يعتقد البعض ان التحقق من المنجزات والانتصارات في الميادين كافة، يتم دائماً وفق قواعد ومعادلات مادية، كأن تكون نظريات سياسية وعسكرية واقتصادية، ربما تفيد صاحبها في جانب لتعزيز تلكم المنجزات والانتصارات، بيد ان الاعتماد عليها كاملة، يبعد الانسان عن المعادلات التي تعني بنفس الانسان وما يصنع الدوافع لديه لهذا العمل او ذاك...
مقدمة
يعتقد البعض ان التحقق من المنجزات والانتصارات في الميادين كافة، يتم دائماً وفق قواعد ومعادلات مادية، كأن تكون نظريات سياسية وعسكرية واقتصادية، ربما تفيد صاحبها في جانب لتعزيز تلكم المنجزات والانتصارات، بيد ان الاعتماد عليها كاملة، يبعد الانسان عن المعادلات التي تعني بنفس الانسان وما يصنع الدوافع لديه لهذا العمل او ذاك، ولعل هذا هو الذي يجعل الكثير يتوقفون عند نقطة يتصورون انها القمة ونهاية كل شيء، فيكون انحدارهم المفاجئ، وهذا ما يحذر منه سماحة الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي، فهو يحذر الساسة والقادة، كما يحذر الخطباء والعلماء ومن يعتقدون انهم الأقرب الى المجتمع وبامكانهم دائماً توجيه الناس ودعوتهم الى الحق والصواب. لنقرأ معاً:
رسالة من السماء الى أول جيش اسلامي منتصر
"ما هي وجه العلاقة بين الآيتين الكريمتين (اذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا)، وبين الآيتين الأخريين: (فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا)؟
بالنسبة للتسبيح، فانه ذكر لله –تعالى- بما يليق به من التنزيه (فسبّح)، والتحميد (بحمده)، وهو من دلائل الشكر على منح المسلمين النصر.
ثم لماذا الاستغفار بعد تحقيق النصر؟ ولماذا يقول تعالى انه (توابا)، بصيغة المبالغة (فعّال)؟
هذه الكلمات في هذه الآيات تؤشر على نقطة دقيقة، ودلالات للتربية النفسية.
في معظم الحالات تولد الغلبة حالة من الغرور في نفس الانسان، فينسى نقائصه، وهذا تحديداً هو الذي يتسبب في قادم الأيام بتدميره وهزيمته، أما اذا استذكر نقائصه واستغفر لها، فانه يسقط في الغرور، ولن يتحطم.
والغلبة تكون باشكال مختلفة، كأن تكون الغلبة في المال، وفي العلم، وفي السياسة، وفي المنبر، وفي امور اخرى، هكذا انسان اذا استحوذ عليه الغرور، فانه لن يعتنِ بالأمور، واذا لم يعتن بالامور، يأتي أناس آخرون غير مغرروين، ويعتنون بالأمور، فيتقدمون ويحطمون هذا المغرور في طريقهم، وهذا احد اسباب تحطم الامم الغالبة عبر التاريخ.
ففي حالة الغرور، نجد أن التاجر لا يفكر بمزيد من الكسب، والعالم لايفكر بالمزيد من طلب العلم، والسلطان (السياسي) لا يعمل على تقوية سلطانه وسياساته، والخطيب لا يعتني بمنبره اكثر، و لذا نجد هؤلاء يتساقطون عندما يأتي أناس آخرون أقوى واكثر فهماً بمتطلبات الحياة فيتجاوزنهم، ويزيحونهم من الطريق.
لذا على من يمتلك مليون دينار، ان يفكر بأن هنالك من يملك الملايين والمليارات، ومن قرأ عشرة كتب –مثلاً- عليه ان يفكر بأن هنالك من قرأ مئات الكتب، ومن لديه ربع مليون جندي، عليه ان يتطلع الى ربع مليون جندي آخر وأفكر بطريقة لضمهم الى جيشي وتعزيز قوتي، فاستذكار النقائص يؤدي الى التطلع للزيادة والتقدم.
ونظراً على طبيعة التركيبة النفسية للانسان، جاءت الآيات الكريمة في سورة النصر لتأمر النبي الأكرم، بالتسبيح والاستغفار بعد تحقيق الانتصار على المشركين، علماً أن النبي هو رسول الله، ومعصوم، ولا نقائص له، فهو درسٌ لنا بأن نلجأ الى الاستغفار حال تحقيق الانتصار حتى نبحث عن النقائص لتحقيق المزيد من الانتصارات ثم الحفاظ على هذه الانتصارات، وهذا لا يتوقف عند حادثة معينة، او زمان ومكان معينيين، إنما يجب ان ترافق هذه الحالة حياة الانسان، ودلالة المبالغة في قبول التوبة من الله –تعالى- (توابا) حتى تواكب التوبة حياة الانسان المستشعر لنقائصه والمستغفر الله منها طيلة حياته".
أزمة الإيمان والأخلاق في أنظمتنا السياسية
هل الايمان والاخلاق والتديّن وغيرها من المفاهيم المعنوية والروحانية، ترتبط دائماً بطقوس عبادية والتزامات بالاحكام؟ وماذا جنت بلادنا من الابتعاد عن المعايير الاخلاقية والدينية في مناهجنا السياسية والاقتصادية وحتى العلمية؟
صحيح إن الشعوب والأمم التي اعتمدت المادة منهجاً لتفكيرها، معتمدة على العقل المجرد، والمدارك الحسيّة، وتمكنت من خلال التجربة وتراكم الخبرات والمعلومات من التوصل الى اكتشافات هائلة طوروا بها حياتهم، وبلغوا ما هم عليه الآن، بل نلاحظهم يتطاولون نحو الاكثر من التطور التقني والعلمي، وهو أمرٌ حسنٌ بكل تأكيد، بيد أن الملاحظ ايضاً أن الدول المتفوقة في العالم، هي تلك التي لا يستحوذ عليها الغرور، ولا تعد نفسها الاكثر تطوراً في السلاح والمال والاعلام والسياسة، إنهم يتواضعون للعلم والتكنولوجيا ومجمل التطورات الحاصلة لديهم، ولكن ليس التواضع الذي نفهمه، ومن مفرداته؛ نكران الذات و ربط جميع الاعمال والنوايا بالله –تعالى-، ولذا نجدهم في بحث دائم عن التجارب والخبرات والتحالفات لتعزيز قدراتهم والحفاظ على منجزاتهم، وربما هم يستفيدون من تجارب الماضين في تاريخهم مثل؛ هتلر، الذي تصور أنه الأقوى في العالم، بفضل العقلية المبدعة والقدرة الفائقة على الانتاج، بيد أن غروره وتعاليه على العالم، أودى به وبشعبه الى مهلكة لا ينساها التاريخ، إذ تقول الاحصائيات أن الحرب العالمية الثانية حصدت أرواح حوالي 70مليون انسان، من الشعب الالماني والشعوب الاخرى، ثم كان السقوط المدوي، والآثار النفسية والاقتصادية والسياسية العميقة على الشعب الالماني.
ولذا نجد أن الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي الذي نحن بصدده يؤشر على " نقطة دقيقة، ودلالات للتربية النفسية" في سورة النصر التي نزلت في واقعة فتح مكة، وتحقيق الانتصار الكبير والنهائي للنبي الأكرم، على المشركين في معظم الجزيرة العربية، حيث اصبح للنبي الأكرم، جيشاً عظيماً وقوة سياسية جديدة زاحمت القوى العالمية آنذاك والمتمثلة بالدولة الفارسية شرقاً، والدولة الرومية غرباً، وعندما يأتي الأمر الإلهي بأن يسدي المسلمون الشكر لله –تعالى- على هذا النصر العظيم، ثم يستغفرونه من وجود نقائص أخرى في نفوسهم، فانما هي توجيه لهم، بل وتوجيه للأجيال القادمة ولنا ايضاً، بأن يكون التواضع في في موقع القوة الاقتدار، حالة دائمية في النفوس، بل وتكون من نتاج ذوات انفسنا، لا أن نستوردها من الآخرين، ونتعلم كيف يتعاونون وكيف يواصلون البحث العلمي والمزيد من الانتاج والابداع للحضور في الاسواق العالمية وميادين العلم والمعرفة في كل مكان.
وهذا ما يجب ان تنتبه اليه الانظمة السياسية في بلادنا، لاسيما في العراق، حيث يكثر علماء الدين والمثقفين واصحاب الفضل والسماحة، بامكانهم تنمية هذه الحالة في نفوس ابناء المجتمع، وايضاً في نفوس المسؤولين والعاملين في مؤسسات الدولة، فاذا نشكو من ظواهر مرضية خطيرة، مثل الفساد المالي والاداري، فان مردّه –بالدرجة الاولى- الى الطغيان واستفحال الأنا لدى البعض عندما يصل الى منصب يمكنه من التلاعب بمصائر الناس وثروات البلاد، وكذا الحال على الصعيد الاجتماعي نلاحظ حالات جديدة من الغرور بالمستوى العلمي الاكاديمي، وايضاً المستوى العلمي الحوزوي، الذي اشار اليه سماحة الامام الراحل، فبعض الاطباء يعدون انفسهم في القمة والجميع بحاجة اليه لمداواة امراضهم، كما نلاحظ بعض الخطباء والفقهاء، ممن يفترض ان يكونوا أطباء للأمراض الروحية للمجتمع، يخيلون الى انفسهم والى المستعمين لهم، بانهم مصدر إلهام وخير وبركة! والنتيجة التي حذر منها الامام الشيرازي نلمسها بكل حواسنا اليوم، فالمحتاجين لعلاج الامراض البدنية، هجروا الطب العراقي باتجاه البلاد الاخرى مع تكاليف مالية ثقيلة والاستغراق في فترات زمنية بعيدة. فيما المحتاجين الى لملء الفراغات النفسية والفكرية، راحوا يتفاعلون مع مصادر للفكر والثقافة في صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت وحتى القنوات الفضائية.
اضف تعليق