اشاهد ماتفعله داعش واخوتها من المتطرفين على امتداد العالم الاسلامي او الغربي، واشك لأكثر من لحظة بهذا الاسلام، فلا شيء مما تفعله يبعث على اليقين انهم مسلمون، واذا كانوا كذلك هم تعبير عن الاسلام فأي اسلام هو هذا؟
اتراجع بخطوات سريعة عن شكوكي، فالإسلام كما اعرفه في قلبي وعقلي ليس اسلام النصوص القاتلة هذه، بل استشعره رحمة وانسانية وكرامة، اشد وميضا مما اشاهده على الشاشات، او ماتتسابق على نشره جميع الصحف ومواقع الشبكة العنكبوتية..
اتراجع كثيرا عن تلك الشكوك، وانا ابحث عن قدوة، فالاسلام اقتداء وسلوك قبل كل شيء، وبعدها تأتي شعائره واوامره ونواهيه، تبعا لتطور قدرات الانسان العقلية ونموه الجسدي والنفسي..
كل تراجع في الخطو نحو الشك واللايقين، هو في الحقيقة عودة الى ماكتبه المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، وكل عودة هي بمثابة اكتشاف جديد لهذا (الرجل – الانسان – الفقيه – العالم) ويمكن اضافة صفات اخرى كثيرة اليه، حتى انك تحتار كثيرا، في التمييز بين الصفة والموصوف، لانهما يكادان يذوبان ويندمجان معا لشدة التصاقهما، لفظا ومعنى..
في كل عودة اليه، انظر اليه بمنظار اخر غير الذي نظرت في مرة سابقة، وكانه لايكشف عن نفسه في المحاولة الاولى، او لكأنه لشدة وضوحه لاتتمكن من رؤيته بهذا الكل المنسجم والمتوافق..
اكتشف انه ماكتب الا لأجل غاية واحدة هي إعادة او بعث الروح الإسلامية الأصيلة إلى الحياة، تلك الروح التي ازهقتها الاف الممارسات او الاقوال من داعش واخوتها على مر فترات طويلة من تاريخ الاسلام والمسلمين، وانه في ماكتب يروم الى بلورة ثقافة دينية حيّة يبث من خلالها وعيا فكريا وانسانيا افتقد اليه أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خرائط مستقبلهم الذي شوش بوصلة اتجاهاته (ملّاك الله والانسان والاوطان) على وزن عنوان احد كتب اللبناني علي حرب..
في كل ماكتبه الامام الراحل نجده مشغولا بالمسالة الاخلاقية انشغالا شديدا، فهو في أكثر كتبه التي تتحدث عن التغيير يقدم الآية القرآنية (لايغير الله ما بقوم حتى يغيروزا ما بانفسهم) مفتاحا للولوج الى عوالم التغيير، والذي يقترن عند الامام الراحل بالأخلاق العملية ممكنة التطبيق والممارسة وليست المجردة فقط. وهو في طرحه لايفتقر الى النصوص التي نزلت من علياءها واصبحت تسير على ارض الواقع، سيرا حقيقيا وملموسا، تستمع الى وقع خطاها قريبا حين تأتي من بعيد..
انشغاله الاخلاقي يبدأ به من نفسه اولا، سلوكا وفعلا، قبل ان يحرض الاخرين عليه بالقول.
وقوله يأتي منسجما ومتطابقا مع فعله اولا وليس العكس، وهو من اصعب الرياضات الاخلاقية على الاطلاق..
تلك المقدمة قد يظن القارئ الكريم ان لاعلاقة لها بما اود استعراضه في السطور القادمة حول ماكتبه الامام الراحل عن احترام الانسان – مطلق الانسان – في كتاب له حمل عنوان (احترام الانسان في الاسلام) والصادر بطبعته الاولى في العام 2005.. الا ان قراءة يفترض بها ان تكون مغايرة للسائد من القراءات يمكن ان تفيدنا في اكتشاف تلك العلاقة.
ينطلق الامام الراحل من مرقاة التقويم في قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
ومرقاة اخرى في قول سيد البلغاء والمتكلمين الامام علي (عليه السلام): فالناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
لاينشغل الامام الراحل كثيرا في التفسير للاية، فغايته اكتشاف دلالاتها العملية وما يمكن ان تقدمه لنا من امكانية السلوك والتصرف مع الاخرين، لذا فبعد ان يمر على تفسير وشرح الآية المباركة مرورا سريعا، يقدم لنا دلالاتها الثرة، وهي ان (من أهم الأمور التي أكد عليها الإسلام تأكيداً بالغاً، هو احترام الإنسان بما هو إنسان، مع قطع النظر عن لونه ولغته وقوميته ودينه ورأيه).
وكل واحدة من هذه التقاطعات الخمسة، بما آلت اليه في الايديولوجيات قديمها وحديثها، من عنصريات لونية ولغوية، ومن شوفينية متعالية اقصائية وإلغائية، الى قهر واستبداد ومصادرة للحريات، هي ليس مما دعا اليه القران الكريم، وما سار به تطبيقا رسول الاسلام (صلى الله عليه واله) واهل بيته (عليهم السلام)..
ولا يكتفي الامام الشيرازي بتأكيد تلك الحقيقة، وقد يظن القارئ للوهلة الاولى انه يقصد بالإنسان، الانسان المسلم، لكنه يضيف اليه تاكيدا اخر حين يقول (قدس سره): (الإسلام يؤكد على احترام كل الناس حتى إذا كانوا كفاراً غير مسلمين؛ لأن الإنسان بما هو إنسان محترم).
ويعتبر مبدأ التكريم، هو الأصل الأولي الذي أقره القرآن الكريم في آية التكريم، تكريماً ذاتياً بالعقل، وحسن الخلقة، وتهيئة أسباب الراحة لـه، وتسخير كل شيء لأجل منافعه، إلى غير ذلك من أنواع التكريم، وقد جاء التكريم بصيغة الجمع بلا ملاحظة الجوانب الأخرى.
اضف تعليق