q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

منهج اللاعنف أقصر الطرق لاستقرار الدولة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

تشوب منطقتنا الإقليمية ظاهرة الاضطراب والاحتراب، السبب الرئيس الذي يقف وراءها هو العنف والعنف المقابل، هناك حكومات يقودها من لا يؤمن بمنهج اللاعنف، ويعتقد هؤلاء أن القوة هي مصدر الحماية الأهم، لكن ما تثبته التجارب التاريخية والوقائع القريبة أيضا، أن القوة لا تصمد أمام منهج اللاعنف...

تشوب منطقتنا الإقليمية ظاهرة الاضطراب والاحتراب، السبب الرئيس الذي يقف وراءها هو العنف والعنف المقابل، هناك حكومات يقودها من لا يؤمن بمنهج اللاعنف، ويعتقد هؤلاء أن القوة هي مصدر الحماية الأهم، لكن ما تثبته التجارب التاريخية والوقائع القريبة أيضا، أن القوة لا تصمد أمام منهج اللاعنف، ذلك لأن مصدر العنف والقوة والمغالاة في استخدامهما هو المرض النفسي، فمعظم أسباب العنف تعود إلى نفوس مريضة، وهذا ما توصّل إليه علماء مختصون في علم النفس.

الجنوح إلى السلم والتهدئة ومعالجة المشكلات المعقدة عبر الحوار والنقاش بصبر وعدالة، هو الطريق الذي يؤمّن للجميع مصالحهم بلا غالب ولا مغلوب، القوة لا يمكنها الصمود أمام منهج اللاعنف، فكرا أو سلوكاً.

هذا ما أكد عليه الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في عمق نظريته المعروفة عن منهج اللاعنف، حيث قال: (الجنوح إلى النزاع والاختلاف نوع من أمراض النفس، وانحراف في الذات).

ومما لا ريب فيه ولا اختلاف في التوقّع، أن من يرتكب أعمال العنف ويجعلها وسيلة لتحقيق ما يصبو له من أهداف سوف يجد أن نتائج حالات العنف التي يصنعها بنفسه، ستعود وبالا عليه، لتصيبه في الصميم، حتى قبل أن يضر غيره في أعمال العنف التي تصدر منه بسبب أمراضه النفسية التي تدفع به الى العنف والشدة واتخاذ القمع سبيلا الى تحقيق ما يصبو إليه بدلا من أن يتخذ العنف والتعاون والعدل طريقا الى غاياته التي ينبغي أن تكون مشروعة، وبهذا يكون الحاكم المؤمن بمنهج اللاعنف في مأمن من النتائج الدامية، وسوف يصون نفسه وحكومته من أية عواقب وخيمة قادمة.

التركيز على أهمية الحد من العنف أو القضاء عليه هدف العقلاء، كونه مطلب فطري، تقرّهُ الضوابط الإنسانية التي أوجبت ردع العنف بكل أشكاله والجنوح إلى السلم مع العمل المستدام على احتواء الأزمات التي تثير الأعمال العنيفة، وقد لمس المسلمون منذ أوائل الرسالة النبوية الفوائد العظمى لكبح العنف، فاتخذوا منه طريقا ومنهج حياة وعلى من يبحث عن الاستقرار والتقدم والعيش بحرية أن يتخذ من مبدأ اللاعنف طريقا له.

الإمام الشيرازي يؤكّد على أن: (مبدأ اللاعنف هو شعار الإسلام قبل أن يتخذه غاندي شعاراً كما أن من شعار الإسلام السلام، قبل أن يتبناه بعض دول العالم صدقاً أو كذباً).

أنوع العنف اللفظي والمادي

العنف بحسب العلماء المختصين هو تعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى. وتشير استخدامات مختلفة للمصطلح إلى تدمير الأشياء والجمادات مثل تدمير الممتلكات، ويستخدم العنف في جميع أنحاء العالم كأداة للتأثير على الآخرين، كما أنه يعتبر من الأمور التي تحظى باهتمام القانون والثقافة، لذا فالدول التي تعاني من العنف نجد أن أنظمتها السياسية تميل إلى القمع واستخدام العنف بأساليب شتى.

وقد تلجأ بعض الأنظمة السياسية إلى اعتماد القمع، أو المطاردة والتضييق، ومنها ما يبلغ العنف لديه مستويات عالية كالتصفية والقتل وأنواع التعذيب وملء السجون بالناس، وهذه أساليب ما دية قد ترافقها أنواع أخرى من العنف، منها العنف النفسي، والعنف اللفظي، والعنف الإيحائي، والعنف ضد الأطفال، والنساء والأسرى، الى غير ذلك، لذلك ينبغي أن تنهض الجهات والدوائر والمؤسسات والشخصيات المعنية بقضية ردع العنف والتقليل من انتشاره، ومن هذا السبل التلقين والإيحاء والتمرين، ومن النتائج والمحصّلات النهائية أن العنف غالبا ما يكون مصدره جهة عليا آمرة، كسلطة الحاكم وحكومته لاسيما إذا عرفنا بأن العنف تكون ملازمة للإنسان وعليه أن يتفاداها بالعقل والحوار والإجراءات الصحيحة.

يقول الإمام الشيرازي: (لاشك أن الإنسان فيه حالة العنف، لكن يمكن إزالته بالتلقين والإيحاء والتمرين، وعند ذاك تكون ملكة له وطبعاً من طباعه يأتي بكل يسر وعفويّة، كما هو كذلك في سائر الحالات والملكات الرديئة).

هل القوي متكبّر دائما، وهل تقترن حالات العنف بالأقوياء، بالطبع لا يمكن تعميم هذه الحالة، ولكن في الغالب يكون مصدر العنف متكبرا على الآخرين، تحت دافع نفسه المريضة بالقوة والعنف، هل ينطبق هذا على بعض الدول، خصوصا التي يُطلَق عليها بالدول الكبرى، هذه ليست قاعدة، ولكن هناك من تقترن قوته باللين والهدوء والاتزان، هذا هو المطلوب من أقوياء العالم اليوم وليس العكس الذي يؤدي إلى تأجيج الحروب في العالم.

متى يكون الحاكم نموذجاً لشعبه

تذهب بعض الدراسات والاستبيانات إلى أن الإنسان العنيف في الغالب يكون متكبرا، فيشعر بالتعالي على الآخرين، ويظهر هذا التعالي في السلوك والأقوال والتفكير وأنواع التصرف حتى في أدق الأمور، حيث يشعر بعض الناس المرضى نفسيا بأنهم أفضل من الآخرين في أمور كثيرة، فيدفعهم هذا الشعور المشخص مرضيا إلى التكبر على الناس في الفعل والقول، وغالبا يلجأون للعنف والقوة باعتبارها أسهل الطرق للقمع والتكميم، لكن الخطأ والخطر يكمن في النتائج المستقبلية لأسلوب العنف.

متى تبدأ المشكلة عندما يكون مثل هؤلاء الأشخاص في السلطة، وتكون مصائر الناس بأيديهم، إنها تبدأ مشكلة بغياب العدالة الاجتماعية، وانتشار الفساد والمحسوبية والقمع، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحتى الأشخاص من ذوي الوظائف الصغيرة، وبعضهم بلا وظائف ولا سلطات ولا صلاحيات يتخذون من العنف سلوكا لهم، فيحترفون العنف في حياتهم اليومية المعتادة، فتكون ألفاظهم نابية مؤذية خادشة، ولهذا قد يكون الطاقم الحكومي كله عنيفا متعاليا على الناس، وهو ما يزيد من تعقيد الحياة، وقد يعجّل من سقوط الحكومات العنيفة.

الإمام الشيرازي يقول: (حين يرى الإنسان نفسه كبيراً، ويترفّع على الآخرين عملاً، فإن هذا يتسبب بانفضاض الناس من حوله. لا يأخذ الإنسان من الآخرين ما يصلحه. والكبر يستلزم كثيراً من الرذائل كالعجب والاستبداد وإهانة الناس بالقول والعمل).

ربما يرتبط العنف بأفكار وأقوال بعض المسؤولين في الحكومة أو النظام السياسي، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى تزايد النقمة الشعبية، على العكس فيما لو استخدمت الحكومة الحلول الصحيحة والحوار الهادئ بعيدا عن العنف، فالمسؤول العنيف لا يحبذ التهدئة ولا ينشر الاحترام، إنه عنيف بالفكر واللفظ وباستخدام القوة المادية، وأينما حل مثل هذا المسؤول تجد العنف قائما وحاضرا بحضوره، لذلك من الأفضل أن تكون هناك إجراءات قانونية شديدة وعادلة لضبط العنف، فقد لا يتمكن الردع الذاتي من تحقيق هذا الأمر، وقد يعجز السائد العرفي والأخلاق عن تحقيق هذا الهدف، وإذا وعى الحكماء من المسؤولين بأن العنف لا ينتج غير العنف، فإن العوامل المساعدة على الاستقرار والتقدم وانتشار ثقافة الحوار ستكون حاضرة بقوة في الدولة والمجتمع.

لذلك يحذّر الإمام الشيرازي: من (الجنوح إلى النزاع، لأن بعض – المسؤولين- يميلون إلى المشاكل والاختلاف مع الآخرين في الصغائر والكبائر، وفي كل أبعاد الحياة).

إذا كان هدف النظام السياسي استقرار الدولة، عليه اعتماد منهج اللاعنف في التعامل مع الشعب، وفي إدارة مرافق ومؤسسات الدولة، مع أهمية أن تكون ثقافة (اللاعنف) عامة شاملة يعتادها الناس من حكومتهم، ويتعلمون اللاعنف من قادتهم، فالقائد في الدول الناجحة هو النموذج الجيد لأفراد شعبه.

اضف تعليق