q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

الحج مؤتمر عالمي لنشر القيم العظيمة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

يمثل الحج فرصة كبرى لتجمع المسلمين من أنحاء العالم كافة وليس من العالم الإسلامي فقط، لهذا يمكن توظيف هذه الفريضة لنشر القيم العظيمة وتعميق أصولها في ذوات المسلمين، مع معرفة أن الثقافات المحلية قد تحجب في بعض الأحيان معلومات مهمة عن (إنسانية) المبادئ الإسلامية، حيث يتم استغلال وتحريف الفكر الإسلامي لصالح التطرف من قبل جماعات تسعى لتحريف جوهر الإسلام والإساءة للمسلمين في عموم العالم من خلال الفكر التكفيري، لذلك صارت مناسبة الحج من أكبر الفرص لتوضيح ركائز الإسلام الأساسية في الجانب التربوي والقيم والمبادئ.

وهذا ما جعل الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، أن يخصص في حياته عددا كبيرا من المؤلّفات توزعت بين (الكتاب والكراس والمنشور الصغير)، ويتم نقلها في أيام الحج الى ملايين الحجاج لكي يطلعوا على الفكر الإسلامي الصحيح، وليتم فضح الأفكار التي تسعى لإلحاق الإساءة به وبأفكاره، لذلك وكما ورد عن الإمام الشيرازي أنه:

(اعتنى كثيرا بالحج، فقد كتب بقلمه السيال عن الحج وللحج... وكتب عن الحج كتباً مستقلة، كان منها: (الفقه: كتاب الحج) في تسعة مجلدات. و(فلسفة الحج). و(لكي يستوعب الحج عشرة ملايين). و(ليحج خمسون مليونا كل عام). و(الحاج في مكة والمدينة). و(مسائل حديثة في الحج). و(مائة استفتاء في مسائل الحج والعمرة). و(الحج بين الأمس واليوم والغد). و(من المساجد والمزارات في الحرمين الشريفين). و(مناسك الحج). و(جامع مناسك الحج). و(أعمال مكة والمدينة). و(أحكام المرأة في الحج والعمرة). و(استفتاءات الحج). و(مرشد الحاج إلى أعمال الحج والعمرة)، وغيرها الكثير، كما أنه كتب عن الحج في كثير من كتبه، إذ تناوله في كتاب (الصياغة الجديدة) و(السبيل إلى إنهاض المسلمين)، و(الفقه: الحريات)، و(الفقه: طريق النجاة) وغيرها من الكتب والإصدارات.

مضافاً إلى البيانات التي كان يصدرها خطاباً للحجاج الكرام، وبالإضافة إلى كل ذلك فقد تفاعل الإمام الشيرازي مع هذه الشعيرة، فأخذ يبعث بكتب التوعية وكراريسها بصورة كبيرة في مواسم الحج، ليتعرف المسلمون بعضهم على بعض وليعرفوا واجباتهم الدينية والحضارية، وكان (رحمه الله) يرى في موسم الحج مناسبة كبيرة لنشر الثقافة الإسلامية وإشاعة روح الأخوة الإسلامية.

أرقى وأشرف تجمع للإنسانية

وهكذا نظر الإمام الشيرازي الى هذه المناسبة بأنها الأكبر من حيث حجم التواجد البشري الإسلامي حصرا، فهي مناسبة إسلامية حصرية، لهذا دعا الإمام الشيرازي الى استغلالها واستثمارها بقوة، حتى أن سماحته وصف الحج قائلاً: (الحج أقوى مظهر إسلامي). وهذا في الواقع أبلغ التوصيفات وأكثرها دقة إذ بحسب أحد الكتاب أن الحجاج الذين يفدون إلى بيت الله الحرام يشكلون مجتمعا إسلاميا متكامل الأوصاف والخصائص: فهو مجتمعاً تذوب فيه الفروق والحواجز. وهو مجتمع متكاتف يساند بعضه بعضا. ويتضح ذلك من كونه مجتمع يرتدي لباسا واحدا، ويتجه صوب هدف واحد، ويطوف حول محور واحد. كما أنه مجتمع يعيش كله في بيت واحد، لأنهم أبناء أب واحد، وأم واحدة، هما آدم وحواء (ع).

لهذا يقول الإمام الشيرازي عن مجتمع الحج: بأنه (يمثل أرقى وأشرف تجمع للإنسانية لما يتضمنه من فوائد ومنافع روحية). ولو أن علماء المسلمين والنخب المثقفة يستثمرون هذه المناسبة الكبيرة لجاءت النتائج غير متوقعة من حيث رفع المستوى التربوي والفكري، من هنا يعدّ الحج هو من أقوى مظاهر جوهر الإسلام الحنيف.

ويرى الإمام الشيرازي أن هنالك منافع لا تحصى للحج، لذلك يدعو سماحته الى أهمية وحتمية أن يلجأ إليها المسلمون في تنظيم حياتهم، وبناء الأمة والدولة والمجتمع أفضل بنيان من حيث الجوانب الفكرية والمعنوية والمادية، كما أن سماحته يرى منافع كثيرة للحج، وقد دوّن ذلك في أكثر من مؤلَّف وكراس ومنشور جيب صغير، لكي يسهل وصولها الى حشود الحجيج من كافة أنحاء العالم، وقد قسم الإمام الشيرازي منافع الحج إلى قسمين: (القسم الأول: المنافع الدنيوية وهي التي تتحقق في الدنيا في حياة الحاج. والقسم الثاني المنافع الأخروية: وهي التي تتحقق في الآخرة.

ومن بين المنافع المهمة التي تعمقها الأجواء الروحية للحج، أنها تجعل العلاقة بين الله تعالى والانسان متميزة بالعمق والتأثير المباشر على التفكير والسلوك، حيث يقول الإمام الراحل حول هذا الجانب: (إنّ الحج هو الوقت المثالي لتعميق الارتباط بالله سبحانه وتعالى، وإيجاد حالة من الإحساس الداخلي بأنه عز وجل وعلا يراقب الإنسان ليلا ونهارا، سرا وجهارا، في كل صغيرة وكبيرة، وإذا أحس الإنسان بأنه في محضر الله دائما وبمرأى منه ومشهد، وبأنه عالم الغيب والشهادة، وهو المهيمن القادر، والأول والآخر، والظاهر والباطن، انعكس ذلك على كل جوانب حياته الفردية والاجتماعية).

مناسبة الحج والوحدة الإسلامية

ويرى الإمام الشيرازي أن مناسبة الحج فرصة كبيرة ومؤثرة للمسلم كي يعرف واجبه تجاه اخوانه الآخرين من المسلمين، أولئك الذين يتعرضون لانتهاكات حقوقية ومعيشية وفكرية وسواها، لذلك كما يرى أحد الكتاب أن الإمام الشيرازي يرى في الحج فرصة هامة لتعاضد الجهود وتكاتف وتعاون الأخوة الكرام للتخطيط لانتشال المسلمين من واقعهم المأساوي المر.

ومما يلفت الانتباه أن المسلمين (هجروا القرآن)، وأنهم بهذا الفعل كمن يتوه عن جادة الصواب، ومثل الذي يفقد صواب العقل وسداد الرأي والسلوك القويم، فيصبح في متاهة تجعله في متاهة من أمره، وشيء مؤكد أن التعاليم والأفكار والمبادئ والعبر والقصص الواردة في القرآن الكريم وما تحمله من دروس للمسلمين، إنما تقدم أعظم السبل لهم كي يعيشوا كأفضل الأمم وأكثرهم رجاحة وتقدما ونهوضا، ولكن هل التزم المسلمون بالفعل بما ورد في هذه القصص من مضامين أو مبادئ أو أفكار تفتح لهم دروب الحرية والتقدم والاطمئنان؟، هذا ما يفنده الواقع المأساوي للمسلمين وهو دليل على أنهم أعرضوا عن كتاب الله وهجروه كما يقول الامام الشيرازي: (إن جذور مشاكل المسلمين تعود إلى إعراضهم عن العديد من آيات القرآن الحكيم مثل: آية (الشورى)، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)(4) وقال عزوجل: (وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)(5).

ولذلك فإن مناسبة الحج يمكن استثمارها من أجل إعادة المسلمين الى السبل الصحيحة والأفكار السديدة التي ترد في كتاب الله تعالى، وما يقدمه من أضواء وحلول جلية يمكنها أن تفتح السبل السديدة للمسلمين كافة في حال قرروا ذلك، من هنا كان الإمام الشيرازي يدعو الجميع وخصوصا من يكون بيدهم الحل والعقد على أولوية التخطيط لجعل مناسبة الحج فرصة كبيرة لرص الصفوف بين المسلمين وتعميق الوحدة الاسلامية التي كتب عنها الإمام الشيرازي مؤلَّفات عديدة ووجه سماحته دعوات كثيرة في حياته الى قادة المسلمين كي تتحقق وحدة المسلمين (كما يحدث في مناسبة الحج)، التي ينبغي أن تتحول الى مناسبة لرص صفوف المسلمين وتمتين العلاقات فيما بينهم لمواجهة من يريد السوء بهم، بالإضافة الى إعلان الفحوى والمضمون الفكري والتربوي للقيم والمبادئ الأصيلة التي جاء بها الإسلام الى المسلمين والبشرية جمعاء وهي مبادئ تلتقي مع قواعد القيم الإنسانية الخالدة.

اضف تعليق