ان خلايا الدم الجذعية تطرأ عليها تغيرات مماثلة لدى كبار السن من البشر، ويعتقد باحثون أن هذه التغيرات من شأنها أن تضعف قدرة الجسم على شن استجابات مناعية جديدة بالأجسام المضادة والخلايا التائية. ولعل هذا يفسر كون كبار السن أكثر عرضة للتأثر سلبًا بشدة بحالات العدوى بالممرضات مثل الفيروسات...
طوَّرت مجموعة من الفئران الشائخة استجابات مناعية تنم عن نظام مناعي أكثر شبابًا بعد أن عمد فريق من العلماء إلى تقليل عدد من الخلايا الجذعية المارقة لديها1. وقد عززت هذه التقنية استجابات الفئران المناعية لعدد من حالات العدوى الفيروسية وقللت المؤشرات الدالة على تعرضها لالتهاب.
نشر فريق العلماء هذه المقاربة التي استخدمها في السابع والعشرين من مارس الماضي في دورية Nature، وهي تقوم على معالجة الفئران الشائخة بأجسام مضادة لتقليص عدد مجموعة من الخلايا الجذعية التي تنتج طيفًا من أنواع الخلايا الأخرى، ومن بينها خلايا تسهم في الإصابة بالالتهابات، التي قد يدمر فرطها الجسم ويشيع الاضطرابات به. وهذه الخلايا الجذعية المُحفزة للالتهاب تصبح السائدة مع تقدم الفئران والبشر في العمر.
لكنّ هذه المقاربة العلاجية يُتوقع ألا تسنح تجربتها بين البشر إلا بعد سنوات، مع أن العديد من الخصائص البيولوجية للخلايا الجذعية التي يرتكز عليها إنتاج الخلايا المناعية تتشابه بين الفئران والبشر. غير أن هذا الابتكار هو "خطوة أولى مهمة"، بتعبير روبرت سينجر، اختصاصي بيولوجيا الخلايا الجذعية من جامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييجو الأمريكية، الذي لم يشارك في الدراسة، لكنه أضاف: أتحرق شوقًا لمعرفة الخطوة التالية لهذا العمل البحثي".
اختلال توازن
على مدار عقود، بذل الفريق البحثي للباحث إيرف وايزمان من جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية جهودًا مضنية في تتبع مصير خلايا الدم الجذعية، وهي خلايا تعوض الفاقد في مخزون الدم من خلايا الدم الحمراء (التي تحمل الأكسجين من الرئتين إلى جميع أجزاء الجسم)، ومن خلايا الدم البيضاء (التي تُعد عنصرًا حيويًا في النظام المناعي).
وقد لاحظ وايزمان وفريقه البحثي في عام 2005 أن مجموعات هذه الخلايا في الدم تتغير مع تقدم الفئران في العمر2، ففي الفئران اليافعة، نجد توازنًا بين أعداد نوعين من خلايا الدم الجذعية، كل منهما يشكل احد شقين مختلفين للجهاز المناعي. ينتج الشق "التكيفي" الأجسام المضادة والخلايا التائية لاستهداف مُمْرِضات بعينهاـ أما ‘الشق "الفطري"، فينتج استجابات مناعية معممة، مثل الاستجابات الالتهابية لحالات العدوى.
وفي الفئران الشائخة، يختل هذا التوازن العددي لترجح كفة الخلايا المناعية المُحفزة للالتهاب من الجهاز المناعي الفطري.
وقد أُفيد بأن خلايا الدم الجذعية تطرأ عليها تغيرات مماثلة لدى كبار السن من البشر، ويعتقد باحثون أن هذه التغيرات من شأنها أن تضعف قدرة الجسم على شن استجابات مناعية جديدة بالأجسام المضادة والخلايا التائية. ولعل هذا يفسر كون كبار السن أكثر عرضة للتأثر سلبًا بشدة بحالات العدوى بالممرضات مثل فيروسات الإنفلونزا وفيروس «سارس-كوف-2»، كما أنه يوضح السبب وراء ضعف استجاباتهم المناعية للتطعيمات مقارنة بنظرائهم الأصغر سنًا.
تصحيح اختلال التوازن
إن صح هذا، فربما يؤدي تصحيح اختلال التوازن العددي بين مجموعات خلايا الدم الجذعية إلى إعادة الشباب إلى النظام المناعي وقد تحقق الفريق البحثي من صحة هذه الاحتمالية باستحداث أجسام مضادة ترتبط بخلايا الدم الجذعية التي تنتج بالدرجة الأولى خلايا الجهاز المناعي الفطري. بعد ذلك، عمد الفريق البحثي إلى غرس هذه الأجسام المضادة في فئران شائخة، أملًا في أن يدمر الجهاز المناعي لديها الخلايا الجذعية التي ترتبط بها هذه الأجسام المضادة.
ونجح هذا العلاج في إعادة الحيوية للنظام المناعي لدى الفئران المُعالجة. فأظهرت استجابة أقوى للتطعيم، وقدرة أكبر على التصدي لعدد من حالات عدوى فيروسية، مقارنة بالفئران الشائخة التي لم تتلق العلاج. كذلك أنتجت الفئران التي خضعت لهذا العلاج مستويات أقل من البروتينات المرتبطة بالاستجابات الالتهابية، مقارنة بنظيرتها التي لم تتلق العلاج.
تعقيبًا على ذلك، يقول سينجر إن هذه النتائج تُعد برهانًا قويًا على أن اختلاف مجموعات خلايا الدم الجذعية يؤثر في شيخوخة الجهاز المناعي.
أما إنكا مونتيسينو رودريجيز، المتخصصة في دراسة نمو خلايا الدم البيضاء من كلية ديفيد جيفين للطب بجامعة كاليفورنيا في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية، فترى أنه من المحتمل أن هذا العلاج لم يؤثر فحسب في نوع خلايا الدم الجذعية السائد، بل ربما كان يؤثر أيضًا في بيئة خلايا الدم الجذعية. ومن المحتمل أيضًا أنه عمل على إزالة الخلايا الشائخة من الجسم، أو حفَّز استجابات مناعية تؤثر في كيفية استجابة الفئران للتطعيمات.
حول ذلك، يقول وايزمان إن فريقه البحثي يعكف على ابتكار نهج يسير على هذا المنوال لتصحيح توازن خلايا الدم الجذعية البشرية الشائخة. بيد أنه حتى بافتراض حصول هذه الأبحاث على التمويل الكافي، وعدم حدوث انتكاسات مفاجئة، لا يُتوقع بدء تجربة هذا العلاج بين البشر إلا قبل مرور ثلاث إلى خمس سنوات أخرى على أقل تقدير.
وفي هذه الأثناء، يعتزم فريق وايزمان مواصلة دراسة الفئران لمعرفة المزيد عن تأثيرات هذا العلاج القائم على الأجسام المضادة، ويشمل ذلك معرفة ما إذا كان هذا العلاج يؤثر على معدلات نشوء الأورام السرطانية أو الأمراض الالتهابية، الأمر الذي يعلق عليه وايزمان قائلًا: "الاختلافات في النظام المكوِّن للدم بين الشباب وكبار السن تصنع فارقًا كبيرًا، لا ينحصر في منطقة النخاع العظمي، بل يشمل الجسم بأكمله".
اضف تعليق