يقول الامام الشيرازي (قدس سره):
للإنسان حق الحياة الكريمة موفراً فيه شروط الحياة، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليها..
لا يسلب هذا الحق من أحد كبيراً أو صغيراً، أو مسلم أو كافر، أو عالم أو جاهل، أو شريف أو وضيع، إلا بسبب حكم شرعي: ولذا فكيان الإنسان المادي والمعنوي يجب حفظه، وتحميه الشريعة الإسلامية، والدولة الإسلامية القائمة بالشريعة الإسلامية من قبل ولادته إلى بعد مماته حتى يلزم على المسلمين احترام جسده بعد موته.
يحرم في الإسلام حرمة مغلظة دم المسلم، بل دم الإنسان مطلقاً –إلا ما خرج بالدليل- وعرضه وماله، فالسياسة الإسلامية غير ملوثة بسفك الدماء.. بل تمنع عن ذلك منعاً باتاً إلا في أقصى موارد الضرورة كماً وكيفاً.
من يقتل إنساناً لأجل غاية يريد الوصول إليها يؤكد على أن نفسه ملوثة بهذه الجريمة، (بحيث) لو توقف تحقيق تلك الغاية على قتل الناس جميعاً، وتمكن من ذلك لأقدم على ذلك.
من لا يتورع عن إطلاق رصاصة في لحظة غضب جامح، أو لأجل رغبة شيطانية، لا يتورع عن ضغط زر تنطلق أثره عشرات الصواريخ حاملة الرؤوس النووية، فيما لو كان الضغط على ذلك الزر يتم بنفس بساطة وسهولة الضغط على زناد البندقية.
هؤلاء الذين يمارسون القتل والعدوان لا يحق لهم أن يكونوا مستخلفين في الأرض، بل هم يناقضون إرادة الله حين يعملون على تحويل الإنسان إلى آلة معدة للقتل والإرهاب...
كيف يمكن النظر الى حقوق الانسان ومنها حق الحياة؟
على امتداد العالم، المتحضر منه او المتخلف كما في التوصيفات الاعلامية والسياسية، تسود حالة من الانتهاكات لحقوق الانسان.
وهي انتهاكات متعددة وصارخة يمكن ان تندرج تحت اي عنوان من عناوين شرعة حقوق الانسان الدولية، او شرائع الاديان السماوية.
تتسم حقوق الانسان بعدد من الخصائص، وهذه الخصائص سابقة لأي قوانين يمكن ان تؤطر تلك الحقوق وتوفر لها حماية من الانتهاكات:
• حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث، فهي ببساطة ملك الناس كلهم لأنهم بشر بمعنى أدق إن حقوق الإنسان (متأصلة) في كل فرد.
• حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الرأي الأخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، إذ أن الناس قد ولدو أحراً جميعهم ومتساوين في الكرامة والحقوق، بمعنى أدق إن حقوق الإنسان (عالمية) لكل الناس.
• حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها، فليس من حق احد ان يحرم شخصاً أخر من حقه حتى لو لم تعترف بها قوانين بلده أو عندما تنتهكها تلك القوانين فحقوق الإنسان ثابتة أي (غير قابلة للتصرف).
• لكي يعيش الناس بكرامة فانه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن وبمستويات معيشية لائقة، أي إن حقوق الإنسان (غير قابلة للتصرف).
الحديث عن مصطلح (الحق) يتفرع الى معان عديدة، تندرج جميعها تحت واحد من صنفين:
المعنى اللغوي، ويشتمل على: (الحقيقة العليا والمطلقة في الكون وهي الخالق جل وعلا، كما ورد في الاية المباركة "ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن". فتعبير "الحق" هنا اسم من اسماء الله تعالى او صفاته.
الحق بمعنى الوجوب/الواجب، انقضاء الامر، الاحاطة، الحزم، الحكم المطابق للواقع، الثبوت/ الثابت، الصحيح، والمطابق لمقتضيات الحكمة والاعتقاد. ووردت هذه المعاني في آيات مثل "الحق من ربك"، "حق القول على اكثرهم".
معنى اصطلاحي، ويشير الى اختصاص لفرد او جماعة بشيء يقر به الشرع او المجتمع او القانون او العرف، ويمنحهم حق المطالبة به والانتفاع منه دون تدخل الاخرين او مزاحمتهم فيه.
القانوني الامريكي (وسلي هوهفلد) كما ينقل عنه دليل اوكسفورد للفلسفة يميز بين اربعة معان للحقوق هي الدعوى والحرية والسلطة والحصانة.
1- الدعوى: الحقوق هي منافع بالقوة، وليست - بالضرورة – منجزة او فعلية.
2- الحرية: اذا كنت صاحب حق فانت تستطيع التصرف ضمن حدود هذا الحق دون استئذان من احد، ويوفر القانون الحماية اللازمة لهذه التصرفات.
3- السلطة: صاحب الحق له ولاية على كل ما هو موضوع للحق. واقرب المصاديق الفقهية الى هذا المعنى هو مفهوم السلطنة.
4- الحصانة: اذا تصرف الانسان فيما هو حق له، فليس عليه مؤاخذة او عقاب.
تعرف موسوعة ويكيبيديا حق الحياة بانه: هي العبارة التي تعبر عن أنه لدى الإنسان حق أساسي في الحياة، وعلى وجه الخصوص في أنه للإنسان حق أن لا يقتل على يد إنسان آخر. إن مبدأ حق الحياة هو من أكثر المبادئ المثيرة للجدل خاصة فيما يتعلق بمواضيع عقاب الحكومة، الإعدام، الدفاع عن النفس، الحروب وغيرها.
الحق في الحياة هو أحد الحقوق الأساسية للإنسان وقد كرسته الشرعة الدولية في وثائق أممية وهي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والبرتوكول الاختياري الثاني الملحق به.
وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في الفقرة 3 ما يلي (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه).
في المفاهيم القرآنية تعتبر الحياة من المواهب الأساسية التي منحها الله تعالى للإنسان.
يقول تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
ولكي تتم المحافظة على هذا الحق بشكل صحيح بحيث لا يتعرض لاعتداء الآخرين، شرّع القرآن الكريم لمن يتعرض لحق الناس في الحياة؛ أشد أنواع العقوبات، فيقول تعالى:
﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾.
ويقول أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.
ولكي يؤكد القرآن على أهمية المحافظة على الحياة يطرح مفهوماً لم تسبقه به الدساتير والقوانين الأخرى، فهو يعتبر أن إحياء نفس إنسان واحد هو بمنزلة إحياء جميع الناس، وأن قتل شخص واحد هو بمثابة قتل جميع الناس فيقول تعالى:
﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...﴾.
تم تناول حق الحياة ومستلزماتها في الوثيقة الإسلامية لحقوق الإنسان التي كتبتها وصادقت عليها الدول الإسلامية عبر منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد تم وضع مجموعة من الضوابط من أجل الحفاظ على هذا الحق؛ يمكن ملاحظتها من خلال المواد الأربع التالية:
1 ـ الحياة هبة الله وهي مكفولة لكل إنسان، وعلى الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولا يجوز إزهاق روح دون مقتضى شرعي.
2 ـ يحرم اللجوء إلى وسائل تفضي إلى إفناء النوع البشري كلياً أو جزئياً.
3 ـ المحافظة على استمرار الحياة البشرية إلى ما شاء الله واجب شرعي، سواء كانت هذه المحافظة أمام اعتداء الآخرين، أو اعتداء الفرد على نفسه كالانتحار مثلاً، أو الاعتداء على حياة الآخرين.
4- لا يجوز الإجهاض دون ضرورة شرعية.
اضف تعليق