إن الكفاءة سر كبير من أسرار النجاح في مختلف الميادين، السياسية وغيرها؛ وعدم توافر الكفاءة يعد من أسرار الفشل، لذلك نلاحظ أن أعداءنا بمختلف مسمّياتهم، حاولوا وما يزالوا يعملون على إبعاد الأشخاص الكفوئين عن التصدي للحكم في الدول الإسلامية، ويركزون على تجريد القيادات في منطقة الشرق الأوسط ...
(إن الكفاءة سر كبير من أسرار النجاح في مختلف الميادين) الإمام الشيرازي
حدّد علماء النفس، صفات الشخصية القيادية، ووضعوا صفات محدّدة للقائد، وكانت صفة الكفاءة في المقدمة من بين جميع الصفات الأخرى، كالحزم، والتروّي، والذكاء، والانبساط، والقدرة على اتخاذ القرار، وغيرها مما يجب أن يتوافر في كل شخصية قيادية، فلماذا تبوَّأت الكفاءة هذه المكانة العليا والمتقدمة من بين جميع الصفات القيادية؟
إن الحزم على سبيل المثال وهو صفة في غاية الأهمية عند القائد، لا يمكن له تنفيذها (الحزم) ما لم يكن ذا كفاءة عالية، لأن حزمه في معالة الأمور من دون كفاءة سوف يتحول إلى تهوّر من خلال اتخاذ قرارات غير مدروسة، بسبب كونه غير كفؤ، وقد يقول بعضهم أن القادة في عالم اليوم يمتلكون استشاريين أو (مستشارين) في جميع المجالات، ومهمة هؤلاء مساعدة القائد على اتخاذ القرار الصحيح.
هذا صحيح، بالفعل ليس هناك رئيس لا يوجد لديه مستشارون، ولكن ما فائدة المستشار إذا كان القائد بلا كفاءة، وهذا يعني أنه غبي، أو يجهل القضايا القيادية، ويفتقر للحسم في الوقت المناسب، لذا فالقائد يجب أن يتحلى بالكفاءة أكثر من مستشاريه ومعاونيه، لأن بعض هؤلاء المستشارين قد يحتاج هو نفسه إلى مستشار، بمعنى أن المستشار ليس دائما على الصواب، وفي هذه الحالة قد يقدّم استشارة خاطئة (خطيرة) للقائد.
فإذا كان القائد ذا كفاءة عالية سوف يستمع من المستشارين نصائحهم، لكنه ليس بالضرورة يلتزم بها ويطبقها، الذي يستسلم لأفكار وتوجيهات المستشارين بشكل تام ودونما مناقشة هو قائد يفتقد الكفاءة، والذي لا يلتزم بمشورتهم دائما هو قائد فاشل أيضا، فالمهم في هذا الجانب أن يكون القائد ذا كفاءة عالية تحميه من القرارات الخاطئة ومن المستشارين الفاشلين، الذين غالبا ما يصبحون عبئا على القائد وليس عونا له!!
الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (مواصفات القيادة الإسلامية):
(من أهم الصفات القيادية التي يجب أن يتصف بها القائد هي صفة الكفاءة. فينبغي أن يكون القائد كفؤًا في أي مجال من المجالات التي يقودها).
قادة بلا كفاءات
إذا أردتَ أن تعيق عمل مؤسسة ناجحة، فيمكنك ذلك بوضع شخصية ليس لديها كفاءة على قمة هرم هذه المؤسسة، من هنا تعدّ الكفاء من أكبر أسرار النجاح، وإذا انعدمت الكفاءة من القيادة، سوف تكون في طريقها نحو الفشل، ينطبق هذا على الدولة، وعلى المنظمة وعلى العائلة وعلى الدائرة الرسمية، وعلى كل مرفق انتاجي أو خدمي يقوده قائد أو رئيس.
أهم نقاط النجاح هي الكفاءة، لذلك في التاريخ العربي والإسلامي وفي أبعاده المختلفة، نلاحظ أن الأعداء بذلوا كل ما يمكنهم حتى يصبح قادة المسلمين والعرب غير كفوئين، فجميع من كانت لديهم مصلحة في تأخير المسلمين، وتعويق تقدم الدول الإسلامية، تدخلوا بطريقة أو أخرى وساعدوا أو مكنوا شخصيات قيادية هزيلة تقود المسلمين.
لذلك نلاحظ أن قادة المسلمين في الغالب لا يمتلكون الكفاءة التي ترجّح كفّتهم على غيرهم، بل على العكس من ذلك، يختارهم الأعداء من (الجهلة) أو من (المرضى نفسيا)، ومن شذّاذ الآفاق، حتى يكونوا قنطرة يعبر عليها الأعداء إلى غاياتهم، وهي في الغالب تتجسد بالطمع بخيرات المسلمين وثرواتهم، فيتم اختيار قادة بلا كفاءة، حتى يأتمرون بأوامر من أتى بهم للسلطة، أو ساعدهم على بلوغها.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن الكفاءة سر كبير من أسرار النجاح في مختلف الميادين، السياسية وغيرها؛ وعدم توافر الكفاءة يعد من أسرار الفشل، لذلك نلاحظ أن أعداءنا بمختلف مسمّياتهم، حاولوا وما يزالوا يعملون على إبعاد الأشخاص الكفوئين عن التصدي للحكم في الدول الإسلامية، ويركزون على تجريد القيادات في منطقة الشرق الأوسط ـ بشكل خاص ـ عن كل مظهر من شأنه أن يحكي ويدلل على موضوع الكفاءة).
تُرى ماذا يمكن أن نتوقع من قائد دكتاتور يقود الدولة؟، وأعداء المسلمين طالما مكنوا مثل هذه الشخصيات غير القيادة لبلوغ السلطة، حتى يسهل عليهم الوصول إلى أهدافهم، لذلك حين نطالع التاريخ السياسي الإسلامي وإلى يومنا هذا، نجد أن من يحكمهم أما دكتاتور، أو ملك بالوراثة، أو وصل السلطة بانقلاب عسكري مدعوم، وهل يمكن لهذا النوع من القادة أن يبنوا دولة أو يتقدموا بشعب أو أمة؟
القائد والكفاءة صنوان متلازمان
هل يمكن أن نتصور قائدا بلغ السلطة بالوراثة أن يكون قادرا على بناء دولة؟، إن بلوغ السلطة بالوراثة أو الانقلاب العسكري أو الأساليب القبلية، لا يمكن أن تساعد القائد على النجاح في دوره ومهماته، والسبب الأهم في ذلك أن سلطته ليست شرعية، أي أنه اغتصب السلطة بالقوة وبمساعدة أعداء المسلمين، وفي هذه الحالة سوف يجعل من الشعب أو الأمة عدوّا له ويخشاه طالما كان في سدة العرش، كونه ليس قائدا ذا سلطة شرعية.
الإمام الشيرازي يؤكد حول هذه النقطة قائلا:
(تارة حاول الأعداء أن يجعلوا الحكم قبلياً، وأخرى ملكياً، وثالثة وراثياً، ليس على أساس الكفاءة، ومرة جاءوا بالحكام عبر الانقلابات العسكرية بعد لكي تقوم بالدور المطلوب منها، إلى غير ذلك من أنظمة الحكم المتعددة التي تلغي موضوع القائد الكفؤ).
وقد لا نخطئ إذا قلنا بأننا نعاني اليوم من أزمة كفاءات، ليس لأنها ليست موجودة في مجتمعاتنا، كلا، نحن من الأمم التي تتوافر فيها كفاءات من طراز خاص ومهم، لكن القائد (الدكتاتور، أو الوراثي، أو الانقلابي)، لن يسمح بأي دور للكفاءات، كونه يخشى منها، لهذا سوف يضع غير الكفوئين في المناصب الحساسة حتى يضمن تأييدهم له، وبقاءه فترة أطول في سدة الحكم، وهذا هو حال الحكومات الدكتاتورية المستبدة، والحكومات الفاسدة.
لهذا نلاحظ أن أي دولة لا تهتم بكفاءاتها ولا تعتمد عليهم في البناء والتقدم، سوف تفتح الباب واسعا أمام الاستبداد، والسبب كما لدينا في التجارب الحية، أن القادة المستبدين المرضى الفاسدين، لن يقربّوا الكفاءات ولا يعطوهم المكانة اللائقة بهم.
وهذا ما يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:
(لهذا السبب نحن اليوم نعاني من أزمة الكفاءات، ومن مشكلة عدم صلاحية الحكام، وذلك ليس بسبب عدم وجود الكفاءات، بل لعدم تمكنها من التواجد في مواقعها الحقيقية التي من المفروض أن تحتلها، وهذا يؤدي إلى ظهور الدكتاتوريات في أكثر البلدان الإسلامية).
لذلك سوف نصل بالنتيجة إلى أن الكفاءة لا يمكن أن تفترق عن القائد الناجح، فالموقع القيادي يجب أن يتصدى له شخصيات ذات كفاءة متفرّدة، حتى تكون أهلا لمهمة القيادة والمنصب الحساس المسؤول، ولكي تكون القرارات السياسية متماسكة صحيحة وناجحة، وتقوم على مبادئ ثابتة بعيدا عن التردد والضعف.
الإمام الشيرازي يقول عن ذلك: (إذاً، الكفاءة واحدة من تلك الصفات المهمة التي يجب أن يتحلى بها القائد، حيث لابد أن يكون في مستوى المنصب الذي يشغله، وفي مستوى القرار السياسي، لكي لا تتخبط سياسته، فيتمكن أن يقود الشعب والمجتمع نحو التقدم والرقي والتطور).
هكذا يضع الإمام الشيرازي صفات واضحة، لابد أن تتحلى بها الشخصية القيادية، حتى يكون النجاح من نصيبها، وفي حال نجحت فإن النتائج المترتبة على ذلك لا يعود لها فحسب، إنما الدولة والأمة كلها سوف تقطف ثمار القيادة المقترنة بالكفاءة العالية، وينطبق هذا على كل تجمّع يحتاج إلى قيادة محنكة.
اضف تعليق