ثقافة عاشوراء هي استذكار الفكر الحسيني ومضامينه كافة لتغيير حياة المسلمين نحو الأفضل، وذلك عبر الوسائل والطرائق الممكنة والمتاحة، ومنها انتهاز موسم عاشوراء لتشجيع الأثرياء وغيرهم على التبرع بحسب ما توجّه به الشريعة، حتى يمكن النهوض بواقع الأمة من حيث التعليم والصحة وبناء المشاريع الاقتصادية والثقافية والدينية وسواها، ويمكن لثقافة عاشوراء أن تمثل دافعا أساسيا لتحقيق هذا الهدف.
وطالما أن النجاح في تطوير الإنسان الفرد والأمة، يعتمد على قضية النجاح في طرائق مكافحة الفقر، ونشر أساليب التكافل بين النسيج المجتمعي، فإن استثمار الفكر الحسيني والاستفادة من عاشوراء يعد من القضايا الحياتية الهامة التي تحث على بحث قضية التكافل الاجتماعي، وتقليل نسب المجاعات، والعوز، والحاجة، الى ادنى مستوياتها، من خلال حث الناس، على انتهاج سلوك التكافل، الذي يحمي الجميع من بعض آفات العصر القاتلة، كالفقر، والمرض، والتخلف، والظلم، والقهر، والحرمان، وتعد مهمة التشجيع على التبرع، عبر المجالس الحسينية وخطباء المنبر الحسيني ووسائل الإعلام من القضايا الأساسية التي ينبغي التصدي لها في هذا الموسم على وجه الخصوص.
ومما هو معروف عن الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، أنه أكد بصورة مستمرة على الاستفادة من عاشوراء في كل المجالات، وقد أصدر سماحته في حياته كتابا حمل عنوان (الاستفادة من عاشوراء)، الذي دعا من خلاله وعبر مضامينه الى ضرورة انتهاج ثقافة التكافل، ونشرها بين عموم المسلمين، وذلك من اجل القضاء التام على حالات الفقر، والعوز التي يعاني منها المسلمون على الرغم من الثروات الموارد الكبيرة التي لا تُدار بصورة صحيحة، فتذهب الى جيوب خاطئة فيما يعاني الناس من شظف العيش بسبب الإدارة السيئة للموارد.
وللأسف طالت يد الفساد المالي والاختلاس والصفقات الوهمية نسبة كبيرة من هذه الثروات التي ذهبت الى جيوب المسؤولين المولعين بالغرب وتأثير النزعة المادة عليهم.
يقول الإمام الشيرازي في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاستفادة من عاشوراء):
(إن الأهواء النفسانية من جهة، والسياسة الاستعمارية غربية وشرقية من جهة أخرى، جعلت كثيراً من المسلمين يعرضون عن قوانين الله، ويتكالبون على الدنيا وملذاتها، لذلك بقيت الملايين من الحاجات معطّلة، فقلّت نسبة الزواج، وتفشت العزوبية بما تحمله من سلبيات، وأصبح كثير من الناس دون مسكن ومأوى، وفُقد الدواء أو قُل ارتفعت قيمته، ولم يتوفر العدد الكافي من المدارس والمعاهد العلمية، وتقلصت موارد الاكتساب وتعقدت شرائطه وكثرت قيوده، مما زاد في نسبة العاطلين عن العمل).
صراع مادي روحي
نتائج سيئة طالت الفقراء تحديدا بسبب إساءة إدارة أموال وثروات المسلمين، حيث طغت النزعة المادية على الروحية، وانتشرت حالات الفساد، في مؤسسات ومرافق بعض الدول التي تديرها أنظمة محسوبة على المسلمين، لكنها ابتعدت في حكمها عن تعاليم الإسلام التي تحث الجميع، لاسيما القادة، على أهمية تفضيل الآخر على النفس، أو على الاقل، أن تحب له ما تحب لنفسك ولذويك، لا أن تستأثر بالخيرات وتحصرها في ذاتك، ومعيتك، من ذويك وبطانتك، مما يؤدي ذلك الى زيادة الفقر، وانتشار الجهل، وازدياد الجريمة، مع قلة في التعليم والخدمات الصحية او البلدية وسواها.
لذلك هناك دعوات مستمرة وصحيح جدا تؤكد على التكافل والتبرع ووضع خطط عملية كبرى لمعالجة الفقر، حيث يؤكد الإمام الشيرازي، على أهمية دور الخطيب والنخب التي تتصدر حراك المجتمع، في توظيف الثقافة العاشورائية وفوائدها، لتوجيه الناس وتحشيدهم وحثهم على أهمية التعاون، وبذل ما يمكن بذله من أموال ومساعدات، تصب في خلق حالة من التوازن بين الفقراء والاغنياء، ومنها على سبيل المثال تحصيل الخمس والزكاة في عاشوراء، كما تؤكد على ذلك الشريعة وتضع الضوابط التنظيمية المعروفة من اجل دعم التكافل الاجتماعي.
يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب:
(من الضروري ـ استثمار هذا الموسم (عاشوراء) لجمع الحقوق الشرعية من أخماس وزكوات لصرفها في مواردها من تقوية الحوزات العلمية والمؤسسات الإسلامية).
ويضيف سماحته مؤكدا على الخطباء والمبلغين بقوله: (على الخطباء والمبلغين تحريض الناس بالوصية بـ (الثلث) للأمور الخيرية والمؤسسات الإسلامية، ثقافية كانت أو صحية أو مهنية أو غيرها ـ كما ـ يجب ملاحظة صرف التبرعات ـ وفق ـ قانون «الأهم والمهم» و«الحسن والأحسن» فمثلاً جمع التبرعات للفقراء والمحتاجين قد يعطى بصورة آنية، وقد يعطى نماؤه بعد أن يوضع رأس المال في المضاربة، أو يشترى برأس المال الأملاك للانتفاع من إيجارها). أي من الممكن تشغيل هذه الأموال واستثمارها ومضاعفة قيمتها ثم توزيعها على المعوزين.
وحتى يكون هنالك ضمان لاستمرارية الموارد، ينبغي أن تتواصل الحملات الثقافية الدينية للتشجيع على توفير الأموال ومواصلة التبرع لضمان التكافل، وهذا يستدعي مؤازرة المؤسسات الخيرية ودعمها في مواصلة برامجها الثقافية وسواها.
حيث يقول الإمام الشيرازي: لابد من (الاهتمام بالمؤسسات الإسلامية، كماً وكيفاً وأن يهتم الخطباء وأصحاب المجالس بإنشاء المؤسسات، وذلك بتحريض الناس وتشجيعهم على الإسهام في تهيئة الوسائل والمقدمات).
بناء المنظومة الاقتصادية المعاصرة
وقد نبّه الإمام الشيرازي على نقطة مهمة، وهي بناء المنظومة الاقتصادية السليمة، وتنمية الزراعة وتطوير التجارة وتطوير الاستثمار بالاعتماد على الصيغ المعاصرة المضمونة النتائج من حيث الربحية العالية، ولا ينبغي أن يقتصر الامر على المؤسسات، بل ثمة دور هام للافراد وأنشطتهم التي تصب في صالح الاقتصاد وتطويره، وهو أمر يساعد على مضاعفة الايرادات، وضمان العيش الذي يليق بالإنسان، وذلك بسبب مضاعفة الموارد بعد التركيز على بناء ودعم منظومة اقتصادية متطورة.
لذا يطالب الإمام الشيرازي بالتركيز على الجانب الاقتصادي إذ يؤكد سماحته على أن:
(الاقتصاد الناجح إنما يكون بالاكتساب والاستثمار والزراعة والتجارة والصناعة وحيازة المباحات.. فمن الضروري أن يحرض الناس على الاكتساب، ويشجعوا على النشاط والهمّة والتوسع في الأعمال، وهذا مما يوجب تقليل نسبة البطالة بين صفوف المسلمين وغيرهم..).
وقد ركّز الإمام الشيرازي في كتابه (الاستفادة من عاشوراء) على استغلال الفرص المتاحة في عاشوراء بصورة أفضل، وخاصة حث المسلمين جميعا، على أهمية التكافل، والقضاء على الفقر، وهذا لا يمكن أن يتحقق بصورة مضمونة ما لم يتعاون الجميع خصوصا في مجال زيادة التبرعات من قبل الأغنياء، على أن يتم توظيف هذه الأموال في تأسيس ثقافة عاشورائية تعتمد الفكر الحسيني كي يلتزم الناس بأداء واجبهم كل ضمن الأمور الواجبة عليه من أموال أو أعمال، فالخمس كما سبق الكلام طريقة يمكن أن تساعد الفقراء على تجاوز محنتهم.
إذن علينا جميعا أن نتحرك في هذه الأيام العاشورائية المباركة، كل بطريقته كي نسعى لتحقيق ما يحثنا عليه الإمام الشيرازي بخصوص تقليص حجم الفقر وتأثيراته المادية والنفسية، وهكذا يمكن أن تُستثمَر الثقافة العاشورائية، في مجال التكافل والقضاء على الفقر، من خلال جملة من الخطوات الصحيحة، التي يتبناها المعنيون من نخب الامة، بالاضافة للدور الداعم من قبل الأفراد، فهناك مهام جماعية وأخرى فردية ولكن على الجميع الالتزام بما مطلوب منهم في هذا المجال.
اضف تعليق