حاجة المسلمين إلى النموذج الجيد، تجعلهم مطالَبين بسبر أغوار تجربة الصديقة فاطمة الزهراء (ع)، المجتمع كله برجاله ونسائها في حاجة لها، لكن النساء هنّ الأقرب والأكثر حاجة للدروس الكبيرة التي تشتمل عليها هذه التجربة المتفرّدة، فالصفات والملَكات والخصال الأخلاقية الكبيرة التي حملتها سيدة نساء العالم...
(الصديقة فاطمة الزهراء (ع) هي خير أُسوة للناس كافة، لاسيما النساء)
الإمام الشيرازي
للصديقة فاطمة الزهراء (ع) مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، تبلورت من مكانتها عند أبيها النبي الأكرم (ص)، وكذلك من اقترانها بأمير المؤمنين علي (ع)، زوجة مثالية صارت أسوة للنساء، وقد تركت لنا سيدة النساء سيرة غنية بالتجارب والدروس، توزعت على مجالات الحياة كافة، منها العلمية، والخطابية، والأخلاقية، والتربوية وصلابة المواقف وغيرها مما تعلّمته في مدرسة أبيها (ص).
حاجة المسلمين إلى النموذج الجيد، تجعلهم مطالَبين بسبر أغوار تجربة الصديقة فاطمة الزهراء (ع)، المجتمع كله برجاله ونسائها في حاجة لها، لكن النساء هنّ الأقرب والأكثر حاجة للدروس الكبيرة التي تشتمل عليها هذه التجربة المتفرّدة، فالصفات والملَكات والخصال الأخلاقية الكبيرة التي حملتها سيدة نساء العالم، يجب أن تحرص كل امرأة على معرفتها ومن ثمة تطبيقها في حياتها.
من ذلك على سبيل المثال وليس الحصر غلاء المهور الذي بات يهدد المجتمعات البشرية، لاسيما المسلمين، فقد أصبحت هذه القضية مثار قلق للناس جميعا، وألحقت أضرارا كبيرة بهم، وكان أول هذه الضحايا المرأة نفسها، بعد أن تصاعدت نسبة (العوانس) بين النساء إلى درجة غير مسبوقة.
أحد الدروس الاجتماعية التربوية العظيمة في تجربة الصديقة فاطمة الزهراء (ع)، قبولها بمهر لا علاقة له بالمادة، فلم تكن الأموال أو المجوهرات أو الذهب أحد همومها، فقدمت بذلك درسا عظيما لكل النساء المسلمات ونساء العالم أجمع.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقدم لنا بعض الدروس التربوية الفاطمية، في كتابه القيّم الموسوم بـ (المعصوم الثاني: فاطمة الزهراء ع)، فيقول:
(هناك العديد من الدروس والعبر في حياة السيدة الزهراء (ع) الزوجية حري بكل مسلم يريد السعادة لأُسرته أن يأخذها بعين الاعتبار، منها المهر القليل، إذ حثّ أهل البيت (ع) في أحاديثهم الشريفة على تقليل المهور، والتأكيد على الإيمان والأخلاق الحسنة، قال رسول الله (ص): أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهرا).
إذاً سعادة الأسرة لا تكمن في المهور المبالغ بها، بل ترتبط بأمور أخرى يجب التركيز عليها، وأهمها تحقيق الوئام الأسري، وبلوغ مستوى عال من الانسجام والتفاهم، فالهدف الأول لقائديّ الأسرة (الأب والأم)، يجب أن يركز على تحقيق السعادة، وهذا لن يتم بالمهور المبالغ بها كما يحدث اليوم.
صفات يجب أن تتوافر في المرأة
هنالك أيضا عوامل وصفات أخرى يجب أن تتوافر عند المرأة وشريك حياتها أيضا، فعدم إكراه الزوجة من أهم شروط الزوج الصالح، وعدم عصيان الزوجة لزوجها من الصفات الكبيرة التي تميّز المرأة الصالحة، كما أن بشاشة الوجه تشكل رابطا كبيرا بين الشريكين، لاسيما الزوجة التي تحرص على بثّ أريج السعادة في أجواء البيت، لقطف ثمار السعادة لأفراد الأسرة كلّهم.
يقول الإمام الشيرازي:
(الوئام الأسري الذي شهده بيت الصديقة الزهراء (ع) هو خير مثال للوئام الأسري في الإسلام وخير دليل على أهلية الإسلام في خلق الجو الملائم للأسرة، ففي الحديث أنّ أمير المؤمنين (ع) قال في حق زوجته فاطمة (ع): فو الله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجل، ولا عَصَتْ لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان).
كذلك هناك حاجة كبيرة لكبح الغضب، ومنعه من التسلل إلى الأجواء العائلية التي يجب أن تكون في غاية اللطف والهدوء، فلا يصح للزوج أن يُغضِب زوجته والعكس كذلك، وإذا كان هذا الرأي غير قابل للتطبيق التام، فإن التقليل منه إلى أدنى الدرجات مطلوب من الزوجين، والغرض هو صنع أجواء سعيدة للأسرة.
فالصحيح هو السعي المشترك للشريكين لبلوغ أقل درجة من الغضب، مع الحرص الشديد على عدم زجّ الأطفال في هذا المعترك الخطير على أوضاعهم النفسية، فإذا شبّ الطفل في جو مشحون بالغضب بين الأبوين، فإن هذا الحال سوف يكبر معه، وسوف يتحول إلى أب غاضب متشنّج، فيصنع أسرة متوترة، فلابد أن يكون الأبوان في أشد الحرص على إبعاد أولادهم عن الأجواء المتشنجة.
ولذلك يقول الإمام الشيرازي:
(ما أحوج أسرنا اليوم أن تقتدي بأهل البيت (ع) وتسير على خطاهم وتتبع وصاياهم في خلق الوئام الأسري من خلال: أن لا يغضب الزوج زوجته وكذا العكس، وهذا قد لا يمكن مائة في المائة، ولكن يسعى الإنسان أن يحقّق ذلك قدر الإمكان).
النموذج الفاطمي للمرأة الصالحة
من الدروس الفاطمية العظيمة أيضا، أن لا تثقل الزوجة كاهل زوجها بطلبات تفوق قدرته المادية أو سواها، بل عليها أن تكون حريصة في مراعاة زوجها بخصوص الطلبات المنزلية، وطلباتها الشخصية، توجد نساء في مجتمعنا حاليا يطالبنَ الأزواج بما يفوق طاقاتهم بكثير، وحين يُطلَب منها التريّث والتفهّم، ترفض ذلك وتصرّ على أن تلك الطلبات جزء من حقوقها!!
طيلة حياتها الزوجة، لم تحمّل فاطمة الزهراء (ع) زوجها علي بن أبي طالب (ع) بما يفوق طاقاته، هذا هو نموذج الزوجة الصالحة، حيث تأتي على نفسها وتصبر وتتحمّل كي تصنع السعادة الأسرية، فكم من بيوت تهدّمت أسريا بسبب إصرار الزوجات على طلبات كمالية لا أكثر.
وهناك زوجات ينظرن إلى نساء أخريات، كيف يعشنَ في أُبّهة وترف، فيطالبن الأزواج بنفس هذا النمط المترف الذي يعجز عن تحقيقه بسبب قلة موارده، فلا تعذر زوجها، ولا ترى في أطفالها سببا لتقليل مطالبها غير المهمة، وقد تصل سوء العلاقة بينها وبين زوجها حدّ فك الشراكة والانفصال، بغض النظر عمّا ينتظر الأطفال من مستقبل مجهول.
لذلك يجب أن يكون هذا الدرس الذي قدمته الصديقة فاطمة الزهراء (ع) للنساء، محطّ اهتمام الزوجات اللواتي يجب أن يتمسكن بالحفاظ على التوازن الأسري، لاسيما في العلاقة الهادئة والسعيدة مع الزوج.
الإمام الشيرازي يقول:
(مما يستفاد أيضاً من الدروس الأسرية من بيت أمير المؤمنين (ع) والصديقة الزهراء (ع) عدم تكليف الزوج ما لا يطيقه).
وهناك ركن تربوي أسري بالغ الأهمية يجب أن تنتبه له الأمهات انتباها شديدا وجادا، وهو يتعلق بإظهار الاحترام الجيد للأطفال، والتوقير والإعجاب والتشجيع، وإشعار الأم لطفها بأنه محترم ومحبوب، وأن كرامته ومكانته كبيرة لديها، هذا السلوك الإرشادي المهم سوف يكبر وينمو مع الطفل، وسوف يعيش حياته كلها في شخصية وقورة محترمة خالية من العقد النفسية.
هذا بالضبط ما كانت تقوم به فاطمة الزهراء (ع) مع أبنائها، لقد عاشوا في جو متميز من الاحترام والمحبة، فامتلأت قلوبهم ونفوسهم وعقولهم بهذا التعامل الكريم، ونضجت شخصياتهم محترمة موقرة متوازنة واثقة، لأنهم نهلوا من أمهم (ع)، الطيبة والاحترام والمحبة والشعور بالاكتمال النفسي.
يقول الإمام الشيرازي:
(مما يستفاد أيضاً من بيت الزهراء (ع) في المجال التربوي الدروس التالية: إظهار المحبة للأولاد وتكريمهم كما كانت الصديقة (ع) تصنع بأولادها وتظهر محبتها لهم، ويشهد له ما في حديث الكساء من قولها (ع) للحسنين (ع) يا قرة عيني وثمرة فؤادي، وينبغي أيضاً توقير الأولاد واحترامهم ومنحهم الشخصية من خلال مدحهم وذكر فضائلهم، كما كانت تفعل الزهراء (ع) مع أولادها).
هذه هي المدرسة التربوية الأسرية الأخلاقية المكتملة، لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع)، وهذا هو النموذج العظيم الذي من الأفضل لكل امرأة وزوجة أن تعرفه معرفة تامة، وتسبر أغواره بدرجة كافية، حتى تحصل على دروس تربوية عظيمة، تساعدها على صنع أسرة متوازنة سعيدة وناجحة، وتُسهم بالتالي بصنع مجتمع سعيد متوازن وناجح.
اضف تعليق