تعد مشكلات الشباب في العراق والعالم العربي عموما من أكبر التحديات التي يواجهها المسؤولون عن تطور الشباب، لاسيما في ظل المستجدات المتتابعة التي تظهر في شبكات التواصل ووسائل الإعلام بشكل عام، حيث يطلع هؤلاء الشباب على ثقافات وأجواء وابتكارات جديدة عليهم، قد تأخذ بهم الى متاهات يصعب كشف دهاليزها، حيث تنبّه العلماء والمهتمون الى المشكلات التي يعاني منها شبابنا، خصوصا فيما يخص قضايا الفراغ والبطالة وتدني فرص التعليم وحالات الخمول والكسل التي تهيمن على عقولهم.
وقد ظهرت الكثير من الدعوات التي ترى أهمية قصوى في استثمار شهر رمضان لتقليل الضغط الحاصل على الشباب وتوفير القدر الممكن من المعالجات لمشكلاتهم التي سبق ذكر بعضها، ولابد أن نذكّر بتلك الدعوات المبكرة في المجالات الفكرية التثقيفية والإصلاحية، التي ركّز عليها الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (الشباب)، حيث عرّج سماحته على قضايا الشباب وكيفية مواجهة مشكلات العصر الراهن، فقد أكد الإمام على أن الشباب يواجهون مشاكل جمة تتعلق بمنظومة التفكير والسلوك، خاصة أنهم عرضة للثقافات الغربية الوافدة وغيرها.
وفي محاولة لفهم ما يعاني منه الشباب من وجهة نظرهم لما يدور حولهم في الواقع، تم استطلاع بعض الآراء الشبابية، حيث يقول أحد الشباب في معرض إجابته عن المشكلات التي يعاني منها الشباب العراقي على سبيل المثال: (إن المشاكل كثيرة لكن الحل بأيدينا، أقصد الحل بأيدي الشباب الصالحين الذين يمتلكون العقلية الصالحة، فبطرق متعددة يمكنهم إصلاح أنفسهم، وإذا لم تتحرك أنت وأنا في كسب وإصلاح مثل هؤلاء، فتأكد بأنه بعد سنوات قليله لن يبقى إلا القليل القليل من الشباب الصالحين).
ويتضح لنا بصورة جلية أن هذا الكلام ينطوي على شعور كبير بالمسؤولية من لدن الشباب أنفسهم، ويدل على أنهم راغبون فعلا في تجاوز المخاطر التي تفد مع الثقافات الدخيلة، لكن هناك مسؤولية جدية تتعلق بدور الكبار ونعني بهم الآباء، وليس الأمر محصورا بالآباء عائليا، بل آباء الشباب الحكوميين والدينيين والمثقفين وكل من يعنيه أمرهم، ومن حالات الإهمال عدم توفير برامج ثقافية في شهر رمضان تنصف الشباب وتسندهم وتساعدهم على تجاوز بعض الأزمات التي تعصف بهم.
حيث يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب:
(إضافة إلى إبعاد الشباب بمختلف الوسائل عن الله واليوم الآخر.. فلا رقابة ذاتية ولا أبوية ولا غيرها من الأسباب، وبذلك أصبحوا في واقع الحياة قبل أن تعركهم التجارب، فأصبح الكثير من القرارات التي اتخذوها لأنفسهم خاطئة).
ويضيف الإمام قائلا: (من الضروري على العقلاء من العلماء وغيرهم أن يهتموا بقضايا الشباب ومشاكلهم فيأخذوا بهم في تنظيمات صحيحة حتى لا ينخرطوا في أحزاب الغرب والشرق أو جماعات الفساد).
الشباب ومسؤولية التطوير الذاتي
هناك دعوات بأصوات عالية تدعو الشباب كي يتحملوا مسؤولياتهم في مجال تحصين أنفسهم وتطوير عقولهم وثقافتهم بما يوفر لهم سدا منيعا ضد الثقافات الوافدة، ويسهم في حل مشكلاتهم خصوصا البطالة والفراغ، ودعا كثيرون الى وضع برامج ثقافية عملية رمضانية رائدة تساعد على تحقيق هذه الأهداف، مع التأكيد على أهمية أن يعي الشاب بأنه مستهدَف وعليه أن يكون واعيا ومتفهما لما يدور حوله في العالم.
يقول الإمام الشيرازي في كتابه المذكور سابقا: (إن الشباب بطيبة أنفسهم وقلة تجاربهم لمناهج الحياة يكون سهل الانقياد.. خصوصاً أن طموح الشاب المتزايد وشهواته العارمة يؤديان به الى الاندفاع في كل اتجاه يتصوّر أنه يؤمِّن له هذين الأمرين).
ومع أهمية المسؤولية الذاتية التي ينبغي أن ينهض بها الشاب بأنفسهم، وتشغيل روح الابتكار على المستويين النظري والتطبيقي، لكن ليس هناك مفر من تقديم ما يلزم من مساعدات في الجانب الفكري والعملي وخصوصا في شهر رمضان الكريم حيث تكون أجواء القبول والتفاعل متوافرة عند الجميع بسبب الأجواء الخاصة لهذا الشهر، ولكن علينا أن نوفر لهم المستلزمات التي تيسر لهم الوصول الى غاياتهم، وهي في الحقيقة غايات شبابية مشروعة ومعروفة سلفا، لكنها بحاجة الى التخطيط العلمي والمبادرة بتنفيذها بمسؤولية عالية.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي قائلا: (هناك مسؤولية كبيرة على عاتق الجميع تجاه الشباب.. ومع ذلك يجب أن نوفّر للشباب من الجنسين العمل في قبال البطالة، والعلم والدراسة في قبال الجهالة، والسكن والعلاج الصحي والحماية وغيرها في قبال عدمها).
سلوك الشباب للسبل الآمنة
الخبرات المختلفة لا غنى عنها بالنسبة للجميع وخصوصا شريحة الشباب، كما أن اكتسابها لا يتحقق في ليلة وضحاها، ولعلنا سنكتشف دائما بأن النقص الأكثر تأثيرا على أنشطة الشباب هو قلة الخبرات لديهم بسب عامل العمر بالإضافة الى حالات الإهمال الحكومي والأهلي في تطوير الشباب، لذلك من أهم الخطوات التي ينبغي أن نبدأ بها مع الشباب هي إضاءة السبل التي عليهم السير فيها، حتى لا تفاجئهم أزمات غير محسوبة، لأن الحياة تنطوي على صعوبات ومخاطر وتعقيدات كثيرة، يجهلها الشباب في أوائل أعمارهم، هنا يأتي دور التوعية والتثقيف، بالأسلوب المحبب للشباب والقريب من وعيهم ومستوياتهم الفكرية وذائقتهم الفتية.
يرى الإمام الشيرازي في هذا المجال: (من الضروري بث التوعية في صفوف الشباب حتى يعرف كيف يسلك سبل الحياة الآمنة؟ إن سبل الحياة متشعبة وصعبة وشائكة ـ خصوصاً في هذا العصر ـ فينبغي أن يؤخذ بأيدي الشباب علماً وعملاً حتى يعرف كيف يمكنه أن يسير في هذه المتاهة بسلام؟).
على أننا ينبغي أن نكون منصفين للشباب عندما نناقش اندفاعهم نحو العلم والثقافة والابتكار خصوصا في شهر رمضان، فالحقيقة أن هنالك الكثير من شبابنا لديهم الاندفاع التام في هذه المجالات، لكنهم ربما لا يجدوا من يوفر لهم الدعم الكافي لتحقيق ما يصبون إليه، من جانب آخر لا ننكر أن هنالك نسبة عالية من الشباب لا تتحلى بالاندفاع المطلوب، وهذه مشكلة كبيرة تواجه العاملين على تطوير الشباب.
وقد أشّر الإمام الشيرازي هذا الخلل منذ وقت مبكر، عندما أكد على أن: (مشكلة الشباب حاليا أنهم منقسمون الى جزئين: الأول عنده هدف يريد تحقيقه ولكن لا شيء يساعد على تحقيق الأهداف ولا يوجد جهة تتبنى أفكار ومشاريع الشباب الإستراتيجية. والثاني لا يعرف ماذا يريد وهم الأغلبية العظمى !!!).
لهذا فإن أية خطة علمية عملية تسعى الى معالجة مشكلات الشباب ينبغي أن تأخذ في نظر الاعتبار هاتين المشكلتين، وتعمل على وضع الأطر اللازمة والكافية للحل المناسب، على أن تبدأ أولا بتحديد الأهداف التي يسعى الى تحقيقها غالبية الشباب، والشروع في برامج مساعدات مادية معنوية وعلمية تسهم في تحقيق هذه الأهداف.
أما في الجانب الآخر فينبغي معرفة نسبة الشباب من الفئة الثانية، والشروع وفق برنامج علمي دقيق يسعى الى مساعدتهم للتخلص من حالات التردد والضمور والخمول وتحديد أسباب عدم معرفة ماذا يريد الشباب، والعمل على استثمار شهر رمضان لوضع البرامج المساعدة في هذا المجال حيث الأجواء عادة ما تكون مناسبة لمثل هذه الإجراءات العلمية العملية.
اضف تعليق