تعني الشورى في أهم وأوضح ما تعنيه، عدم الانفراد في اتخاذ القرار، خصوصا تلك القرارات التي تشمل حياة الناس وليس الأفراد، بل من المستحسَن للفرد أن يستشير الناس في المشاريع والأعمال التي ينوي القيام بها، تبعا للقول المنسوب للإمام علي عليه السلام: (من شاور الرجال شاركهم في عقولهم)...
تعني الشورى في أهم وأوضح ما تعنيه، عدم الانفراد في اتخاذ القرار، خصوصا تلك القرارات التي تشمل حياة الناس وليس الأفراد، بل من المستحسَن للفرد أن يستشير الناس في المشاريع والأعمال التي ينوي القيام بها، تبعا للقول المنسوب للإمام علي عليه السلام: (من شاور الرجال شاركهم في عقولهم)، والشورى هي مصطلح إسلامي استمده بعض فقهاء وعلماء المسلمين من بعض آيات القرآن: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ/ سورة الشورى-آية 38).
أما الشورى في اللغة فهي مصدر من شار العسل: استخرجه من الخلية، كما في لسان العرب هي أخذ آراء الآخرين في موضوع ما لتحقيق مصلحة معينة لفرد واحد أو مجموعة من الأفراد، وأيضا هي استخراج الرأي الأنسب بتداول الآراء حول مسألة ما، ومن مجموع ما تقدم يتبن أن الشورى عملية يحدث فيها استخراج الآراء المتعددة في الأمر المعروض ممن يحسنون ذلك، وتقليبها وفحصها والموازنة بينها، واختبارها لاختيار أنفعها وأصلحها.
أما مفهوم الشورى، فهي تُعرَّف بأنها طلب الرأي ممن هو أهل له، أو هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها، وعليه فقد اتخذ المسلمون الشورى أصلاً وقاعدة من أصول الحكم وقواعده، وعليها قام ترشيح العدول من المسلمين لمن يرونه أهلاً للقوَّة والإمامة لتولِّي أمرهم؛ ولعل الغاية الأهم من مبدأ الشورى هي مواجهة الاستبداد والقضاء عليه بصورة كليّة أو الحد منه إلى مستوى يجعل منه ضعيفا أو هامشيا.
في كتاب (الشورى في الإسلام) للإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، نقرأ حول الشورى:
(لقد جاء الإسلام الحنيف بفكرة الشورى في عصر لم يكن هناك قيمة للإنسان والقانون، وكانت الشورى بمثابة المشعل الذي أضاء للبشرية طريق الخلاص من الاستبداد والديكتاتورية).
ولعل أهم منجز يُحسَب للشورى، يتمثل في تحطيم جدار الطغيان، من خلال فكرة الشورى التي أوجبت التشارك الجمعي في صياغة القرارات المصيرية أو الأدنى وكل ما يتعلق بحياة الناس، حيث يرد في كتاب الإمام الشيرازي حول هذا الجانب:
(كانت الشورى من بين الأفكار العظيمة التي جاء بها الإسلام واستطاع بهذه الفكرة أن يُحطّم جدار الاستبداد والطغيان ويعيد للإنسان كرامته المفقودة، فبنى على ساحل هذه الفكرة أعـظم دولة في التاريخ البشري).
الرسول (ص) واستشارة الآخرين
من صفحات التاريخ وسجلاته المتنوعة، يمكن للباحث والمتخصص أن يستدل على أهمية الشورى في إدارة السلطة أيّا كان نوعها أو شكلها أو انتماءها، وهذا بحد ذاته درس عميق لقادة اليوم، والساسة العاملين في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ولعل الدرس الأعمق يتجسد في استشارة الرسول (ص) للآخرين، مع أنه مسنود بالتأييد والتوجيه الإلهي، ولكن مع ذلك لم يتخلَّ عن هذا المبدأ، لاسيما حين يتعلق بمصير الجماعة وشؤون الأمة.
أما لماذا إصرار الرسول (ص)، على مبدأ الاستشارة، وتطبيقه فعليا، مع أنه لا يحتاج إلى عقول الآخرين باعتباره يجد غايته في المؤازرة الإلهية، فإن الهدف من هذا الإصرار، إيصال الرسالة الصحيحة للآخرين، ولكي يتعلم القادة جميعا هذا المبدأ وكيفية تطبيقه في حياتهم.
إذ نقرأ بالكتاب المذكور في أعلاه:
(كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يستشير وهو غنّي عن الاستشارة، لأنّ علمه متصل بالعلم الإلهي: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى)، لكن من اجل أن يُعلّم أصحابه فن المشورة، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستشير حتى المرأة).
ولعل هذا الدرس العظيم الذي يقدمه الرسول (ص)، بوضوح أمام الملأ يجسد تلك الأهمية القصوى للشورى في حياة الناس والحكام معا، وما لم يفهم الحكام الشورى على وجه الدقة، ويتصرفوا وفقا لهذا المبدأ في إدارة السلطة وشؤون الناس، فإن الاستبداد والطغيان السلطوي الحكومي هو الذي سوف يسود الحياة ويسوسها، لهذا مطلوب من كل حاكم ينتمي إلى الإسلام، ويعن بأنه مسلم، أن يرتكز على مبدأ الشورى في جميع ما يتخذه من قرارات تتعلق بشؤون الأمة.
فقد قام الرسول (ص) بالتطبيق الفعلي للشورى، ولديه غاية واضحة ودرس بالغ الأهمية، كما نقرأ في المصدر نفسه، بأن:
(كل ذلك.. من أجل أن يبين الرسول (ص) للمسلمين أهمية الشورى ويرسم للحكام طريق الحكومة).
الشورى تتقدّم على سواها
من التجارب التاريخية والعملية للفوائد الجمة التي تقدمها الشورى للحكام، تلك الدروس التي تبلورت على يد الرسول (ص)، وأراد من خلالها أن يقدم الدروس المهمة للحكام، فعلى الرغم من كونه نبيّ يتصل بالرب من خلال الوحي، وهو ليس بحاجة إلى أي عقل بشري، لكن الرسول (ص)، كان يلجأ إلى مشورة العقول الأخرى، ليس لأنه بحاجة إليها، ولكن لابد أن ينتهج هذا النهج، ويجعل منه سلوكا لإدارة الحكم وتطبيقه كي يتعلّم منه حكام المسلمين، فهل استفادوا مما قدمه لهم النموذج الأعظم للحكام ألا وهو الرسول الكريم (ص)؟ بالطبع لا يمكن القول بأن قادة المسلمين وظفوا هذه الدروس النبوية لصالح الأمة وصالحهم.
علما أن ما يدعم هذا القول، هو ما ورد في كتاب الإمام الشيرازي الموسوم بـ (الشورى في الإسلام)، حيث نقرأ في هذا الشأن:
(لقد شاور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في مواطن عديدة، في غزوة بدر، وفي غزوة أحد، ويوم الخندق، وفي الحديبية. وفي كل موقف وموقع لم ينس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أن يستشير أصحابه، حتى ولو كلفته الاستشارة ثمناً باهضاً، كما حدث في واقعة احد، حيث استشار أصحابه، فأشاروا عليه بالخروج من المدينة، وكان رأي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، البقاء فيها وكان رأيهُ هو الأصوب، لكن تنازل عن رأيه واتبَّع آراء الأكثرية المؤيدة لفكرة الخروج، فكان ما كان من خسارة المسلمين للمعركة).
ومع ما أصاب المسلمين من تراجع معنوي وعسكري، لكن القائد الأعلى للمسلمين، الرسول الكريم حين لاحظ رغبة الأكثرية تفوق رأيه ونظرته، فإنه تخلى عن رؤيته الفردية (رغم صحتها)، بسبب كثرة أصحاب الرأي الآخر، ممن لا يتفقون مع رأي الرسول (ص)، وهذا ما دفع بالرسول إلى اعتماد الشورى والأخذ بنتائجها، حتى لو كانت النتائج مخالفة لما يرى، وهذا لعمري درس لا يمكن أن يكون من الدروس العابرة في حياة القادة، وهو أمر يؤكد أهمية أن ينظر قادتنا اليوم إلى منهج الرسول (ص)، واعتماد التشاور بصورة جادة غير قابلة للتراجع أو التسويف.
حيث يقول سماحة الإمام الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا:
(الطريف حقاً أنّ آية الشورى التي تقول: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر). نزلت على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بعد فشل المسلمين من إحراز النصر والذي كان من أسبابه خروجهم من المدينة، وجاءت هذه الآية لتقوي قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولتقول له لا تفتر عن المشورة حتى لو حصلت تلك النتيجة الخاسرة في غزوة احد).
اضف تعليق