
(إن السعي إن كان للآخرة سعد الإنسان في الدنيا أيضاً، وفاز بالجنة والرضوان في الآخرة. أما إذا سعى للدنيا فقط ونسي الآخرة، فإنه سيُحرم منهما معاً، فإن الدنيا لا تكون سعيدة إلا بالإيمان).
بالطموح نتغلب على الكسل
وهنا يحذر الإمام الشيرازي الإنسان من آفة معنوية شعورية نفسية يجب أن يتغلب عليها، وهي الشعور الدائم بالكسل، فمن يطمح إلى المعالي عليه أن يكون فعالا مؤثرا حيويا، طامحا إلى السموّ والعلوّ، ويتحلى بالأفكار الجديدة، ولا يستسلم للكسل الذي عادة ما يرافق العقول والنفوس التي لا تبحث عن التجديد ولا تطرح الأسئلة.
هي فرصة الإنسان في أن يستثمر طاقاته التي أودعها الله في روحه وجسده وقدراته الكامنة والظاهرة، عليه أن لا يستسلم للدعة والراحة، ولا يستولي عليه النوم والكسل، وأن يتحرك أكثر مما يسكن، ويستيقظ أكثر مما ينام، وينتج أكثر مما يأكل، ويفكر أكثر من البقاء في حالة حياد تجاه الحياة وأحوالها، وطالما أننا بدأنا عاما جديدا علينا أن نبدأ بداية مختلفة فعالة تليق بهذا العام الجديد، وتفتح الأبواب لنا نحو آفاق التطور والازدهار.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:
(على الإنسان أن يستثمر طاقاته الإنسانية المختلفة الذهنية والفكرية والثقافية والمالية وغيرها، استثمارا صحيحا ومناسبا؛ فلا يركن للنوم والكسل، بل يسعى بطموح وأمل نحو الأفضل، فعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: من دام كسله خاب أمله).
إذن طموحك يجب أن لا يتوقف طالما كان في طريق الاستقامة ويراعي الضوابط والأعراف والأحكام والنظام الذي تنتظم فيه حياة الناس كافة، فما أن يستيقظ الإنسان في عامه الجديد ويفتح عينيه على شمس جديدة وسماء نقية، وهواء منعش، حتى يشكر الله على هذه النعم العظيمة، ومن ثم ينطلق في طموحه نحو أهدافه.
على أن يضع الكسل جانبا، والتردد والخمول، وأن يحرك طاقاته المختلفة، الكامنة والظاهرة، فالإنسان يتمتع بطاقات هائلة مختلفة، منها الذهنية والعقلية، وأخرى روحية معنوية، وثالثة واقعية ملموسة حركية جسدية أو بدنية، كذلك عند الإنسان طاقة مالية عليه أن يستثمرها أفضل الاستثمار بما يحقق له نجاحا ضمن حدود الحلال، بعيدا عن الحرام بكل أشكاله، لأنه يحرم الإنسان من سعادة الدار الأخرى، فكل ما يقوم به الإنسان في دنياه يمكن أن يكون دافعا جيدا لأخراه، لاسيما إذا كان طموحه سائرا في هذا الاتجاه.
الهدف الأنبل والأجمل؟
هذا يعني أن على فرد منا في هذه السنة الجديدة، أن يفهم قدراته جيدا، بعد أن يحدد طموحاته، ويرسمها بالدقة اللازمة والمطلوبة، حتى يتحرك في إطار قدراته الواقعية والروحية والمعنوية، ومواهبه الفكرية والمهنية أيضا، وهذا الجانب يتعلق بأمر مهم آخر وهو التخطيط للنجاح في تحقيق الطموح.
بمعنى أنت مطالب بتحديد الطموح، ورسم الأهداف، وفي نفس الوقت عليك تحديد ومعرفة قدراتك وطاقاتك المختلفة، حتى تضعها كلها في طريق تحقيق الأهداف المنشودة، والمهم في هذا الجانب، أن يرسم الإنسان أهدافه الدنيوية، في طريق الاستقامة التي تصل به إلى بوابة السعادة والنجاح والاطمئنان.
الإمام الشيرازي يطرح تصوراته وأفكاره التي تساعد الإنسان كي يبلغ أهدافه هذه فيقول:
(مطلوب من الإنسان الذي يطمح إلى حياة فضلى في الدنيا، وفوز بالجنة والغفران في الآخرة، وأنْ يجدَّ ويسعى، ويجنّد كل طاقاته: الذهنية، والبدنية، والمالية، بصورة معتدلة ومتوازنة، في خدمة الهدف المنشود، ويستعين بها على تحقيق كماله، وتوفير سعادته في الدنيا والآخرة).
الدقة في طرح الأسئلة ومعالجتها، أمر مهم لابد من مراعاته، فإذا كنت دقيقا في طموحك، وفي رسم أهدافك، وقبلها إذا كنت دقيقا في معرفة طاقاتك وقدراتك وإمكانياتك، سوف تتمكن من التحرك السليم نحو أهدافك، ولكن هناك شرط عملي مهم يجب أن يتوافر لديك باستمرار، وأنت تحث الخطى نحو تحقيق طموحاتك المدروسة، هذا الشرط هو التدقيق والنظر إلى الأمور في تكرار مستمر، لكي تصل إلى حقيقة الأمور، وأن لا يفوتك شيء ما، فتكرار المراجعة والتبصّر أمر في غاية الأهمية لتحقيق الطموح المرسوم.
أما التدقيق وإعادة الكرّة في المراجعة، والنظر إلى الأشياء، وتفحصّها، فهذه من القضايا التي تدخل في إطار طاقات الإنسان وإمكانياته، وذكائه، لأن التكرار والمراجعة يساعد الإنسان على عدم الوقوع في الخطأ نفسه أكثر من مرة، هذه التفاصيل كلها مطلوبة منك وأنت تسعى لتحقيق طموحاتك التي رسمتها مسبقا.
لذا يقول الإمام الشيرازي:
(إن الإنسان إذا كرّر النظر إلى شيء معيّن أدرك خلله، فإن تكرار النظر مرتين يفيد التأكد والإمعان؛ لأن من نظر إلى شيء كرَّة بعد أخرى بان له ما خفيَ عليه، وظهر له ما بطن بوضوح وجلاء).
في النهاية، ونحن نلجُ عامًا جديدا، فإننا نحمل معنا طموحاتنا، وأهدافنا، ونحدد قدراتنا، وطاقاتنا، ومواردنا، ومواهبنا، ففي كل عام لابد أن نتجدد، ونساير الحياة، ونطوّها لكي تدفع بنا إلى أمام، ولنجعل منها منطلقا نحو ضمان الفوز بالهدف الأعظم والأهم، وهو مرضاة الله الذي سيقود الإنسان إلى الغاية الأعظم والأنبل، ألا وهي دار البقاء الأجمل.
اضف تعليق