تحتاج المجتمعات والأفراد إلى معرفة الأسس الصائبة التي ترتقي بها، وتضع أقدامها على طريق التقدم، لاسيما أن هناك سباقا محتدما بين الجميع، وفي المجالات كافة، لكن المشكلة التي وقع فيها الإنسان، إنه تخلى عن القيم والشروط والأسس الصحيحة للتقدم والارتقاء، وتم اعتماد الكثير من الأسس التي قد تقود الإنسان نحو التقدم والتطور...
(إن الأمة التي لا تكون مخلصة فيما بينها لا تتقدم أبدًا) الإمام الشيرازي
تحتاج المجتمعات والأفراد إلى معرفة الأسس الصائبة التي ترتقي بها، وتضع أقدامها على طريق التقدم، لاسيما أن هناك سباقا محتدما بين الجميع، وفي المجالات كافة، لكن المشكلة التي وقع فيها الإنسان، إنه تخلى عن القيم والشروط والأسس الصحيحة للتقدم والارتقاء، وتم اعتماد الكثير من الأسس التي قد تقود الإنسان نحو التقدم والتطور، لكنها لا تمنح الروح المعنوية الخلاقة لهذا الارتقاء، فيكون خاليا من الروح والقيم والأخلاق.
هذا النوع من الأسس (المادية) ليس هو المقصود هنا في هذا المقال، فكل تقدم مادي يحصل في أي مجال كان لابد أن يوازيه تقدم معنوي، وإلا ليس هناك فائدة تُرتجى من التطور المادي المجرّد من المعنى والروح والفكر الخلّاق، ولكن هذا الهدف الكبير يحتاج إلى عقل كبير، وروح خلاقة، ويحتاج إلى أفراد أقوياء معنويا وفكريا وروحيا، أما الفرد الذي تمرّ ساعات عمره بلا عمل ولا إبداع ولا تميّز فهو مغبون والمجتمع الذي ينتمي له مغبون أيضا.
في حديث شريف يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كان في غده شراً من يومه فهو مفتون، ومن لم يتفقد النقصان في نفسه دام نقصه، ومن دام نقصه فالموت خير له).
إذن على الإنسان أن يعرف نواقصه ويقوم بإكمالها، وعليه أن يسعى بجد لتغيير أيامه نحو الأفضل، وعليه أيضا أن يعرف جيدا ما هي الشروط التي تقوده هو ومن معه من الناس نحو التقدم والارتقاء، فهناك مقومات وشروط لابد من هضمها جيدا ومعرفتها واعتمادها في تفكيرنا وسلوكنا وأعمالنا، وما نخطط له حاضرا ومستقبلا.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (العمل و التعاون):
(هناك شروط ومقومات عديدة لتقدم الأمة وتطورها، من أهم هذه الشروط: الإخلاص والعمل الدؤوب. فالأمة التي لا تكون مخلصة فيما بينها، والأمة الكسولة التي لا تعمل، لا تتقدم أبداً، بل تتأخر يوماً بعد يوم).
التخطيط والتنسيق والإنجاز
وبعد معرفة الشروط، تأتي مرحلة التخطيط والتنسيق، والسعي الحثيث للإنجاز، وهناك علاقة وثيقة بين العمل من ناحية وبين التعاون من ناحية أخرى، فكل عمل لا يوجد فيه تعاون لن يصل إلى النتائج المرجوة، وكل تعاون وثيق ومخطط له ومدروس، سوف يكون بمثابة المدخلات الصحيحة التي تؤدي إلى مخرجات مضمونة.
من الأسس المهمة أيضا أن يؤمن الإنسان بالهدف الذي يسعى إليه، وأن يقاتل من أجل هذا الهدف، ليس بمعنى الحرب والاقتتال، وانما بمعنى الإصرار على العمل والتعاون وصولا إلى الهدف الذي لابد أنه يعدّ من الأهداف المهمة والعالية، فالإخلاص بالعمل، والسعي للتغيير، والإيمان بالهدف، هذه أسس مهمة تقود الفرد والمجتمع نحو أهدافه، وسوف يصل إليها حتى لو حدث عوائق ومشكلات وأزمات تمنع بلوغ الأهداف، لأن هناك من يؤمن بالهدف ويسعى إليه بكل الوسائل وهو مستعد لكل التضحيات بسبب إيمانه بما يسعى إليه.
يقول الإمام الشيرازي:
(لابد من السعي الحثيث وبكل ما يملك الإنسان نحو اعتلاء سُلّم الرقي والتقدم والوصول إلى الأهداف والدفاع عنها في سبيل الله، فإن التعاون والعمل الحثيث دفاعاً عن الأهداف العالية يكشف عن الاهتمام بالرقيّ والتقدم حتى أنهم يقاتلون ويضحون بأنفسهم في سبيلهما).
هكذا يحث الإمام الشيرازي الجميع على العمل المسنود بالتخطيط المسبق، ومعرفة شروط التقدم، والسعي لوضع الأسس الصحيحة التي تقود المؤمنين نحو أهدافهم، وعليهم دائما أن يكونوا في الطريق الذي يقودهم نحو التقدم والارتقاء، فالعمل في الحياة من أهم المطاليب التي يحث عليها الإسلام المسلمين، ويطالبهم بالتعاون والاستمرارية في هذا الطريق.
ليس هنا أي تناقض بين العمل في الدنيا وبناء الآخرة، يجب أن يكون هناك هدف في الدنيا، وهو التقدم والارتقاء، ولا تناقض في هذا الهدف مع ما ينشده الإنسان المؤمن في آخرته، بل على العكس من ذلك لأن (الدنيا مزرعة الآخرة)، وهي القاعدة التي ينطلق منها نحو سعادة الآخرة وضمان الرضوان الإلهي.
لهذا يجب أن نكون في صدارة المجتمعات المتقدمة، ولكن علينا الجمع بين المادة والروح، وعلينا أن نهتم بالبناء المادي والمعنوي بنفس الهمّة والدرجة والاهتمام والتخطيط، وأن لا نفضل المادة ونهمل المعنويات والروحانيات.
أولوية التطور الروحي والمعنوي
إن النجاح في بناء الدنيا والتقدم والارتقاء فيها هو المطلوب، على أن لا تهيمن المادية على كل شيء، وأن لا تجرفنا الأشكال والأفكار والمنتجات المادية الغربية أو المعاصرة، وتُنسينا أهدافنا الكبيرة التي يجب أن لا تهمل التطور المعنوي والفكري والروحي والعقائدي، وبهذه الطريقة وهذه الأساليب سوف نتخلص من حالة الركود التي تتعرض لها المجتمعات المتأخرة، أو الأفراد الذين تتكرر عليهم أيامهم دونما ارتقاء ولا تقدم.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
إن (المطلوب من المؤمنين ـ كاُمة ـ أن يكونوا دائماً سائرين في طريق التقدم والبناء في أجواء من الوحدة والتعاون والمودة، فهو الطريق الموصل إلى رحمة الله تعالى ورضاه. أما حالة الركود ـ فكيف بالتراجع ـ فهي لا تليق بالمؤمنين، بل عليهم أن يرتقوا في كل يوم مرحلة في سلّم التطور والتقدم).
إذًا نحن يجب أن نفهم الأسس والشروط لكي نتقدم ونرتقي، ومن المهم جدا أن نتخلص من عملية التكرار والروتين والرتابة التي تدمر تطلعات الإنسان، وتسلب منه القدرة على التأمل والطموح بإنجاز أكبر وأفضل، فينتهي إلى الخمول والكسل وتتالى عليه الأيام بالوتيرة نفسها دونما أي تغيير يُذكر، فيكون وجوده صفرا على الشمال، إن حضر لا يُعدّ وإن غاب لا يُذكَر.
من الأهمية القصوى أن يتنبّه الإنسان إلى حالة الركود التي قد تصيبه، وأن يتجنبها بألف طريقة، وهذا ينطبق على الأمة أو المجتمع كلّه، ففي ظل هذا التسارع العالمي الهائل نحو التقدم والارتقاء، يجب أن يكون للمسلمين حضورهم القوي الفاعل والمؤثر، كأفراد أو كدول إسلامية ومجتمعات كبيرة.
المهم في هذا المجال هو الإصرار على التجديد في التفكير والتخطيط والعمل والتعاون على الإنجاز، هذه هي الأسس التي يجب أن نتبناها ونسير في ضوئها، حتى لا تتكرر علينا الأيام دونما طائل، وبلا تجديد أو تغيير أو إنجاز يُشار له بالبنان، لهذا يجب الإصرار على التغيير من يوم قليل العمل والهمّة، إلى غد أكثر عملا وإنجازا وتغييرا وتقدما وارتقاءً.
هذا ما يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:
(إن المؤمن ـ كفرد أو كمجمتع واُمة ـ إذا كان يوماه متساويين فهو مغبون، حيث قد ألحق بنفسه ضرر عدم التقدم؛ لأن وقتاً من عمره مضى ولم يستزد شيئاً جديداً في يومه الجديد.. وبعبارة أخرى: إنه يمر بحالة من الركود والجمود، وأسوأ من ذلك هو الذي يكون يومه أسوأ من أمسه؛ إذ يمر بحالة التراجع والتأخر. فحالة التقدم المنشودة لا تكون إلاّ إذا كان يومنا أفضل من أمسنا).
وهكذا لاحظنا في أعلاه تركيز الإمام الشيرازي على أهمية التقدم والارتقاء للفرد والمجتمع، والإصرار على التجديد، ومواكبة ما يجري في العالم من إنجازات علمية وصناعية وتقنية وسواها، نعم علينا أن نكون ضمن الركب العالمي، ولكن ضمن القيم التي لا تعظّم المادية، وتهمل الروحيات والمعنويات.
اضف تعليق