q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

أسباب وحلول التوترات والأزمات الزوجية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء إشعال التوترات في داخل الأسر، مما يؤدي إلى نوع من التوترات التي تشحن البيوت بالتشنج والانفعال غير المبرر، فتصبح الأسرة بأفرادها، الزوج والزوجة وأولادهما، في حالة لا استقرار مؤلمة، يسودها القلق والخوف، ومن ثم تعطيل إمكانيات العائلة المختلفة...

كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء إشعال التوترات في داخل الأسر، مما يؤدي إلى نوع من التوترات التي تشحن البيوت بالتشنج والانفعال غير المبرر، فتصبح الأسرة بأفرادها، الزوج والزوجة وأولادهما، في حالة لا استقرار مؤلمة، يسودها القلق والخوف، ومن ثم تعطيل إمكانيات العائلة المختلفة، وقد يؤدي هذا التوتر المستمر إلى تنافر حاد بين الزوجين يؤدي إلى تهديم الأسرة.

لذلك مطلوب من أفراد العائلة الكبار، لاسيما الزوج وزوجته، وكذلك مطلوب من المعنيين بتمتين البنية الاجتماعية (المنظمات والمؤسسات بأنواعها) أن يبحثوا عن الأسباب التي تجعل من بيوت الأسر بؤرة للتوترات والمشاكل، ولعل في هذه المشاكل تفاوت المستويات الثقافية والعمرية والبيئية أيضا، واعتماد المتزوجين على الجانب العاطفي وليس العقلي، مما يؤدي إلى مشكلات تقوّض أسس العائلات حديثة التكوين، كما يحدث بين طلبة المدارس مثلا.

الإمام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الأزمات وحلولها):

(هناك أسباب كثيرة لهذا التوتر والطلاق، فكل واحد من الشباب والشابات يتزوج من خلال علاقاته العاطفية في المدرسة أو ما أشبه ذلك، بدون مشاورة شخص من الكبار كالأبوين والأعمام ونحوهم، ومن الواضح أن الأمر بينهما عاطفي أكثر مما هو عقلاني، ولذلك لا ضمان لدوام هكذا زواج).

عدم التشاور في الزواج، واعتماد التسرع تحت الضغط العاطفي، غالبا ما يؤدي إلى اكتشاف طباع جديدة لدى الزوجين، لم يكتشفاها قبل الزواج، وهو ما كان يلزمهما بالتشاور مع من هم أكبر تجربة وعمرا منهم، كالأقارب الأعمام والأخوال وغيرهم، فهؤلاء لا يتعاملون مع الزواج وفق العاطفة المتسرعة.

في السابق كان الآباء والأمهات يساعدون أبناءهم في الاختيار السليم لشريك الحياة، وكان الأبناء لديهم الاستعداد النفسي لقبول مثل هذه التدخلات العائلية من (الأب و الأم)، ولكن كثير من الشباب اليوم يتخلون عن هذا المبدأ المهم في الاختيار المتبادل للشريك، بل ويعدّونه تدخلا في حياتهم.

أهمية التشاور قبل الزواج

لكن حين تنتهي مرحلة الخطوبة ويجتمع الزوج مع زوجته تحت سقف الزوجية، تبدأ الصفات والطبائع المضمومة تظهر للعيان، وتفرض نفسها على حياتهما، فقد يكتشف الزوج عيوبا وطباعا لم يألفها من شريكة حياته في مرحلة ما قبل الزواج، ويصح هذا على الزوجة التي قد تُفاجَأ بتصرفات شريكها التي لم تكتشفها فيه قبل الزواج، وبهذا تصبح حياتهما الزوجية والأسرية معرضة للانهيار في أية لحظة، تحت ضغط المشكلات النفسية أو الثقافية وسواها.

يقول الإمام الشيرازي:

(في الزمن السابق كان الكبار من أهل الزوجين كالوالدين ومن أشبه ممن جرّبوا الحياة وتحلوا بتجارب هامة، هم الذين يختارون للولد زوجة أو للبنت زوجاً (مع رضا الزوجين وقناعتهما الشخصية).

ومن الأسباب التي تضاعف من المشكلات الزوجية، حين يصطدم أحد الزوجين بواقع الشريك، من حيث المؤهلات بمختلف أنواعها، فينكشف الإنسان على حقيقته سواء الرجل أو المرأة، ولذلك من الأهمية بمكان عدم رفع سقف التوقعات عن الشريك الآخر، وعدم تضخيم ما يُطلب منه سواء على المستوى المادي أو الفكري أو المعنوي، فحقائق ما قبل الزواج تختلف عمّا بعده!!

إذاً هناك سبب كبير قد يقود الزوجية إلى التدهور والتهديم، فحين يحلم الزوج بسقف عالي من التوقعات أو الزوجة حين تتوقع الكثير من زوجها، فهذا يجعل حياتهما الزوجية تحت معول السقوط في أي وقت، لذلك يجب على الزوج والزوجة، أن يقللا سقف التوقعات بالشريك إلى أدنى حد ممكن.

الإمام الشيرازي يقول:

(يجب أن لا يتوقّع كل واحد من الزوجين عن الآخر ما لا يطيقه أو يصعب عليه من الأمور المادية والتهيؤ وما أشبه ذلك، وإلا فكثيراً ما ينتهي الأمر بهما إلى ما لا يحمد عقباه من المفارقة أو التوتّر أو الطلاق).

قضية مهمة جدا يجب أن يتنبّه لها الزوجان جيدا، في بداية حياتهما الزوجية، ففي حال حدثت مشكلات معينة بينهما، يجب تلافيها بقدر المستطاع، لأن حدوث المنغصات الزوجية والخلافات بشكل مستمر يجعل الحياة الزوجية مهدّدة بالتدمير في أية لحظة، لذلك يجب أن يبادر الزوج وزوجته، وأولادهما من الواعين، إلى تجفيف الأسباب التي تؤدي إلى خلق المشكلات، وصنع التوتر العائلي.

الدين والأخلاق يحميان البناء الأسري

يقول الإمام الشيرازي:

(كثيرا ما تحدث المشاكل الزوجية بسبب التوتر الدائم في البيت، حتى ينتهي الزواج شيئاً فشيئاً إلى الطلاق، أو المفارقة بدون طلاق).

أيضا أخلاق الشريك وطبيعته لها تأثير مباشر على الحياة الزوجية، فهناك من يكون ضعيفا في التزاماته الأخلاقية ومسؤولياته العائلية بسبب ضعف الالتزام الديني لديه، وربما يدفعه ذلك إلى خيانة شريكه، لأنه لا يمتلك الرادع الديني والأخلاقي الذي يمنعه عن ارتكاب مثل هذه الخيانات المرفوضة، لذلك من المهم بل والحتمي أن يكون الشريكان ممن يمتلك الأخلاق الحسنة.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:

(تنشأ الأزمات العائلية بسبب الإنسان نفسه، وذلك قد يكون بسبب ضعف الالتزام بالدين، فقد يخون أحدهما الآخر أو يرتكب ما يُشبه الخيانة، وقد يكون بسبب ضعف الأخلاق حيث يجب على الزوج والزوجة أن يتخلَّقا بالأخلاق الإنسانية اللائقة بإنشاء أسرة ناجحة).

أما حين نتطرق لطبيعة المعالجات التي تحد من أسباب التفكك الأسري، فإن الطرفين الزوج والزوجة تقع عليهما مسؤولية مباشرة، لدرء خطر تفكك العائلة، وأول إجراء يجب أن يلجأ إليه الزوجان هو اللين والعفو والتسامح، وعدم ترصد أخطاء الشريك ومحاسبته عليها بما يؤدي إلى التجافي ومن ثم الافتراق.

فالزوج يجب أن يستر ويُشبع ويغفر لزوجته جهلها، حتى لو تكرر ذلك، لأن هذا السلوك الجيد من الزوج يبعد خطر التفكك العائلي، وفي نفس الوقت يجعل الزوجة تعود إلى رشدها، وقد أورد الإمام الشيرازي رواية في هذا الشأن بكتابه أعلاه:

(روي: أنه سأل رجل رسول الله (ص) عن حق الزوجة على الزوج، فقال: يستر عورتها بالكسوة ويشبع بطنها بالأكل ويغفر لها إذا جهلت، فسأل الرجل الرسول (ص): وكم مرة يغفر؟ قال (ص): في كل يوم سبعين مرة).

فإذا امتلك الزوج هذه القدرة العالية من السلوك مع الزوجة، فإنه حتما يسهم في حماية الأسرة من التوتر والمشاكل، حتى الأبناء من (البنين والبنات) تتأسس في شخصياتهم ثقافة التعامل الصحيح مع الآخر، كذلك لا يمكن للمرأة أن تبقى مستمرة في أخطائها، لأنها سوف تتعلم بالتدريج على تحاشي الوقوع في الأخطاء، لاسيما تلك التي لا تحدث بدافع القصد المسبق، فهناك أخطاء كثيرة تُرتكب عن جهل، أو قلّة فهم، وبالتالي لابد للمرأة أن تقابل زوجها الذي يحسن تعاملها، بتعامل مماثل.

فقد ورد أيضا الحث على سعة صدر المرأة مع زوجها في روايات متعددة، حتى قال الرسول (ص): (جهاد المرأة حسن التبعل)، كما يذكر الإمام الشيرازي.

خلاصة ما يمكن البت به وتأكيده، هو إمكانية حماية الأسرة من الفشل والانهيار، بالعودة إلى معالجة الأسباب المذكورة في أعلاه، فالشريكان يمتلكان القدرة على التعاطي مع التوترات والمشكلات، ولديهما القدرة على تذليلها بعد تأشيرها ومعرفتها، وبمجرد أن تتوفر للشريكين قاعدة مشتركة من التفاهم والانسجام، فإن حماية العائلة من خطر التفكك يكون هدفا ممكنا وقابلا للتحقق.

اضف تعليق


التعليقات

زيتون
العراق
جزاكم اللَّه خيراً.2021-12-21