أن تطور الحياة وتجعل منها أفضل بكثير مما هي عليه، في المستويات الفكرية والثقافية والأخلاقية، فيضمن الإنسان (الفرد والمجتمع)، بأنه يمضي إلى الأمام بأمان، في ظل الإصلاح الذاتي وإصلاح الآخر، وأكد الإمام الشيرازي على أهمية هذا الفوز بقوله: إن (الفوز الأكبر في شهر الصيام هو إصلاح النفس والغير.. وتطوير الحياة إلى الأفضل. وهما – إصلاح النفس والغير- عجلتان لا يمكن السير في عباب الحياة المتلاطمة إلاّ بهما).
من الصفات المهمة التي يوصَف بها شهر رمضان، أنه يشمل الناس جميعا، ولا يقتصر على قومية أو فئة أو طائفة محددة، فمثلما جاء الإسلام لجميع الناس في الأرض، فشهر رمضان الكريم لهم جميعا أيضا، ويشمل الجميع ببركاته وعطائه وكل الطيبات التي تقترن بمجيئه، لذلك من حق الجميع أن يسعوا بجدية إلى الاستفادة من هذا الشهر وما يتميز به من خيرات، بل على الإنسان أينما كان أن يبادر بقوة لاستثمار محاسن ومزايا شهر رمضان الكريم لصالحه.
هذا حق مكفول لجميع الناس، ولا يحق لأحد كائن من يكون أن يمنع الناس من الإفادة الرمضانية وتوظيف أجوائها الإيمانية الروحية للصالح الفردي والجمعي، فكما هو معروف أن موسم إرتقاء الروح يتجسد بحلول شهر رمضان على سكان الأرض، نعم هو فريضة إسلامية وينص عليه الدين الإسلامي بمقررات وثوابت معروفة، لكنه يبقى شهر الإنسانية مثلما كان ولا يزال وسيبقى الإسلام دين الإنسانية.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (شهر رمضان شهر البناء والتقدم):
إن (نفحات هذا الشهر ستعم الجميع، فشهر رمضان هو للناس كافة كما أن الدين الإسلامي للناس كافة، إذاً لابدّ من استثمار هذا الموسم الروحي العظيم بأحسن وجه).
إذا يوجّه الإمام الشيرازي كل الناس بأهمية استثمار هذا الشهر كما ينبغي، وليس صحيحا أن يمر شهر رمضان مرور الكرام، بكل ما يحمله معه من خيرات وعطاءات وأجواء روحانية، ولا نستفيد منه كما يجب، وخصوصا في ثنايا الإصلاح بمسمياته وأشكاله، الإصلاح الذاتي الفردي والجمعي المجتمعي، فنحن من المطالَبين دون أدنى شك بأن نجعل من شهر رمضان فرصة ذهبية لكي نصلح أنفسنا أولا، ومن ثم تسعى بأقصى ما نستطيع كي نساعد الآخرين على الإصلاح، ليس في المدار الإنشائي القولي المجرد من الأفعال والمواقف والقيم التي تحمي الإنسان من الانحراف والشطط، فالنفس كما هو مثبت مائلة إلى الدعة وللذات بسبب التركيبة التكوينية للبشر، ولو تُرك الحبل على الغارب، لأفلت عقال الغرائز من محدداته واندفع الإنسان إلى الحيوانية بأبشع صورها وأشكالها.
هنا يتضح بجلاء دور الحضور الروحي لتكبيل الانفلات الغريزي، وحماية الإنسان من نفسه، وقد جعل الله تعالى من شهر رمضان وأجوائه الروحانية السامية، فرصة ذهبية للناس، كي يستفيدوا من كل لحظة تمر عليهم في هذا الشهر، فهو يقلل من رغبات الإنسان إلى الحد الأدنى، ويعقر الشهوات، ويمد العقل والقلب والعاطفة بالتوازن حيال الرغبات الجسدية والعقلية والروحية، لهذا مطلوب من المسلمين والناس جميعا أن لا يتركوا هذا الشهر يمر من دون توظيفه في الإصلاح وجعله القارب الذي يمخر عباب بحر الحياة بأمان محكم.
لهذا السبب يطالب الإمام الشيرازي من الكل (بضمير الجمع) أن يحرصوا على هذا الهدف الواضح فيقول:
(لابدّ أن نستفيد من كل لحظة في هذا الشهر).
استثمار عطاءات شهر رمضان
ومن الغبن حقا أن لا يستغل الإنسان عطايا شهر رمضان بالطرائق الصحيحة والمشروعة، فهذا التضييع والفقدان كمن تلقي بين يديه جبال من الذهب وهو يرفها رغم فقره وحاجته إليها، نعم عطايا شهر رمضان لا يعدلها الذهب، إنه مكلل بالفرص النادرة التي لا تأتي إلا في شهر واحد من بين شهور السنة الاثني عشر، لذلك يؤكد الإمام الشيرازي مرارا وتكرا على وجود استثمار لحظات وساعات وأيام هذا الشهر بالطريقة المثلى لصالح الإنسان.
ففيه يُقرأ القرآن، وهو بالفعل سمّي من قبل الإمام الشيرازي بـ (ربيع القرآن)، وكما هو معروف أن كتاب الله هو الدستور الأعظم الحياة، فهو يقدم خرائط العمل الناجحة للجميع، ويضيء المعتمات ويفتح النوافذ والآفاق على مصاريعها، ليضع الإنسان عند بوابة الأمل والهداية والاستقرار، لهذا ليس أمام الناس سوى استثمار هذا الشهر الكريم أفضل وأحسن وأدق الاستثمار كونه شهر الفرص العظيمة في المجال الروحي الأخلاقي المتفرّد.
يقول الإمام الشيرازي في كتابه نفسه:
(لابدّ أن نستغل كل عطاء من عطاءات هذا الشهر المبارك).
لذلك من غير الممكن، بل من الظلم أن يترك الإنسان فرص هذا الشهر دون أن يتزوّد بها، وعليه أن يبذل كل شيء متاح له، وأن يسلك كل الطرق المتوافرة أمامه، لكي ينال الرحمة في هذا شهر الرحمة الإلهية العظيمة، حيث تتضاعف وتصبح قاب قوسين أو أدنى من الجميع، فهل يصح أن نفرّط بها وهي بين أيدينا وأمام أعيننا وبصائرنا؟، لهذا أكد الإمام الشيرازي على حتمية أن ينال الإنسان حصته منها في هذا الشهر.
فقال (قدس سره) في كتابه المذكور نفسه:
(لابدّ أن يسعى كل واحد منّا ان يكون مرحوماً في هذا الشهر.. وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): لابدّ للخير ان يقع فاستعد أنت أن تكون من أهل الخير).
لنكن من الفائزين في هذا الشهر
كثيرة هي الخيرات التي ترافق هذا الشهر، وتزدهر بمجيئه، ومن أهم الخطوات التي تتوجب على الإنسان، أن يفكر بطريقة صحيحة ومناسبة كي يكون من أهل هذا الشهر ومن المنتمين له في الفعل والفكر والدعاء وأداء الفرائض الأخرى، حتى تنقى النفس من شوائبها ويتخلص القلب من أدرانها، ويصبح الإنسان خاليا من الضغائن والأحقاد، ويندفع بقوة نحو تنظيم الحياة بالصورة والطريقة الناجحة، ذلك أن المجتمع - وخصوصا بالنسبة للعراقيين- يعوزه التنظيم، وتطوير القيم وتطبيقها ضمن منظومة السلوك، فالتعاون قيمة رمضانية إسلامية إنسانية عظيمة، يوجبها شهر رمضان على الناس جميعا.
وقيم الأخلاق، والتكافل، والتعايش، ومراعاة حقوق الآخرين، والسعي نحو إصلاح النفس والآخر، كل هذه القيم تتضاعف في شهر رمضان، وينبغي أن يلتزم بها الإنسان، ويشجّع عليها، وينشرها، ويبلّغ بها، ليس بالقول أو النصح وحده، وإنما بالتطبيق، لكي يكون النموذج الأحسن للآخرين، ومن ثم يُدرَج من ضمن المنتمين لشهر رمضان والفائزين به.
كما في قول الإمام الشيرازي:
(شهر رمضان آتٍ إلينا بخيراته وعطاءاته ومنحه، فليفكّر كل واحد أن يكون من أهل هذا الشهر، ومن المسجلين في سجل الفائزين).
وبهذا يمكن للإنسان المؤمن أن ينتسب لهذا الشهر الكريم، شهر الإصلاح بكل مسمياته ومضامينه، وأن يفوز بإصلاح نفسه وحمايتها من الانحراف، ليس هذا كافيا، فالفرد مطالب بإصلاح نفسه وارتقاء قارب الإيمان ممثلا بهذا الشهر المبارك، وعليه أن لا يكتفي بهذا السقف، فمن المهم عليه أيضا أن يبادر بإصلاح الآخر ولا يكتفي بإصلاح نفسه فقط، فمن شأن هذه الخطوة (إصلاح النفس والغير)، أن تطور الحياة وتجعل منها أفضل بكثير مما هي عليه، في المستويات الفكرية والثقافية والأخلاقية، فيضمن الإنسان (الفرد والمجتمع)، بأنه يمضي إلى الأمام بأمان، في ظل الإصلاح الذاتي وإصلاح الآخر.
وأكد الإمام الشيرازي على أهمية هذا الفوز بقوله:
إن (الفوز الأكبر في شهر الصيام هو إصلاح النفس والغير.. وتطوير الحياة إلى الأفضل. وهما – إصلاح النفس والغير- عجلتان لا يمكن السير في عباب الحياة المتلاطمة إلاّ بهما).
اضف تعليق