للتنظيم دور حاسم في حياة الأفراد والأمم، فهو الذي يراكم الخبرات وقى الضغط بشكل منظّم لمكافحة الفساد والخلاص من بعض القادة الفاشلين الذين يعندون إلى إلهاء الناس بأمور جانبية في تفاصيل الحياة اليومية، كي يبعدهم عن التفكير بحقوقهم وسبل حماية الحريات المدنية، فمثلا يُقدِم الحاكم وحكومته...
للتنظيم دور حاسم في حياة الأفراد والأمم، فهو الذي يراكم الخبرات وقى الضغط بشكل منظّم لمكافحة الفساد والخلاص من بعض القادة الفاشلين الذين يعندون إلى إلهاء الناس بأمور جانبية في تفاصيل الحياة اليومية، كي يبعدهم عن التفكير بحقوقهم وسبل حماية الحريات المدنية، فمثلا يُقدِم الحاكم وحكومته على إشغال الناس بالكفاح ضد الفقر كي يحصلوا على ما يسد الرمق بشقّ الأنفس، وحينئذ لا يكون لديهم القدرة على التنظيم أو التعاون أو التفكير بمقارعة السلطة، لكن الأمم الحية لا تتوقف عند إدامة العيش فحسب بل تطمح الى ما هو أفضل وهذا حق من حقوقها المكفولة.
يتأتى ذلك للمجتمع حين يكون منظَّما، يعتمد أفراده التكافل والمساندة فيما بينهم، فالأمم الناجحة ما كان لها أن تحقق أهدافها، والوصول الى حياة راقية، لو لا أنها سعت لتنظيم طاقاتها، لكي تصبّ بالاتجاه الذي يساعدها، على البناء، والاستقرار، والتطور الدائم، فتنظيم الطاقات، والتخلص من هيمنة الارتجال في العمل، شرط أساس لتطوير المجتمع، والسبب واضح تماما، حيث لا تضيع الجهود الفردية، ولا الجماعية هباءً، بل تتحد جميع الفعاليات، وتنسجم، وتتناسق، لكي تصبح في خدمة الفرد والكل معا، فالعنصر الأساس هنا هو تنظيم طاقات الناس في المجالات النظرية والعملية.
وإذا أراد العراقيون أن يستثمروا التغيير الحاصل في حياتهم، فينبغي أن يتكاتفوا وينظموا طاقاتهم وأن لا يغفلوا شرط التعاون، وطالما أن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة القضاء على الأنظمة القمعية، التي لا تزال تتساقط واحدا تلو الآخر، فإننا بحاجة الى التغيير والى تنظيم قدراتنا، وطاقاتنا، ووضعها في الاتجاه الذي يساعد على بناء أنماط الحياة المتطورة، في جميع المجالات، ولو لا التنظيم، والسعي الى التقريب بين الجهود المختلفة، والتنسيق بينها، لا يمكن أن نصل الى ما نهدف إليه وخصوصا قضية حماية الحريات والحقوق، والقضاء على كل أشكال الفساد وصوره.
التشارك الجمعي لتهيئة ظروف التقدّم
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة):
(إن تنظيم عملنا وتنظيم أنفسنا والتنسيق فيما بيننا في مرحلة الإعداد شيء نحتاج إليه كما نحتاج إليه بعد الوصول إلى الهدف).
وقد يظن البعض منا بأن الانتقال من مرحلة أدنى إلى أخرى أعلى وأقوى سيحدث تلقائيا، أي من دون تخطيط وتنظيم وتعاون، لكن لابد أن نستوعب قضية في غاية الأهمية وهي علينا أن نفهم ونؤمن بأن عملية التنظيم، لا تتحقق بصورة تلقائية، بل لابد أن نتحرك وفق خطط مسبقة، كي نتعلم التنظيم ونوظّفه لصالحنا، فالامر لا يمكن أن يتم من دون السعي إليه، ومعرفته، ودراسته، ونشره بين الجميع، لكي يصبح سلوكا متّبعا من قبل الجميع، على أن يبدأ ذلك في البيت (العائلة) ثم في المدرسة فالجامعة، ومحل العمل، حتى في الشارع ينبغي أن يكون الناس منظّمين في حركتهم، ولابد أن نفهم جميعا بأن الالتزام بالتنظيم لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها.
يؤكد الإمام الشيرازي على: إن (القدرة التنظيمية داخل الأمة ليس شيئاً يمكن أن يوجد بين عشية وضحاها، إن القضية تحتاج إلى عمل جاد ومستمر بيننا جميعاً).
ليس هناك احد يُعفى عن القيام بدوره ومسؤوليته في التنظيم والتطور أياً كانت السباب، من هنا ينبغي أن يكون هنالك تعاون بين الجميع من أجل ترسيخ التعاون كسلوك فردي وجمعي يقوم به الإنسان في بيته ومحل عمله، أي أن التنظيم والتعاون ينبغي أن يصبحا سلوكا للفرد والمجتمع، حتى تكون هنالك إمكانية للضغط على السلطة كي تستجيب لمطالب الناس، خصوصا ما يتعلق بالفساد والتجاوز على حقوق الأمة المالية والمدنية وسواها، إذن لابد أن يكون هناك سعي دؤوب، لتنظيم الجهود الشعبية، والنخبوية كافة، بمشاركة جميع القطاعات (النخبوية والشعبية)، من اجل تحقيق الاهداف المنشودة، ولن يتم هذا الامر، من دون التخطيط، والتعاون المستمر بين الجميع، سواء كانوا من القيادات، أم من عامة الناس، فالجميع معني بالتعاون وترسيخ التنظيم والضغط على الحكومة لمكافحة الفساد بصورة جادة.
يقول الإمام الشيرازي: (إن التعاون بين قطاعات الأمة بمستوى علماء الدين والخطباء والتجار والعمال والمهندسين والأطباء والطلبة الجامعيين والحوزويين والفلاحين والعمال وغيرهم واجب ضروري يجب أن نزرعه في أنفسنا، فإن التعاون بين هذه القطاعات سيؤدي شيئاً فشيئاً إلى نتائج مثمرة بعد مدة من الزمن).
أساليب سلطوية لإثارة الفوضى
إن عملية التهيئة والتمهيد لأي مشروع فكري أو عملي أمر في غاية الأهمية لأنه لابد أن تكون هنالك مشكلات كبيرة قد تتحول الى حواجز بين مكونات المجتمع، فتجعل من التعاون أو التنظيم أمرا شبه مستحيل، لهذا ينبغي التمهيد لهذا الأمر، فالتعاون لا يمكن أن يتحقق قبل أن يبدأ الجميع بإزالة الحواجز الفاصلة بين أفراد المجتمع، سواء كانوا أفرادا عاديين أو عاملين في السياسة او غيرهم، فحين يبدأ العمل على تحقيق الهدف الاسمى، لابد أن تتوافر له الارضية السليمة، من خلال الانسجام الشعبي، مع القادة، وبين أفراد المجتمع أنفسهم، أي أننا بحاجة الى جهود تعاونية تنظيمية مشتركة تساعد في القضاء على الفساد والتجاوزات المتكررة على حقوق المواطن، ولا مانع من أن تشترك مؤسسات الدولة والشخصيات السياسية النزيهة في هذه العملية.
يقول الإمام الشيرازي في هذا الشأن:
(هناك حواجز كثيرة تفصلنا عن بعضنا البعض، وهذه الحواجز تظهر في الغالب عندما نبدأ بالعمل الجدي. لذا فإن هذه الحواجز التي تقف جداراً سميكاً يجب أن ننسفها حاجزاً بعد حاجز حتى تتحد وتتلاحم الأمة ونستطيع بالتالي العمل والتنسيق جميعاً).
إن عملية الصراع حول الحقوق فيها قطبان، الشعب والسلطة، والأخيرة تسعى للإثارة الفتن بين المجتمع الواحد حتى لا يرى عمليات التجاوز الهائلة على حقوقه، فمن بين الحواجز المانعة للتعاون بين مكونات المجتمع، أو تنظيم الأنشطة المختلفة له، تلك الأنماط الفاسدة التي تتسلل الى تقاليد المجتمع، لذلك يُقال أن الحكومات التسلطية غير الشرعية تذهب دائما الى إثارة الفوضى بين أفراد المجتمع، لأن الفوضى تشبه المياه العكرة، حيث يسهل على الصياد أن يصطاد ضحيته، وهكذا تعمل الحكومات القمعية، فإنها تثير الفوضى وتمنع التنظيم حتى تتمكن من مواصلة سرقة ثروات الشعب والتجاوز على حقوقه المدنية أو المالية، فإذا أراد الشعب أن ينتصر يجب عليه القيام برقابة شعبية دائمة لأعمال وصفقات الفساد، وهنا يبرز دور الإعلام المستقل، والنخب من المثقفين ورجال الدين وجميع الشرفاء الحريصين على حقوقهم المدنية، وهناك شرط مهم، لابد من توافره في المجتمع، فحين تنتصر إرادة الشعب، على الحكومة الغاشمة، فلابد أن يشترك الجميع، في رصد الظواهر التي لا تخدم المجتمع، ولابد أن نتخلص، من السلوكيات التي لاتنسجم مع اهداف الشعوب الحية، التي لا تصبر على الظلم، بمعنى وجود منظمات مستقلة واعية من ضمنها منظمات المجتمع المدني التي ينبغي أن تراقب الأداء الحكومي حتى ترصد عمليات الفساد وتفضحها على الملأ عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وكل ما هو متاح في الصراع بين السلطة والشعب، ولكن من الأهمية بمكان أن يربّي الشعب نفسه على القيم النبيلة حتى يكون قادرا على المواجهة.
يقول الإمام الشيرازي: (يجب أن نقلع الأنماط الفاسدة بيننا كأفراد وكأمة من جذورها، حتى تكون نفوسنا صافية وخالية كي ننطلق للبناء الذاتي ونخدم الآخرين ونقيّمهم التقييم السليم).
اضف تعليق