عاشوراء حين نعيش أيامها الآن، هي الوقت الأنسب لثوير العقول، وتحفيزها لمغادرة الجهل إلى الأبد، فالحكام الظالمون لا زالوا يشكلون امتداد للحكام المنحرفين الذين حاولوا حرف الإسلام عن مساره الصحيح، فلنجعل من عاشوراء و واقعة الطف نقطة انطلاق دائمة لضرب الجهل ومكافحة التجهيل السلطوي بكل الوسائل المتاحة لنا...
(الإسلام هو العمل بقوانينه لا مجرد التسمية به فقط، فإن ذلك لا يكفي)
الإمام الشيرازي
يعرف الإنسان المحبّ للإمام الحسين (عليه السلام) ما هي الأهداف التي ثار من أجلها، ولماذا أعلن ثورة الحق على يزيد، فمحاربة التجهيل السلطوي تقف على رأس الأهداف الحسينية، لأن الحاكم الظالم يبدأ بتحييد العقول من خلال تجهيلها، فلا فكر حر، ولا دين واضح الأحكام والمعالم، ولا عقائد خالصة، ولا قيم صحيحة، ولا وعي يهدد كرسي السلطة.
لذلك هذه القضايا كلها كانت ولا تزال أهدافا محدّدة مسبقا لجميع الطغاة والحكام المنحرفين المرضى، من هنا خرج الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الطاغية يزيد لكي يستعيد الإسلام نحو الجادة الصحيحة بعد أن حوّله هذا الطاغية الطائش إلى مسارات شهوانية مادية غرائزية تضع كل الملذات رهن يديه وبطانته ومعاونيه الإمّعات التي تؤيده في كل شيء.
لهذا فإن ظهور عاشوراء بل اليوم الأول من عاشوراء هو اليوم الأول لعودة المسلمين إلى الإسلام الصحيح، وعودة الإسلام الصحيح لهم، بعد أن تم تدمير القيم والأحكام السماوية، وفي المقابل نشر الربا والزنا والفسق بكل أنواعه، حتى يبقى الوعي غائبا، والثقافة بعيد كل البعد عن الناس، والعقول في حالة من الخمول والضياع نتيجة التجهيل السلطوي المتعمَّد لها، وبالتالي فإن صاحب العقل الجاهل يكون تابعا وينعق مع كل ناعق.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ ( عاشوراء والعودة إلى الإسلام):
(جاءت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ليعود المسلمون إلى الإسلام في كل زمان ومكان، فإن يوم عاشوراء كان من أجل العودة إلى الإسلام وعدم الإعراض عن ذكر الله عزوجل وأمره، والإمام الحسين (عليه السلام) قد ضحى بدمه ودماء أهل بيته وأصحابه لإحياء الدين المبين، كما يقول الشاعر عن لسانه:
إن كان دين محمد لم يستقم....... إلا بقتلي يا سيوف خذيني).
الإنسان الأمي جاهل بالضرورة
ولا نغالي أو نبالغ حين نقول إن السبب في تدنّي المستويات الثقافية بين المسلمين في عموم العالم هو الأمية ومن ثم قلة الثقافة وانعدام الوعي، فإذا كان عاجزا أو غير قادر على كتابة اسمه، فكيف به فهم الثقافة ومن ثم كيف يعي الأمور السياسية والدينية والفكرية التي تدور حوله، وفوق هذا وذاك، يأتيك حاكم مستبد يزيد جهلا وتجهيلا وأميّة حتى يأمن جانبك، لأن ثقافتك و وعيك وعقلك المتنور يشكل تهديدا مباشرا لعرشه.
لهذا فإن المسلم الأمي سوف يكون غير مثقف، وغير المثقف يكون وعيه ناقصا أو قليلا بل وحتى في بعض الأحيان يكون معدوما، فلا يفهم ثقافة الحياة، ويفقه ما يدور فيها، ولا يعي كل ما تُحاك ضده من دسائس من السلطة ولا يعرف كيف يكافحها، لأن إنسان لا يفهم ثقافة الحياة.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن من أبرز أسباب تخلف ملياري مسلم: هو عدم الوعي، فإن كثيراً منهم أميون عاجزون حتى عن القراءة والكتابة، فكيف بفهم ثقافة الحياة).
هذا هو ديدن الحكام المستبدين، التجهيل المتعمَّد للناس، والتخوف من كل عقلية تسعى لإنارة سبل الحياة والعيش الكريم أمام الناس، ولهذا فإن جميع حالات التجهيل التي تعرض لها المسلمون في الدول الإسلامية يقف وراءها حكام ظالمون، أدت إلى قلة الثقافة وقلة الوعي وبالتالي السماح للحاكم أن ينحرف بالإسلام ويجر الناس إلى كوارث لا نهاية لها، كما فعل يزيد الذي سلب جوهر الإسلام ونشر كل القيم التي شوهت معالم الدين تماما.
وعندما يحاول أحد العلماء أو أحد الأشخاص المتنورين أن يبادر بمشروع تثقيفي فسوف يتصدى لها المارقون من أعوان الطغاة، ويضعون كل العراقيل اللازمة لإعاقة تقدمه إلى أمام ومنعه من رفع قيود الجهل عن عقول الناس، وهناك مثال حي بل أمثلة عديدة تؤكد مساعي التجهيل المقيتة التي يخطط لها الطغاة ويقوم بتنفيذها جلاوزتهم.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(يقف حكام الجور الذين سيطروا على بلاد المسلمين وراء قلّة الثقافة والوعي عند الناس، فكانوا سبباً في هذا التخلف والأمية المتعمدة، وقد شاهدت الإصرار العجيب على ذلك في العراق، فعندما أردنا تأسيس (مدرسة الإمام الصادق) لتعليم الأطفال القراءة والكتابة مضافاً إلى التربية الدينية، فبالرغم من وجود بعض الأحزاب وقليل من الحريات آنذاك، لكنهم عرقلوا الأمر ولم يعطوا التصريح بالإذن إلا بعد فترة طويلة ومحاولات عديدة).
التمسك بقانون التطور في الحياة
ومن المؤسف حقا أن الحكومات التي قادت الدول الإسلامية تعارض أي تطور معرفي ثقافي علمي للناس، بل تسعى جاهدة لترسيخ الجهل بين الجميع، وهذا ما يتناقض مع أحكام الدين الإسلامي ومع قانون التقدم والتطور في الحياة، من هنا ثار الإمام الحسين عن الحاكم الظالم الذي نشر البدع والزيف والجهل بين الناس، في إساء واضحة ومخطط لها مسبقا لتدمير الإسلام الحقيقي.
كل الأحكام والتعاليم الدينية الواردة في القرآن الكريم وفي الشريعة وفي أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام، تحث عن تحصيل وتطوير العلوم والمعارف، وتؤكد على الثقافة وتطوير الوعي، لكن هذا لم يكن يروق للحكام الطغاة، فوقفوا بكل السبل المتاحة ضد الدين الحقيقي وضد القيم الصحيحة وضد التنوير العلمي الديني المعرفي الثقافية الذي يضمن للناس حياة حرة كريمة وحقوق وحريات مكفولة.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(هكذا سعت أكثر حكومات الدول الإسلامية للوقوف أمام أي تقدم علمي وتطور ثقافي للشعوب، خلافاً لما جاء في الحديث الشريف: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، وقد أفتى الفقهاء بأن تعلم العلوم المختلفة المحتاج إليها واجب كفائي).
إننا مطالبون كأتباع مؤيدين للإمام الحسين (عليه السلام) بالسير في طريقه ومساره الرافض للتجهيل، وعلينا أن نستمر في مكافحة التجهيل بكل أنواعه، لا سيما التجهيل السلطوي الذي تعدّه الحكومات سلفا وتخطط له وتصرف عليه المليارات حتى تبقى الشعوب جاهلة لتأمن جانبها، وتنشر فيها جميع وسائل اللهو والجهل والأمية.
علينا البدء والاستمرار دائما بوضع الخطط اللازمة لمكافحة التجهيل، لأنه السبب الأول الذي يجعل الناس بلا إرادة ولا حول ولا قوة ولا وعي ولا ثقافة، وبلا أي دور في الحياة، علينا أن نتمسك بالمبادئ التي أعلنها الإمام الحسين (عليه السلام) لضرب الاستبداد بالعلم والوعي والثقافة والتنوير والقضاء التام على الأمية.
هذا ما يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:
(يجب علينا أن نجعل يوم عاشوراء يوماً لإحياء القوانين الإسلامية والعمل بها ونشر الثقافة والوعي في أوساط الأمة، فإن الإمام الحسين (عليه السلام) قُتل من أجل إحياء الإسلام وقوانينه العادلة).
الخلاصة عاشوراء حين نعيش أيامها الآن، هي الوقت الأنسب لثوير العقول، وتحفيزها لمغادرة الجهل إلى الأبد، فالحكام الظالمون لا زالوا يشكلون امتداد للحكام المنحرفين الذين حاولوا حرف الإسلام عن مساره الصحيح، فلنجعل من عاشوراء و واقعة الطف نقطة انطلاق دائمة لضرب الجهل ومكافحة التجهيل السلطوي بكل الوسائل المتاحة لنا.
اضف تعليق