"جاء في الآية الكريمة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ...}. (سورة آل عمران،31)، بمعنى؛ لو اتبعنا القرآن الكريم والرسول الأكرم، والامام علي، والصديقة الزهراء، والحسن والحسين، عليهم السلام، آنئذ يحبنا الله، وإلا فان حب الله لنا لن يأتي اعتباطاً.
حبّ الله –تعالى- ربما يأخذ طابعاً فردياً، فالانسان الفرد يحب الله ورسوله، ويلتزم بالاحكام والنواهي، فهو بينه وبين الله يتبعه –سبحانه وتعالى- ولكن؛ ماذا عن المجتمع؟ فهل ثمة اتباع في الأخوة الاسلامية؟ او الحريات الاسلامية؟ فكيف نريد أن يعمّ حب الله جميع افراد الأمة؟
علماً أن الواقع الحالي يؤكد أننا بعيدون عن حب الله لنا، والدليل؛ عدم وجود الآثار الملوسة في واقعنا، وابرزها أن الله –تعالى- تركنا لحالنا، والأدلة على ذلك لا تُعد، منها؛ وجود حوالي 200مليون مسلم في الاتحاد السوفيتي والصين،وهم في أشد حالات الكبت والارهاب والقمع طيلة سبعين عاماً، فهل هذا دليل حب الله لنا؟!
وفي افغانستان، هنالك مليون قتيل وحوالي ستة ملايين مشرد، من شعب تعداد سكانه حوالي عشرين مليون نسمة، والقتل يمشي فيهم ليل نهار، فماذا يعني هذا؟!
كذلك الحال ما يجري في لبنان من حرب أهلية، وايضاً اندلاع الحرب بين العراق وايران، التي اشعلها الشرق والغرب، ويديمون في إشعالها، وحسب بعض التقارير التي لا يعرف صحتها من سقمها، فان حوالي مليوني انسان سقط في هذا الحرب – حتى الآن- بين قتيل وجريح.
وبكلمة؛ فان المسلمين في كل مكان يعيشون القتل والإبادة، سواءً في حروب او في أقبية السجون وتحت التعذيب، فلو كنا نتبع الله حقّاً، هل كان وضعنا بهذا الشكل؟ وهل كان الله –تعالى- تركنا لحالنا البائس طيلة هذه السنين المتمادية.
جاء في الآية الكريمة : {...وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}، (سورة البقرة، 41).
صحيح؛ أننا نصوم ونصلي ونؤدي الفرائض ونلتزم بالاحكام، بيد أن نظام الاسلام وحدة متكاملة غير منقوصة، كما هو جسم الطائرة، فهو مكوّن من آلاف الاجزاء الكبيرة والصغيرة، ولابد ان تعمل جميع هذه الاجزاء بشكل صحيح حتى تحلّق الطائرة في الجو وتقلّ المسافرين من مكان الى آخر.
ولذا نجد القرآن الكر يم يذمّ أولئك الذين يبعّضون في التطبيق: {...وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}، ويجيب الله –تعالى- في الآية اللاحقة: {أولئك هم الكافرون حقاً...}، (سورة النساء، 150-151) بمعنى أن التبعيض يؤدي بصاحبه الى الكفر الحقيقي".
ثمن الانتصار
في جلسة جمعتني مع أخوة مؤمنين في أمسية رمضانية، جرى الحديث عن المظالم والمفاسد التي تعيشها الأمة – كما هو الحديث الشائع في كل مكان- ثم جرت الاشارة الى العوامل المسببة لكل هذا من قوى كبرى في العالم، فما كان من أحد الجالسين، أن تنهّد قليلاً، ثم علّق بالقول: "المهم أننا على حق..."!
كون الانسان على حق وصواب، وانه معروف بين افراد مجتمعه بصفاته الحسنة وخصاله الطيبة، هل يكفيه رادعاً أمام النوائب والمحن التي يعيشها؟ وهل يتصور البعض أن بامكانهم اختزال قرون متمادية مضت على فلاسفة ومفكرين حاولوا صياغة رؤى وتفسيرات للحياة والوجود والانسان على أن يحظوا بالأحقية على الآخرين، وكل واحد منهم يدّعي أنه الحق الذي يجب ان تدور حوله الاجيال والانسانية؟
وما يبينه سماحة الامام الشيرازي في محاضرته في مطلع الثمانينات، يمثل استشرافاً لما نعيشه اليوم من نتائج خطيرة ومدمرة لطريقة تفكير غير صائبة، فالبعض يتصور أن بامكانه توظيف ايمانه وعقيدته ليكون بعيداً عن المواجهة المحتدمة في العالم على النفوذ والتأثير، لكن لا يلبث أن يتحسس آلام النزوح والموت البطيء في حرب كالتي تدور حالياً تحت عنوان "الحرب على الارهاب"، فيبحث عن خشبة الخلاص والمنقذ الذي دائماً يكون حيث ترتفع الأيدي والرؤوس نحو السماء { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ}، فما هو الموقف الذي سبق هذا التوسّل العاجل؟ انه التنكّر للمعادلة الإلهية في التغيير نحو الأحسن ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
إن الأمن والرخاء والاستقرار وسائر مقومات الحياة الطبيعية، لن تتوفر إلا بمشاركة جميع الناس وإسهامهم في صناعة هذا المستوى من الحياة، فالذي لا يفكر بالحرية في لمجتمعه وبلده، ولا بالاستقلال، عليه ان يتوقع وقوفه يوماً ما أمام زعيم مستبد وعميل ويجبر على التصفيق له، ومن لا يفكر بالقيم الانسانية مثل التعاون والتكافل والتواصي، عليه أن يتوقع ايضاً الازمات الاقتصادية والظواهر الاجتماعية مثل البطالة والفساد ومساكن العشوائيات وسائر الانحرافات، ومن "ضاق عليه العدل" ورضي بجور السلطان، عليه أن يسكت أمام طاغية مغامر حتى وإن جر البلاد والعباد الى حروب كارثية ومزّق المجتمع كل ممزق.
وإذن؛ فان الانتصار على الطغيان السياسي والفساد الاجتماعي والاقتصادي وأي لون آخر من الانحرافات لن يكون دون ثمن كامل غير منقوص، وهذه عبر الشعوب والأمم عبر التاريخ يبينها القرآن الكريم في غير آية كريمة، تؤكد أن العبادة في الصوامع والكهوف والاكتفاء بالتهجّد وذكر الله –تعالى- لن يغير من الواقع السيئ شيئاً، لأن ببساطة؛ فان هذا الواقع السيئ من نتاج الانسان نفسه، أوجده بحرية تصرفاته وإرادته وقدراته.
الجهاد من مظاهر حب الله –تعالى-
ما هي ثمرة الحب بين العبد وربه؟، الاجابة الصحيحة عن هذا السؤال يدلنا على الفهم الصحيح لعلاقة الحب بين الانسان وربه –تعالى- فان الله الذي هو {غنيٌ عن العالمين}، يفتح أبواب هذه العلاقة بوسع السموات لا لشيء سوى لأن يجد هذا الانسان طريق السعادة في حياته، وعندما نقرأ آيات الجهاد في القرآن الكريم والحث عليه، والانتقاد اللاذع والتهديد ايضاً، للمتخاذلين والمنهزمين من ساحة المواجهة، نجد أن ما وراء هذا الجهاد، واحة الحرية والاستقلال والكرامة الانسانية والنعيم المقيم، بالمقابل، فان التخاذل يعني الإبقاء على عبودية الطاغية ومصادرة الحريات وحياة البؤس والمعاناة.
فاذا نجح الانسان في علاقته هذه وكسب حب الله –تعالى- له، فانه يحقق السعادة الحقيقية التي تعمّ الجميع ولا تقتصر على حدود بيته وافراد عائلته ومصالحه وامتيازاته، وهذا ما يريده الله –تعالى- للانسان، وبكلمة يمكن القول: إن الله يدعو الانسان دائماً لأن يربح في هذه العلاقة ولا يكون من الخاسرين، يكفي أن ينتبه الى الشروط والاستحقاقات؛ وهذه الآية الكريمة من سورة المائدة صريحة جداً، في هذه الدعوة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وفي الختام؛ لو أن جزءاً من تجربة فتوى الجهاد الكفائي وتشكيل الحشد الشعبي والانتصارات الباهرة على قوى التكفير والارهاب، كانت متوفرة في العقود الماضية، لما شهدت بلادنا كل هذه الويلات والمعاناة التي نشهد آثارها اليوم، وإلا ما الذي دفع بآلاف الشباب اليافع الى خطوط النار واسترخاص الارواح، سوى حبّ الله –تعالى- والتضحية في سبيله دفاعاً عن القيم السماوية المسحاء؟.
اضف تعليق