بإمكانك أن تكسب القلوب، وهذا الهدف يتوافق مع طبيعة الإنسان التكوينية، فلا أحد يريد أو يسعى كي يكون مكروها من الآخرين، ولكن حين يهمل أحدنا شرط كسب القلوب، ويتعامل وفق مبدأ اللامبالاة مع الآخرين، فهو يخاطر بفقدان صفة عظيمة، ألا وهي صفة الاحترام...
(إن سوء الخلق يُبعد عن الإنسان حتى أقرب الناس إليه) الإمام الشيرازي
الغني بأمواله يمكن أن يشعر بضغوط الحياة، فما بالك بذوي الحال البائس، كيف ستكون حياتهم مع العوز الذي يفتك بهم، والعوز أو الفقر هنا لا ينحصر بقلّة الأموال، كما أن الغنى لا يعني كثرته، فيمكن أن يعاني الإنسان من فقر الأخلاق، أو فقر المعنويات، هذه المسمّيات المادية والمعنوية، قد تصيب الإنسان، فتجعله يعاني من مشاكل لا علاقة لها بالأموال سواءً كثرت أو قلَّت.
كيف تكون غنياً في الجانب الأخلاقي؟؟ هذا هو السؤال الأهم، والإجابة عنه، ونتائجه هي الأهم، فأن يكون الإنسان محبوبا من الآخرين الذين يحيطون به، عليه بشرط أساس، هو أن يكون صالحا بين الناس، ولكن كيف يكون حاملا لهذه الصفة وهو لا يختلف مع الناس في كينونته وصفاته، فهو مثل الآخرين يحب ويكره ولديه مصالح عليه أن يراعيها ويحميها، وهو قد يتعرض للمنافسة أو التصارع.
أن تتحرك بين الناس، فأنت تحتك بهم، وأن تسعى إلى النجاح، فذلك لابد أن يُدخلك في منافسة معهم، فمن طبيعة الناس أن يكونوا متفوقين على غيرهم، ليس هذا وحده، بل هم لا يرغبون أن يتفوق عليهم أحد، حتى لو حدث ذلك وفق الاستحقاق والذكاء والمؤهلات الأخرى، ما أصعب أن تشق طريق التميّز والنجاح في وسط بشري لا يرغب أن تتفوق عليه!!
بين المنافسة والصراع!!
هذا النوع من الحركة، لا يمكن أن يكف عنها الإنسان، لأنه إن كفّ عن المنافسة ينحدر نحو الموت، إذاً أنت محكومٌ بمنافسة الآخرين كي تحقق أهدافك (عملك، رزقك، تفوقك، أهدافك....)، وهذا يعني احتكاك الحتمي مع الآخرين، ودخولك معهم في منافسة لا مفرّ منها، والمطلوب منك، أن تعمل وتنشط وتنجح، وفي نفس الوقت تكسب قلوب الآخرين، فكيف يحدث هذا؟؟
الجواب ببساطة أن تكون إنسانا صالحا، يراعي حقوق الآخرين، ويمد لهم يد المساعدة عندما يحتاجونها، ويتعامل معهم وفق الأخلاق والقيم الأصيلة، حتى يكسب قلوبها سواءً كان بينهم أو غاب عنهم.
الإمام علي بن أبي طالب (ع) يقول: «خالطوا الناس مخالطة إنْ متّم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم»). فإذا حقق الإنسان هذه المكانة بين الناس، فهذا يعني أنه كسب قلوبهم.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الإنسان والمحبة الاجتماعية):
(إن الإنسان الصالح له مكانة خاصة في قلوب الناس ويحظى بمحبتهم وودهم، فمثلاً إذا كان الطبيب لا يأخذ أجرته إلا بمقدار حقّه وجهده وعمله عد من الصالحين وعرف بالصلاح بين الناس، وبهذا يكون موضع اعتزازهم واحترامهم. وهكذا كل إنسان مهما كان عمله فما دام يعمل لله ويخدم الناس فان الله معه، وسيلقي محبته في قلوبهم، وبذلك يكون محبوباً عند الجميع).
الموازنة بين الطموح ومحبة الآخرين
ليس سهلا أن يحقق الإنسان هذا النوع من التوازن بين طموحه وكسب قلوب الناس، ولكن هناك حلول مساعدة وناجعة، يمكن أن يركن إليها ويعتمدها في سلوكه، وعلاقاته مع الآخرين، تدفع به إلى النجاح في هذه الموازنة بين ما يطمح وبين كسب القلوب، يقف في المقدمة منها هو ابتعاده عن الإساءة للآخرين.
فهل يستطيع الإنسان أن يكف عن إلحاق الأذى بالناس؟، هذا هو ما يسمى بالأخلاق، فإن امتلك أحدنا الأخلاق الرصينة، سوف لا يلحق أي إساءة بالآخر، بل لا يفكر في ذلك، أما النتيجة فهي لا تكون من حصة الناس فقط، وإنما الإنسان الصالح نفسه، سوف يحصد ثمار سلوكياته الصالحة.
العكس من ذلك، هو أن يُساء للناس، وهذا يعني ببساطة أننا نخسر قلوبهم، وقبل ذلك احترامهم، وتأييدهم، ولنتصوّر إنسانا لا يحترمه الآخرون، ولا يقيمون له وزنا، ولا يتعاونون معه، وفوق هذا وذاك يكرهونه، فأي حياة يمكن أن يعيشها هذا النوع المسيء من البشر؟؟، لذا يجب أن يضع الإنسان حدّاً قاطعا بينه وبين الإساءة للناس، حتى لا يخسرهم لأنه لا يعيش في فراغ بل يعيش معهم وبينهم.
يقول الإمام الشيرازي: (إن سوء الخلق يُبعد عن الإنسان حتى أقرب الناس إليه، كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع): «سوء الخلق يوحش القريب وينفر البعيد»، وأيضاً: «من ساء خلقه ملّه أهله»).
إذاً حتى الأهل، العائلة التي ينتمي إليها المسيء، سوف تطردهُ من حياتها، يمكننا أن نتصوّر أب مسيء للعائلة، وهذا النوع من الآباء موجود في المجتمعات، تُرى كيف ينظر إليه أولاده وزوجته؟، وكيف يتعاملون معه، وهل يمكن أن يحترموه؟، كلا بالطبع، بل هم يكرهوه سرّا، وإن تمكنوا فسوف يظهرون كراهيتهم له، لماذا، لأنه يسيء لهم، أما نوع الإساءة فقد تكون لفظية، أو بالعنف الجسدي، قد يستكينون له ولإساءاته، بسبب حاجتهم له، لكنهم يكرهونه حتما.
من هم المدراء والحكام الأقوياء؟
ينطبق هذا على مدير الدائرة، والمدرسة، والمؤسسة، وعلى الحاكم الأعلى أيضا، فالإساءة للآخرين واستعبادهم، واستغلالهم، يؤدي بالنتيجة إلى طرده من القلوب، وعدم تأييده، ومن المحال التعاون معه، لذلك إن أراد المدير، أو الأب، أو الحاكم أن يكون قويا، عليه أن يكسب محبة واحترام الناس، وذلك بالسلوك الأخلاقي البعيد عن الإساءة، أو التجاوز على الحقوق.
الأسرة صورة مصغّرة للدولة، الأب فيها الحاكم، مدير الدائرة هو الحاكم الآمر الناهي لموظفيه، رئيس الجامعة، ومدير المدرسة، ومعلّم الصف هو الحاكم على التلاميذ، هؤلاء القادة لا يمكنهم كسب القلوب بغير الأعمال والقرارات والسلوكيات الصالحة، عكس ذلك فهم يخاطون بمحبة الناس واحترامهم وتأييدهم!
الإمام الشيرازي ينبّه على هذه النقطة الجوهرية فيقول:
(هناك مثل شائع يقول: الإنسان يستطيع أن يتكئ على رؤوس الحراب ولكن لا يستطيع الجلوس عليها، ومن يستغل الناس ويستعبدهم لا يتمكن أن يستقر حبّه في قلوبهم ولا يحظى برضاهم وتأييدهم، لذلك فالحاكم القوي هو الذي يتمكن أن ينفذ إلى قلوب الناس ويعيش في وجدانهم بالإحسان إليهم واحترامهم ومنحهم حقوقهم).
لذلك عليك أن تكون رحيماً، مستعدا على الدوام لمدّ يد العون لمن يحتاجها من الناس، فليس هناك إنسان في هذا العالم لا يحتاج الآخرين، حتى الأقوياء والأغنياء هم بحاجة للآخر، إن لم تكن حاجة مادية فهم يحتاجون إلى الكلمة الطيبة، وإلى المساندة المعنوية اللطيفة التي تساعد على استقرار الإنسان وتمنحه السعادة.
الفقير هو أحوج الناس إلى مد يد العون، ولكن هناك نواقص أخرى كثيرة، ليس الفقير وحده من يعاني منها، الكل لديهم معاناتهم المختلفة، والجميع يحتاج إلى الجميع، فلنكن رحماء فيما بيننا، قريبين من بعضنا، مساندين متآزرين متماسكين لمعالجة نواقصنا، فهذا يعني ببساطة بأننا أناس صالحون.
الإمام الشيرازي يؤكّد على: (إن الناس يحبّون الصالحين ويودون الرحماء ويدعمونهم بكل شيء، بينما تجدهم ينفضون عن الأشداء الذين يعاملون الآخرين كعبيد لهم ولا يقيمون وزناً لأي شيء).
بإمكانك أن تكسب القلوب، وهذا الهدف يتوافق مع طبيعة الإنسان التكوينية، فلا أحد يريد أو يسعى كي يكون مكروها من الآخرين، ولكن حين يهمل أحدنا شرط كسب القلوب، ويتعامل وفق مبدأ اللامبالاة مع الآخرين، فهو يخاطر بفقدان صفة عظيمة، ألا وهي صفة الاحترام، فلا الناس يحترمونه ولا هو يحترمهم، ولأنهم الأغلبية الاجتماعية المطلقة، فإن خسارته قد تكون قاصمة، وهذا ما يحدث للطغاة والمتكبرين.
اضف تعليق