لابد من استثمار سنوات العمر بشكل جيد، وفق خطة فردية أو جماعية تركز على قضية استثمار الفرص التي تدفع بالبناء الاجتماعي إلى أمام، لأن ترصين البنية الاجتماعية يسهم بشكل كبير في صنع بيئة مجتمعية نموذجية، تكون سببا في تقدم وتطور الدولة والمجتمع...
(لابد من العمل والسعي لخدمة المجتمع كل بحسب مجاله العلمي والعملي)
الإمام الشيرازي
إن الخطوة الأولى لبناء مجتمع معاصر مستقر وفاعل، تكمن من رؤية الفرد لدوره في بناء هذا المجتمع، ومدى استعداده للمساهمة في هذا البناء، لذا أول نقطة أن يؤمن بدوره وبمساهمته في قضية بناء المجتمع، بعد ذلك عليه أن يهيّئ نفسه للدور الذي يمكن أن يلعبه في تقديم خدمات متميزة في اتجاه بناء المجتمع بناءً سليما، لأن حصيلة السعي الفردي وطبيعتها، هي التي تبني المجتمع.
لذا من المهم جدا أن يكون مستعدا لدوره، وأن يستعد لإتقان هذا الدور، وأن يعي طبيعة دوره والواجبات الملقاة على عاتقه، وأن يضع في حساباته أن العالم المعاصر يمضي سريعا نحو التطور، وهناك منافسة كبيرة ومستمرة للبقاء في الصدارة، مما يتوجب على كل فرد حريص على بناء مجتمعه، أن يفهم دوره جيدا، وأن يهضم طبيعة العصر، وطبيعة المنافسة الشديدة نحو التقدم بين المجتمعات والدول في عموم العالم.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (السعي لبناء المجتمع الإسلامي):
(إن المطلوب منا ـ فرداً فرداً ـ أن نسعى في سبيل إصلاح المجتمع، بكل ما بوسعنا، وبكل ما في جهدنا، على أن نجعل من مجموع عمرنا حصيلة نافعة وثمرة يانعة نخدم عبرها مجتمعنا الإسلامي وأمتنا الإسلامية، وستبقى هذه الثمرة إن قصدنا القربة لله عزوجل، وسيكون الإنسان بذلك مصداقاً للقول المعروف: عاش سعيداً ومات حميداً).
وإذا كانت الخطوة الأولى في خريطة البناء هي الاستعداد الفردي لهذا البناء، فإن النقطة المهمة في هذا الجانب أن يبتعد الفرد عن الانشغال بمصالحه الذاتية على حساب المصالح العامة للمجتمع، فهو في حال فضل مصلحة المجتمع، هذا يعني أنه سوف يعيش في مجتمع معاصر متقدم، وبيئة متطورة تضاهي المجتمعات المتطورة الأخرى.
أما في حال أهل هذه الخطوة بسبب أنانيته، وفضل مصالحه الشخصية على مصالح المجتمع الأوسع، فإنه سوف يربح الأشياء السريعة الزوال لكنه سوف يفقد البيئة الصالحة المتقدمة التي تمنحه الأمان والعيش في سلام وتطور وازدهار، لذا على الفرد أن يختار المصلحة الأهم من مصلحته الخاصة وعليه أن يكبح الأنانية في داخله لصالح بناء المجتمع.
بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة
فقد أكد الإمام الشيرازي هذه النقطة قائلا: (على الإنسان الذي يريد السعي نحو مجتمع صالح، أن لا يقتصر همّه على تأمين احتياجاته الفردية والمادية، لتحسين حياته الشخصية وتوفير الراحة له فقط، بل يجعل جهده وهمّه ينصب في رفع مستواه العلمي والمعنوي والثقافي والأخلاقي، الداعي إلى خدمة المجتمع الإسلامي، والهادف نفع الأمة الإسلامية).
الخطوة الأخرى من خريطة العمل، أن يكون الفرد مستعدا لخدمة المجتمع بحسب قدراته العملية وتخصصاته ومؤهلاته العلمية، فالأستاذ الجامعي عليه تقديم العلم بأقصى ما يستطيع لطلابه حتى يخلق طالبا واعيا، يكون نموذجا للبناء المجتمعي الجيد، أو إا كان رجل دين فلابد أن ينوّر عقول الناس ويجعلهم أشخاصا مفيدين ومستعدين لخدمة المجتمع.
وهكذا الحال بالنسبة للمهن الأخرى، فحتى الكاسب غير مستثنى من هذه النقطة، وهو ملزم بالمشاركة في تقديم الخدمات بحسب تخصصه وقدراته، فمجموع ما يقدمه الكسبة للناس سوف يصب في صالح المجتمع، لاسيما أن هناك منافسة عالمية شديدة في سباق التطور الاجتماعي العالمي.
الإمام الشيرازي يقول:
(لابد من العمل والسعي لخدمة المجتمع كل بحسب مجاله العلمي والعملي، وظروفه الخاصة به، فالحوزوي والجامعي يقدّم خدمات علمية وثقافية، والتاجر والكاسب ومن أشبه بهما يقدّم خدمات اقتصادية واجتماعية، مثل تأسيس مؤسسات وهيئات ولجان خيرية تقوم بخدمة المجتمع الإسلامي ونفع الأمة الإسلامية، من توفير الخير والرفاه لهم، والتقدم والازدهار).
وهناك خطوة مهمة أخرى وهي تؤكد على أهمية اقتناص الفرص السانحة، فلا يصح للفرد أو الجماعة أو المؤسسة أو المنظمة التأخر في اقتناص الفرص المتاحة، فالفرد عليه أن يكون ذكيا في هذا المجال، والجميع كذلك، لأن استثمار الفرص يعني المساهمة الفعالة في بناء المجتمع الناجح أو المثالي.
صناعة البيئة الاجتماعية النموذجية
لذا لابد من استثمار سنوات العمر بشكل جيد، وفق خطة فردية أو جماعية تركز على قضية استثمار الفرص التي تدفع بالبناء الاجتماعي إلى أمام، لأن ترصين البنية الاجتماعية يسهم بشكل كبير في صنع بيئة مجتمعية نموذجية، تكون سببا في تقدم وتطور الدولة والمجتمع.
هذا ما يشير إليه الإمام الشيرازي حين يقول:
(إن العصر الذي نعيش فيه الآن هو عصر السرعة والتقدم، وعصر النموّ والازدهار المادي، وهو يمضي نحو الأمام بسرعة الضوء أو كالبرق الخاطف، وفرصة العمر في هذا العصر فرصة قيّمة وثمينة، لابدّ من اغتنامها واستغلالها، واستثمارها بالكيفية المطلوبة، والاستفادة منها بالشكل الصحيح، وذلك قبل فوات الأوان).
من أهم خطوات خريطة العمل لبناء المجتمع، أن لا يتأخر الفرد في قضية استثمار العمر بشكل صحيح وجيد، لأن فقدان الزمن ومرور سنوات العمر بلا عمل وبلا استثمار يعني هدر هذا العمر، لأن عودة الزمن إلى الوراء مستحيلة.
مغادرة الإنسان للدنيا نحو الدار الآخرة تعني شيئا واحدا، انتهاء زمن الفرص وغلق أبوابها أمام الإنسان، لأن الدار الآخرة لن تسمح للإنسان بأن يعمل، بل هناك يبدأ الحساب على ما فعله الإنسان في الدنيا، وماذا دم لمجتمعه من دعم للبناء قائم على أساس الأعمال الصالحة، وليس على أساس الخداع أو الضحك على الذقون.
يقول الإمام الشيرازي:
(إذا تأخر الإنسان في اغتنام فرصة العمر وتكاسل عن العمل وخدمة المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية في مدة الحياة، فسوف لن يشعر إلاّ وقد انقضى عمره، وانتهى أمده، وأتاه الناعي ينعى إليه نفسه، ويأذنه بالارتحال إلى دار الآخرة، التي هي دار الجزاء والحساب، وليست دار الأمل والعمل، وهناك سوف يأسف الإنسان على فواتِ فرصة العمر الثمينة، وانتهاء أمدها الثمين).
لذلك فإن الله تعالى حذّر الإنسان بشكل واضح عبر عدد كبير من الآيات القرآنية الكريمة، وأنذره بأن يوم الحساب والجزاء قادم، كل بما كسبت يداه، وما قدمه من أعمال وأفعال، تصب في صالح بناء المجتمع، فالإعمال الصالحة هي تلك التي تقدم الخدمة للناس بما يراعي التوجيهات الإلهية والأحكام الشرعية المعروفة والمحددة من قبل المراجع والعلماء الأجلاء.
أما إذا أخلَّ الإنسان في دوره، ولم يكن له الدور المشرف في البناء الاجتماعي، فهذا سوف يفقده مكسبين، الأول مكسب محبة الناس في الدنيا لأنه ساهم في بناء مجتمع متقدم ومنافس للمجتمعات المعاصرة، والثاني هو الجزاء الإلهي في الآخرة نتيجة لهذه الخدمات إذا كانت تصب في صالح تقدم الناس وتطورهم مع مراعاة الدين.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن الله سبحانه وتعالى، حذّر الإنسان وأنذره يوماً يرى فيه جزاء ما قدّمه من عمل، فإن كان قد قدم الطاعة لله تعالى، والخدمة للمجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية، فالجنة والغفران، وإن كان قد قصّر ولم يؤدّ طاعة ولا خدمة، بل قدّم عصياناً وضرراً للآخرين فالعذاب والنار، وحينئذ يأسف الإنسان في ذلك اليوم، على ما فوّت على نفسه من فرصة العمر في الدنيا).
الخلاصة كل فرد عليه واجب المشاركة في ترصين البنية الاجتماعية، والمساهمة الفعالة في بناء بيئة اجتماعية متطورة تناسب البيئات الاجتماعية للمجتمعات الأخرى، وهذا العمل يقع ضمن خطوات محسوبة ومعروفة لابد من فهمها والعمل بها، لأنها السبيل لبناء مجتمع متطور معاصر قادر على منافسة المجتمعات الأخرى في التطور والتقدم المستمر.
اضف تعليق