بداية نعزي أسرة ال الشيرازي الكرام وجميع طلبة ومحبي السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس بالذكرى السنوية لرحيل هذا العالم والمرجع والانسان الكبير، فقد كان بهم خير خلف لخير سلف.
أيها الاخوة، من عادة الأمم والشعوب اكرام قادتها وزعمائها ورجالها العظماء، ونحن في هذا اليوم نلتقي لا لمجرد الاحتفاء والاستذكار لعظيم من عظمائنا عاش عمرا ما وانقضى، انما نستذكر منهجا في التفكير والسلوك نحتاج الى استلهامه والعمل على هديه، ومصيبتنا في بلداننا الإسلامية اننا حتى هذه اللحظة لدينا الكثير من النتاجات الفكرية العملية الصحيحة، ولكن للأسف هناك ممانعة ومعاندة لتطبيقها والسير على هديها، ناجمة عما حذر منه السيد الشيرازي الراحل من تحولنا الى مجتمعات متنازعة متصارعة تستهلك طاقاتها بالأمور الجانبية اكثر من كوننا مجتمعات متآلفة مترابطة تستثمر طاقاتها نحو السمو والتقدم.
الاخوة الافاضل، لا يمكن الالمام بفيض الأفكار التي سطرها صاحب الذكرى في كتاباته الكثيرة جدا، لكن اسمحوا لي ان اذكر هنا شذرات من فكره الخاص ببناء الدولة ، فقد اخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا من كتاباته واهتماماته، والدولة لديه تبنى على احكام الإسلام وتسير بهديه من خلال تجربة الحكم والإدارة في عهد الرسول الأعظم صلوات الله عليه ، وابن عمه ووصيه الامام علي عليه السلام، وسيرة أئمة الهدى عليهم السلام، وقال ان سر عظمة هذه التجربة يكمن في ما رأى الناس فيها من" المثالية والواقعية، واحترام الانسان وتوفير حاجاته" (ص17)، وانه لا يمكن تكرار هذه التجربة في حياة المسلمين اليوم الا "باتخاذ نفس المنهج الذي عمل به الرسول صلى الله عليه واله في تطبيق الحكم مع ملاحظة عامل الزمن".
ولان بناء الدول موضوع كبير وشائك، فسأقتصر في هذه العجالة بالكلام عن موضوع الاقتصاد كما تحدث عنه السيد الشيرازي، فقد شغله هذا الموضوع بعمق، وكتب عنه الكثير؛ كونه أساسا متينا من أسس بناء الدولة القوية، وجعل أعمدة بناء الاقتصاد القوي ترتكز على: (ص85)
- الاكتفاء الذاتي
- قلة الموظفين
- وجود الأحزاب الحرة
- التقدم الصناعي
- الوعي الشعبي العام
ولكي تعمل هذه الاعمدة بكفاءة، فمن الضروري العمل بقوانين الاقتصاد الإسلامية المتمثلة بـ:(ص43-47)
- قانون بيت المال، لقضاء حوائج المحتاجين من الناس، وهو رديف لمصطلح الضمان الاجتماعي المعاصر
-قانون تسلط الناس على أموالهم وانفسهم، لمنح الحرية للجميع للعمل
- قانون من سبق الى ما لا يسبق اليه مسلم فهو احق به، لكي يأمن الناس على كرامتهم، ولا يبخس حقهم
- قانون الأرض لله ولمن عمرها
- قانون (لا تظلمون ولا تُظلمون) في التعامل المالي (من أسباب الفقر والحرمان في العالم ص 27)
والهدف من وراء تركيز الشيرازي الراحل على تفعيل البناء الاقتصادي للدولة هو:
1- ان الاستقلال الاقتصادي يوجب الاستقلال السياسي، وان تضخم وغلاء الأسعار وقلة الموارد توجب نفور الناس عن الحكومة وتسبب آخر المطاف سقوطها(ص83)
2- نفي الفقر من حياة الناس استنادا الى قاعدة من لا معاش له، لا معاد له. وقاعدة: كاد الفقر ان يكون كفرا
3- مكافحة البطالة، كونها تجر الى الانحلال الخلقي، والسرقة، والجريمة، والمرض، والانتحار، والجهل، والفوضى...(ص93)
ويتضح مما تقدم، ان السيد الشيرازي كانت له اراء ثاقبة لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تعيق بناء الدولة، ولو اسقطنا ما كتبه على واقع بلداننا الإسلامية في العراق وغيره، لوجدنا ان معظم مشاكلنا ناجمة عن عدم الالتزام بهذه الحلول والمعالجات، بل وعدم التزامنا بأي نظام سياسي واقتصادي واجتماعي جدير بالاحترام.
ختاما، نسأل الله تعالى ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته وعظيم رضوانه، وان تكون كتاباته نبراسا تضيء الدرب لخير دولنا وشعوبنا، وان يهدي زعمائنا وقادتنا الى ما فيه خير البلاد والعباد، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
اضف تعليق