لماذا يمثل النفط أهمية كبرى للمسلمين؟، وما هي الاخطار الاقتصادية التي تواجهها الدول الاسلامية في هذا المجال؟، إن أهمية النفط تكمن في كونه المصدر الأول، بل الرئيس للدول الاسلامية النفطية، في مجال الموارد التي يحتاجها المسلمون لمواصلة الحياة، بأسلوب يواكب العصر، ويتماشى مع المستجدات الصناعية والتكنولوجية التي تظهر فيه مع مرور الزمن، وطالما أن أرض المسلمين تغص بكميات هائلة من النفط، وأن العالم يحتاج الى هذه الطاقة لكي تدور عجلة الصناعة فيه، فقد شكّل هذا الجانب مصدرا دائما و (وحيدا) للاموال التي تحتاجها الدول الاسلامية لإدامة مؤسساتها وتلبيه حاجات مواطنيها. إذن يعد النفط الركن الاول لاقتصاديات البلدان الاسلامية.
إذ يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (ماذا بعد النفط)، إذ يؤكد سماحته قائلا: إن (النفط يمثل أهمية كبرى للمسلمين، لأنّهم يعيشون فوق أرضٍ حباها الله بهذه النعمة الكبرى، وهي تعدّ الركن الأوّل في اقتصاديات العالم الإسلامي منذ قرن من الزمن).
ولكن هناك خطر كبير يتعرض له المسلمون بسبب النفط!!، فبدلا من يكون سندا لهم، وداعما للاقتصاد ووفرة الاموال، وتحقيق الرفاهية، والتطور المادي والفكري، اصبحت هذه الثروة الهائلة تمثل مشكلة كأداء للمسلمين، بسبب عدم التعامل الصحيح معها، فمن المعروف أن الامم الاخرى وخاصة في الدول الكبرى منها، تحتاج بسبب تطورها الهائل الى طاقة النفط لتشغيل مصانعها ومعاملها الانتاجية الكبيرة والمتنوعة، وعندما لا تحصل على النفط، فإن هذه المصانع تتوقف عن الانتاج، الامر الذي يتسبب لها بكارثة اقتصادية.
وطالما ان القوى الكبرى خصوصا في الغرب، لا تعتمد معايير العدل في تعاملاتها مع الأضعف منها في القوة العسكرية والاقتصاد وسواه، فإنها مارست شتى السبل للاستحواذ على هذه الطاقة بما في ذلك استعمارها للدول المنتجة لهذه الطاقة، وفعلا وقعت العديد من الدول الاسلامية تحت رحمة الاحتلال الغربي، الذي استحوذ على ثرواتها النفطية من دون وجه حق، بحجة الوصاية وما شابه من تشريعات (دولية) يضعها الغرب نفسه بما يخدم مصالحه ويضعف الدول الاسلامية، بالاضافة الى الخلل الذاتي في التعامل مع هذه الثروة، إذ أن المسلمين أنفسهم لم يحسنوا التعامل مع ثروة النفط، ولم يفكروا بكونه قابلا للنضوب والانتهاء!، وهو ما شكل خطرا فادحا يحيق بالمسلمين، بسبب سياستهم الفاشلة مع هذه الثروة الناضبة.
ولهذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الامر: (يواجه المسلمون خطراً كبيراً؛ ذلك أنّ النفط في حالة نضوب، وربما لا يستطيع البعض أن يتصور الكارثة التي ستحل - بالدول الإسلامية- عندما تجف آبار النفط).
المشكلة التي نواجهها
من الواضح هناك مشكلة مصيرية تتعلق بثروة المسلمين النفطية، فقد اعتمدت الدول الاسلامية على (النفط) لتحقيق موارد تديم مسارات التنمية المتنوعة فيها من اجل إدامة الحياة، بمعنى فشل المخططون الاقتصاديون ومعهم القادة السياسيون في التخطيط لسياسة ناجحة رصينة تتعامل مع هذه الثروة على أنها زائلة، وغير قابلة للثبات، لذلك ينبغي التعامل معها على انها مصدر ايراد وقتي، يستدعي منهم استثماره بطرائق اقتصادية تحقق أعلى ربحية ممكنه منه، خاصة انه معرّض للانتفاء تماما كما أكد ذلك خبراء النفط في بحوثهم ودراساتهم المستمرة على نحو متواصل، ومع ذلك لم يفكر ساسة المسلمين وقادتهم بخطر زول النفط، الامر الذي تسبب لهذه البلدان بخطر داهم يحيق بوجودهم حاضرا ومستقبلا.
وقد أكد ذلك الامام الشيرازي عندما نبّه المسؤولين والقادة والمخططين الاقتصاديين، في الدول الاسلامية على هذه المشكلة قائلا سماحته بوضوح تام: (إن المشكلة النفطية تكمن في نقطتين: الأولى، من المعروف أنّ النفط في حالة نفاذ، فما تبقّى في الآبار في أحسن الافتراضات سيبقى نصف قرن من الزمن). كما يتوقع خبراء مختصون.
ويضيف الامام قائلا ايضا: أما (النقطة الثانية أو العامل الآخر الذي يهدد بغلق أنابيب النفط، هو سقوط قيمته بحيث تكون تكاليف استخراجه أكثر من عائداته، وهذا ما تنبأ به الخبراء خاصة وأن البدائل بدأت بالظهور وربما بقيمة أرخص وبطرق أسهل وأيسر).
وهذا ما يجري الا، في الواقع الاقتصادي العالمي بصورة فعلية، بسبب تدّني اسعار النفط لتصل الى اقل من نصف ما كانت عليه، بل موجة الهبوط التي تعرض لها سوق النفط، فبعد ان كان البرميل الواحد للنفط يصل الى اكثر من 100 دولار امريكي، بات سعره اليوم اقل من 50 دولارا، وهو يراوح في هذه القيمة المالية المتدنية، ويقول خبراء انه قد يرتفع مجددا، لكن حالة هبوط الاسعار هي المرجّحة أكثر، الامر الذي يثبت لما لا يقبل الشك، عدم جدية تعامل الساسة المسلمين مع هذا الامر بصورة علمية.
كما أن الاقتصاديين والخبراء المعنيين في الدول الاسلامية، لم يقدموا الخطط الاقتصادية الكفيلة باستثمار هذه الثروة كما يجب، وكأن الجميع متفق على اهدار حقوق الاجيال المقبلة بهذه الثروات الطائلة، التي تم اهدارها مع سبق الاصرار، عبر طرق واساليب كثيرة، تصل الى حد خيانة الامة والمجتمع، من خلال الاصطفاف الى جانب القوى والشركات الكبرى المستفيدة من نفط المسلمين، مقابل ما يسد الرمق لا أكثر.
مهمتنا والمعالجات الناجحة
في ظل هذه الاوضاع الاقتصادية المتردية، لابد من حلول ناجعة للمعالجة، إذ ليس من المعقول، أن يبقى المسلمون متفرجين على ما يحدث، في ظل مخاطر هائلة تحيق بواقعهم ومستقبلهم، بمعنى لابد للساسة وقادة المسلمين والخبراء الاقتصاديين، أن يتحركوا بصورة علمية وفاعلة لمواجهة الوضع الراهن، وأول هدف عليهم تحقيقيه، هو تجاوز سياسات (الدولة الريعية)، التي تعتمد مصدرا واحدا لمواردها، هو النفط، كما يحدث في دول اسلامية وعربية عديدة من بينها العراق، الذي لا يملك غير النفط كمورد يديم حياة شعبه اليومية الاعتيادية.
علما أن ما يتعرض له المسلمون ودولهم الاسلامية، يمكن أن يكون وراؤه مخطط مرسوم مسبقا، من لدن قوى دولية معروفة، حاولت وما زالت تحاول الاستفادة من كل قطرة نفط لصالحها، فهي وإن بدت للآخرين تتعامل في هذا الجانب وفق ضوابط (البيع والشراء)، ولكن لديها مئات الخطط والاساليب التي تجعلها قادرة على سرقة نفط المسلمين، مقابل اثمان بخسة، وليس أدل على ذلك، مخطط تخفيض اسعار النفط بهذه الطريقة (الدراماتيكية)، التي ألحقت أضرارا كبيرة باقتصاديات الدول الاسلامية والعربية.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه (ما وراء النفط): (من البديهي أن يكــــون وراء خفض أسعار النفط عامل سياسي ومخطط مرسوم بدقة من قِبل القوى الاستعمارية والصهيونية، فلهذه الأطراف مصلحة كبيرة في خفض أسعار النفط إلى الدرجة المتدنية حتّى يتم هدم البناء الاقتصادي في العالم الإسلامي).
لذا فإننا مطالبون بإفشال مخطط هبوط اسعار النفط، ومطالبون باعتماد سياسة اقتصادية اخرى، قائمة على تعدد مصادر الموارد، من خلال استثمار اموال النفط في الصناعة والزراعة وانشاء المشاريع الانتاجية العملاقة، ومغادرة سياسة المورد المالي الأوحد الى الابد، كونها سياسة تصب في صالح اعداء المسلمين، وتبقى على المخاطر والمشاكل الاقتصادية التي يتعرض لها المسلمون قائمة ودائمة.
من هنا نبّه الامام الشيرازي قادة المسلمين على هذا الوضع (قبل عقدين من الزمن)، عندما قال لهم في (كتابه هذا) بالحرف الواحد: (من الواجب علينا أن نحبط هـــذه المحاولة المعادية للإسلام والمسلمين، وأن لا نبيع النفط بدون حدود وكما تشتهيه الدوائر الغربية والصهيونية العالمية، وبالأسعار التي تحددها الشركات، مما يسبب انخفاض الأسعار ونفاذ النفط وتضييع حقوق الأجيال القادمة، ولا بدّ من التفكير جدياً بالبحث عن بديل للنفط بالثروة الممكنة وقبل فوات الأوان).
اضف تعليق