عندما ندرك كم أن حلم الفيروسية لا يأخذ في الاعتبار سياق الشبكة، يصبح من الأسهل فهم سبب فشل العديد من مبادرات الابتكار وجهود التغيير. ويعني تقدير سياق العدوى تقدير مدى تأثير تبني السلوك الجديد في كل من الآثار التعويضية والتعزيز الإيجابي. وإذا رعينا هذا الفهم...
دايمون سنتولا
يشرح الاتجاه الأخير للفكر في الشبكات الاجتماعية سبب انتشار التكنولوجيات الحديثة والسلوكيات المبتكرة. ولا يتعلق الأمر بـ«الانتشار الفيروسي»
عندما أُطلِق تويتر في مارس 2006، لم تتحرك الأرض من مكانها. وكان مؤسسوه وعدد قليل من الممولين المبكرين متحمسين للتكنولوجيا، لكن موقع التدوين المصغر لم يكن الموقع الرائد الذي قد تتخيلونه، بالنظر إلى أن لديه الآن أكثر من 300 مليون مستخدم وصار أداة تسويق مؤثرة بشكل كبير للأعمال والمؤسسات غير الربحية وحتى السياسيين. وبدلاً من ذلك، زحف تويتر في الأشهر الأولى، ونما ببطء. إذاً، ما الذي حدث لتحويله من فاشل آخر إلى واحد من أكبر منصات التواصل في العالم؟
يبدو تويتر على السطح نوعاً من التكنولوجيا التي يشير إليها الصحافي مالكولم غلادويل، وأستاذ التسويق في كلية وارتون جونا بيرغر بأنها «مُعدِية».1 ولتحفيز النمو في تويتر، فقد قرر مؤسسوه الترويج له في مؤتمر ساوث باي ساوث وست التفاعلي في عام 2007، حيث حقق نجاحاً كبيراً. ومن هناك، يفترض الأشخاص أنه انتشر بسرعة في الولايات المتحدة عبر الإنترنت، وذلك بفضل جهات الاتصال الاجتماعية المرتبطة بما يسميه الباحثون في الشبكات علاقات ضعيفة وجسور طويلة.2 وبعد سنتين في عام 2009، قفزت عمليات تبني تويتر إلى مدار عالمي عندما أرسلت إحدى رائدات الرأي الرئيسيات، أوبرا وينفري، أول تغريدة لها في برنامجها الحواري.
وهذه الرواية Narrative سهلة الفهم وجاذبة. فهي تعطي الشركات الناشئة Startups، والأشخاص الذين يستثمرون فيها، خارطة طريق للنجاح. ولسوء الحظ، فهي أيضاً غير دقيقة، وتؤدي خارطة الطريق إلى طريق مسدود.
وفي دراسة مثيرة للاهتمام كُشِف عن نمط النمو الفعلي في تويتر على أنه جغرافي بشكل مثير للدهشة.3 فالأصدقاء والجيران تبنوا التكنولوجيا من بعضهم بعضاً بالطريقة التي ينضم بها الأشخاص إلى مناسبة لجمع التبرعات لرابطة تجمع أهالي الطلاب والمدرسين أو يشعرون بالحماسة لمرشح لموقع بلدي. ولم ينتشر تويتر بسرعة هائلة عبر الإنترنت؛ فقد انتشر محلياً، مثل حركة اجتماعية شعبية Grassroots social movement.
وعلى الرغم من أن هذا التفسير لنجاح تويتر أقل إثارة من القصة المعتادة عن «الانتشار الفيروسي»، فهو مفيد أكثر بكثير لفهم كيفية تشجيع الشبكات الاجتماعية على التغيير السلوكي. ويتوافق مع مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تصف التغيير السلوكي باعتباره عدوى معقدة تحتاج إلى علاقات مُعزِّزة وجسور واسعة لتنتشر. وسنستكشف هذه المفاهيم هنا. فهي عناصر أساسية في قواعد لعبة الانتشار للشركات التي تحاول إطلاق الابتكارات وتسهيل تبنيها من قبل كل من العملاء والموظفين.
حالات العدوى: البسيط في مقابل المعقد
دعونا نبدأ بمناقشة التمييز الأساسي لكن غير المُدرَك في كثير من الأحيان بين نوعين من حالات العدوى: البسيط، والمعقد.4 حالات العدوى البسيطة (أو الفيروسية)، مثل انتقال الإنفلونزا أو الحصبة، تنتشر من خلال جهة اتصال مفعَّلة منفردة. وتتطلب حالات العدوى المعقدة، مثل تبني سلوكيات جديدة، مصادر متعددة للتعرض.
وعلى الرغم من أن شخصاً واحداً فقط في شبكتكم قد يكون مصاباً بالإنفلونزا، فإذا عطس ذلك الشخص في وجهكم، من المحتمل أن تُصابُوا بها. وإذا عطستم بدوركم في وجوه الآخرين، يمكن أن يُصابُوا بالعدوى، وهكذا. فالجراثيم تتحرك بسرعة. ولا يحتاج أي شخص في أي وقت إلى أن يُقنَع ليُصَاب بالمرض.
ومثل الإنفلونزا، تنتشر معظم المعلومات عبر العدوى البسيطة. فإذا كنتم تعرفون نتيجة المباراة النهائية اليوم، يمكنكم تكرارها بسهولة في حفلة. ويعلم أي شخص يستمع إليكم أيضاً النتيجة ويمكنه بسهولة مماثلة تكرار هذه المعلومات للآخرين. فالأخبار تنتشر من دون عناء من خلال شبكة.
وليست هذه هي الحال بالنسبة إلى الابتكارات والممارسات التكنولوجية – أو، في الواقع، أي شيء ينطوي على تغيير سلوكي ذي معنى – لأن التبني غالباً ما ينطوي على مخاطر مالية ونفسية، أو مخاطر تتعلق بالسمعة. وتساعد أربع آليات نفسية على الأقل على تفسير سبب تطلب العدوى المعقدة مصادر متعددة للتعزيز:
- التكاملية الاستراتيجية: كلما ازداد عدد الأشخاص الذين يتبنون ابتكاراً أو سلوكاً، ازدادت قيمة الابتكار أو السلوك. وحتى التكنولوجيات المجانية و/أو السهلة الاستخدام، مثل تويتر وفيسبوك (والهواتف وأجهزة الفاكس)، تستغرق وقتاً وتعرضاً لتنتشر، بالنظر إلى أن قيمتها تزداد مع عدد المستخدمين الذين تعرفونهم.5
- المصداقية: كلما ازداد عدد الأشخاص الذين يتبنون سلوكاً، وازدادت ثقتنا بهم، ازداد تصديقنا أن السلوك يستحق التكلفة أو المخاطرة الخاصتين بتبنيه. وتكون المصداقية مهمة جدا عندما يقرر الأفراد أو المؤسسات إذا كانوا سيستثمرون في تكنولوجيات جديدة باهظة الثمن، مثلاً.
- الشرعية: كلما ازداد عدد الأشخاص الذين يتبنون سلوكاً، ازدادت التوقعات بأن يوافق آخرون على قرار التبني، وأن يقل خطر التعرض إلى الإحراج أو المعاقبة. فكروا في اتجاهات الموضة.
- العدوى العاطفية: كلما ازداد عدد الأشخاص الذين يتبنون سلوكاً، ازدادت حماسة الأشخاص الآخرين لتبنيه. وتكون هذه الآلية سيدة الموقف في ورشة عمل حيث يعزز المشاركون حماسة بعضهم بعضاً لتعلم ممارسة جديدة.
تقبع في قلب كل الآليات الأربع الحاجة إلى التأكيد الاجتماعي من أكثر من شخص واحد. وهذا أمر نميل جميعاً إلى السعي إليه في قرارات «التبني»، مثل الاستثمار في تكنولوجيا أو سوق جديدة أو اختيار شريك لمشروع جديد؛ لأن المخاطر كبيرة ونحن نريد التخفيف منها. وبينما قد تكون حالات التعرض المتعددة للشخص نفسه كافية لحالات العدوى البسيطة لكي تنتشر، تكون المصادر المتعددة للتعرض ضرورية لنقل حالات العدوى المعقدة. وإذا كنا نعرف العديد من الأشخاص الذين يمكنهم أن يؤيدوا التكنولوجيا الجديدة أو شريك الأعمال الذي نفكر فيه، فسيتملكنا شعور أفضل بكثير في شأن المشاركة.
سؤال أساسي كيف يمكن للشركات تعزيز قدرتها على نشر الابتكارات خارجياً وداخلياً معاً؟ الاستنتاجات:
- الاعتراف بالتغيير السلوكي باعتباره عدوى معقدة، فهو على عكس تبادل المعلومات، يحتاج إلى مصادر متعددة من التعرض لينتشر.
- فهم ماهية “الروابط القوية” و”الجسور الطويلة” وكيف تدعم اعتماد التقنيات والسلوكيات الجديدة.
- تقدير الدور الذي يؤديه الوسطاء الأفراد في ربط المجموعات المتباعدة، لكن مع إدراك أن من غير المحتمل أن ينقلوا الممارسات أو المعايير التي تتطلب موافقة اجتماعياً.
الروابط الاجتماعية: الضعيفة في مقابل القوية
بمجرد أن نعترف بأن تغيير السلوك هو عدوى معقدة، يجب علينا أيضاً إعادة النظر في الحكمة التقليدية المتعلقة بالعلاقات الضعيفة والقوية في الشبكات الاجتماعية.
فالتمييز بين العلاقات الضعيفة والقوية، الذي قدمه مارك غرانوفتر في سبعينات القرن العشرين، قوي وواضح: إن معارفكم العارضين –أي الأشخاص الذين تلتقون بهم في مؤتمر، أو سيارة أجرة أوبر Uber، أو رحلة بحرية– هم روابطكم الضعيفة. فهم عبارة عن روابط عشوائية تربطكم بأشخاص جدد. هم دائرتكم الاجتماعية الخارجية. وعلى العكس، فإن أصدقاءكم المقربين وأقاربكم هم روابطكم القوية الموثوقة. هم يشكلون دائرتكم الاجتماعية الداخلية.
ووجد غرانوفتر أن العلاقات القوية ليست طريقة رائعة لنشر فكرة جديدة.6 لماذا؟ لأن الجميع يعرفون بعضهم بعضاً، لذلك هناك تكرار غير مجد. وحتى إذا كانت رسالتكم راسخة ومحبّبة، وإذا كانت تنتشر فقط من خلال روابط قوية، فهي تظل تتنقل في المجتمع الصغير للأشخاص الذين يعرفون بالفعل عن هذه الرسالة.
وحدد غرانوفتر العلاقات الضعيفة كحل لهذه المشكلة المحبطة. فهي تربطكم بأشخاص لن تكتشفوهم، وأفكار لن تكتشفوها من خلال علاقاتكم القوية. وهم أفضل أشخاص تجندونهم في حملاتكم الترويجية لأنكم لا تعرفونهم جيداً. وهم يربطونكم بغرباء – أشخاص لا تعرفونهم على الإطلاق، وعلى الأرجح لن تعرفوهم أبداً. وهم يعطون فكرتكم نطاقاً من خلال إنشاء رابط غير مرئي بين شبكتكم وأطراف ليس لديكم إمكانية وصول مباشر إليها.
وفي الواقع، تأتي قوة المؤثرين – مثل أوبرا وينفري – من أن لديهم كثيراً من الروابط الضعيفة في شبكاتهم الاجتماعية. وتصل رسائلهم إلى المئات من الدوائر الاجتماعية، مما يعرّض فكرة ليس فقط إلى العديد من الأشخاص لكن أيضاً إلى أنواع كثيرة من الأشخاص. وهذا التعرض هو جوهر الانتشار الفيروسي.
وبالنسبة إلى حالات العدوى البسيطة، فإن الروابط الضعيفة هي كل ما تحتاجون إليه. لكن بينما جادل غرانوفتر في أن «كل ما سينتشر» سينتشر بشكل أكثر فاعلية من خلال روابط ضعيفة، لا يمكننا أن نعمم من انتشار حالات عدوى بسيطة إلى انتشار حالات العدوى المعقدة.7
وكما تبين، تحتاجون إلى روابط متكررة لجعل الأشخاص يتبنون سلوكيات جديدة، ولا يدرك معظم المسؤولين التنفيذيين ذلك. فهم أكثر ميلاً إلى تأييد النظريات الفيروسية لانتشار الابتكار، متبعين غلادويل، الذي كتب، «قد تكون الأفكار معدية تماماً بالطريقة نفسها التي يكون بها الفيروس».8
وفي الواقع، كلما كانت العدوى أكثر تعقيداً، ازداد اعتماد انتشارها على التأكيد الاجتماعي من مصادر متعددة. وللأسباب نفسها التي قال غرانوفتر في شأنها إن العلاقات القوية تمنع حالات عدوى بسيطة مثل تبادل المعلومات، تسهل هذه العلاقات عدوى معقدة مثل تبني الابتكار.
الجسور: الضيقة في مقابل الواسعة
ليست الثقة المتأصلة في العلاقات القوية الميزة الوحيدة التي توفرها الجسور لنشر عدوى معقدة. فالميزة الأكثر أهمية هي التعزيز الذي ينتج من مصادر متعددة للتعرض. وهذا هو السبب الذي يجعل الفهم الفاحص للجسور أساسياً لفهم الانتشار.9
ومنذ العمل الرائد الذي أنجزه غرانوفتر حول الانتشار، سُمِّيت الروابط بين الأجزاء البعيدة من مجموعة سكانية بالجسور. وعادة ما نقيس قيمتها بطولها (المسافة التي يمتدها الجسر)، ونعتبر الجسور الطويلة مسارات لأداء العلاقات الضعيفة عملها الفيروسي. فهي تنشر حالات العدوى البسيطة عبر النطاق، وليس من خلال التكرار.
مثلاً، في شركة لا يمتلك أعضاء الفريق الهندسي أي اتصال مباشر بأعضاء فريق المبيعات، فلنقل إن مهندساً واحداً، هو جاكوب، ابتعد عن مساره للربط بأحد شركاء المبيعات، وهو رشيد. والعلاقة بين جاكوب ورشيد هي العلاقة الوحيدة بين المجموعتين، ولأن هذه العلاقة تربط بين جزأين متميزين من شبكة اجتماعية، فإنها تعمل كجسر بينهما، لن يكون من دونه تواصل مباشر. وبعبارة أخرى، يكون الجسر رابطاً طويل المسافة.
وكلما كان جاكوب أكثر ريادة، كان بإمكانه البحث عن مزيد من هذه الروابط. فهو يستطيع إنشاء جسور لمجموعات التصنيع والتصميم والتسويق. ومن خلال القيام بذلك، سيقدم جاكوب خدمة رائعة للمؤسسة؛ لأن هذه الجسور ستسرع من انتشار المعلومات الجديدة. وليس ذلك من قبيل المصادفة؛ لأن لديه كثيراً من الروابط الطويلة المسافة في المؤسسة، كما يضع نفسه كطرف فاعل مهم جداً في الاقتصاد التنظيمي لوساطة المعلومات.
لكن يمكننا أيضاً قياس الجسور وفق عرضها (أي عدد الروابط التي تحويها). فبدلاً من تشكيل روابط جديدة مع العديد من الأقسام المختلفة، ماذا لو قدم جاكوب رشيد إلى بعض زملائه في الهندسة، وأعد رشيد بدوره عدة لقاءات لإنشاء روابط بين شركاء المبيعات الآخرين وبعض أصدقاء جاكوب في الهندسة؟ ستؤسس هذه التفاعلات مسارات جديدة للتواصل بين الهندسة والمبيعات. ومن وجهة نظر جاكوب، فقد ضاعت بعض ميزاته الهيكلية. فهو لم يعد الوسيط الوحيد لتدفق المعلومات بين الهندسة والمجموعات الأخرى. لقد صار الجسر بين الفرق الهندسية وفرق المبيعات أوسع بكثير، وهو يضم الآن العديد من العلاقات الوثيقة بدلاً من علاقة واحدة طويلة المسافة بين جاكوب ورشيد.
لماذا يتخلى جاكوب عن موقعه الفريد في الوساطة عند تقاطع الهندسة وعدة أقسام أخرى لإنشاء روابط تعزيز بين الهندسة والمبيعات؟ هل يؤدي عدم وجود روابط طويلة المسافة إلى إبطاء عملية انتشار حالات العدوى البسيطة؟ نعم، لكن بالنسبة إلى حالات العدوى المعقدة، تكون العلاقات الطويلة المسافة هي المشكلة بالتحديد. فالإشارة التي تنتقل عبر جسر ضيق تصل وحدها من دون أي تعزيز اجتماعي. وبعبارة أخرى، لا تنشئ الجسور الضيقة مسارات مفيدة لكي تنتشر حالات العدوى المعقّدة.
إضافة إلى عدم المساعدة، يمكن للجسور الضيقة أن تؤذي الانتشار. فالجهود الرامية إلى إنشاء مسارات أكثر كفاءة لتسريع تدفق المعلومات بين الروابط الضعيفة البعيدة قد تقوض من دون قصد التعزيزَ الاجتماعيَّ الضروريَّ للحفاظ على الأثر السلوكي. مثلاً، لنفترض أن الجميع في المجموعة الهندسية يتبعون القيادة الرائدة لجاكوب في إنشاء روابط الوساطة في المؤسسة – وفي هذه العملية، يهملون روابطهم «داخل المجموعة» مع أعضاء الهندسة لصالح رعاية العلاقات «خارج المجموعة» مع أعضاء الأقسام الأخرى، مثل المحاسبة وخدمة العملاء. وبما أن رواد الأعمال الاجتماعيين يقيمون مزيداً من العلاقات في المؤسسة؛ فإنهم يحافظون على عدد أقل من الروابط داخل الهندسة. النتيجة عكسية: قد تفشل مبادرة لنشر ابتكار جديد داخل فريقهم؛ لأن المهندسين أصبحوا يركزون على علاقاتهم الضعيفة فلم يعودوا يمتلكون سوى الحد الأدنى من الروابط في مجموعتهم الخاصة. وهذا له آثاره في أي إعداد قد يؤدي فيه إنشاء شبكات لنشر المعلومات بسرعة إلى تقويض أهداف نشر الابتكار السلوكي – مثلاً، عندما تحاولون تنمية تضامن المجموعة، أو نشر المعرفة الفنية المعقدة، أو نشر معايير ثقافية جديدة في مؤسسة.10
الجسور الضيقة هي النقطة التي تتضعضع عندها القصة الفيروسية لنجاح تويتر: لمجرد أن شخصاً واحداً تعرفونه يستخدم تويتر، لن يقنعكم ذلك بالضرورة باستخدامه أيضاً. فالعِلْم عن الأمر بسرعة من خلال جهة الاتصال الوحيدة تلك لن يحفز التبني. يجب أن يستحق الأمر وقتكم. فالسبب في استخدامنا تويتر يعود إلى أن العديد من الأشخاص الآخرين يستخدمونه. ومن دونهم، يكون تويتر غير مفيد. أما الجسور الواسعة فجعلت تويتر ينجح.
وليس تويتر فقط. في السنوات القليلة الماضية وجد الباحثون أن فيسبوك وسكايب Skype انتشرا أيضاً من خلال عدوى معقدة – للسبب نفسه مثل تويتر.11 فكل المواقع تستحق تبنيها فقط إذا تبناها أيضاً العديد من الأشخاص الذين ترغبون في التفاعل معهم. ولا بد أن يكون التعزيز الاجتماعي من خلال الجسور الواسعة، ولاسيما خلال الانتشار المبكر. ويكون الإسراف، وليس النطاق، هو شعار نشر حالات العدوى المعقدة.
نشر الابتكارات داخل المؤسسات وبين أجزائها
توضح قصة جاكوب المهندس أيضاً مفهوم عالم الاجتماع رونالد بيرت عن الثقوب الهيكلية، وهذا المفهوم هو مصدر ما قد يكون أكثر تطبيقات نظرية الشبكة تأثيرا في المؤسسات.12 ويحدد بيرت ثقباً هيكلياً كفجوة بين مجموعتين اجتماعيتين مختلفتين تمنع إمكانية الوصول إلى المعلومات غير المكررة.
وتكون المنافع الاستراتيجية للوسطاء الفرديين الذين يجسرون الثقوب الهيكلية ضخمة. فلديهم إمكانية الوصول الحصرية إلى معلومات جديدة. ومن الأرجح أن يكونوا ضمن المجموعة التي يُتاح لها الاطلاع على فرص جديدة،؛ لأن بروزهم يزداد من خلال تنوع جهات اتصالهم. وتولد هذه المنافع مزيداً من المنافع: مثلاً، إن إمكانية وصول الوسطاء إلى معلومات جديدة تجعلهم روابط أكثر جاذبية للأشخاص الآخرين الذين يتطلعون إلى إقامة روابط وساطة.
وفي المقابل، يمكن ترجمة هذه المنافع إلى قيمة تنظيمية. فمن دون وسطاء، قد تفشل المعلومات في الانتشار إلى ما بعد المجموعات القائمة. لذلك يجادل كثر في أن الجسور التي تمتد عبر الفجوات الهيكلية تؤدي دوراً أساسياً في تعزيز التبادل الثقافي ونقل المعرفة داخل الشركات وبين أجزائها.13
لكن الوسطاء أقل قيمة في مجال تعزيز تبني الابتكار والتغيرات السلوكية الأخرى في المؤسسات. فهم من غير المحتمل أن ينقلوا ممارسات أو معايير تتطلب التعزيز الاجتماعي، وذلك لثلاثة أسباب حاسمة.
أولاً، ليس الوسيط الفردي بالضرورة جديراً بالثقة. فهذا الشخص يمكن له أن يستغل كلا الجانبين لصالحه، ويعلم الطرفان أن الوسيط هو الرابط الوحيد بين المجموعتين اللتين لا تكونان مترابطتين بخلاف ذلك. وربما لا تترتب على ذلك أي نتيجة ذات دلالة بالنسبة إلى نشر المعلومات البسيطة، لكن من أجل انتشار ممارسة أعمال جديدة أو تبني أداة جديدة مكلفة، يمكن لصدق الرسول وموثوقيته أن يوازي الرسالة على صعيد الأهمية.14
ومع وجود جسور واسعة، تكون للأفراد على جانبي الجسر عدة جهات اتصال مشتركة. ومن ثم، تضع إمكانية تأثر سمعة كلا الطرفين قيوداً على تصرفات المشاركين في الجسر.15 فمن الممكن الكشف عن سلوك مستهتر أو استغلالي لدى مشارك في جسر، ومن ثم يقل احتمال وقوع مثل هذا السلوك.
الإشارة التي تنتقل عبر جسر ضيق تصل وحدها من دون أي تعزيز اجتماعي. لذلك، لا تنشئ الجسور الضيقة مسارات مفيدة لنشر حالات العدوى المعقّدة.
وتزيد الجسور الواسعة بين المجموعات من موثوقية الرسائل المقبلة من أجزاء أخرى من المؤسسة.
ثانياً، ليست التكنولوجيا أو الممارسة الجديدة المبتكرة لمجموعة واحدة مفيدة بالضرورة لمجموعة أخرى. فحتى إذا كانت للوسيط نوايا حسنة، فقد تبدو مصالح مجموعة مبتكرة وأهدافها مختلفة عن تلك التي لدى مجموعة متلقية إلى درجة لا تبرر تبني التغيير.16
ولكن الجسر الواسع بين المجموعات يمكن أن يسهّل التبني. فإذا شارك أعضاء متعددون في مجموعة متلقية جهات الاتصال المشتركة مع أعضاء مجموعة مبتكرة، تزداد مصداقية التغيير. مثلاً، إذا امتلك فريق واحد في مؤسسة جهات اتصال متعددة في صفوف زملاء في فريق آخر يتبنى نوعاً جديداً من برمجيات إدارة المشاريع، يسمح هذا لهم بملاحظة مدى سهولة عمل أعضاء المجموعة المبتكرة معاً لاستخدام البرمجيات الجديدة ومدى فاعليتها في تحسين أدائهم. وتزيد حالات التعرض المعزِّزة من الاستعداد المحتمل للمجموعة المتلقية للتنسيق عند تبني البرمجيات.17
ثالثاً، يكون الوسيط الوحيد بين مجموعتين جسراً هشاً. وفي الواقع، فإن القوة التي يكتسبها الفرد من تولي هذا الموقع الهيكلي ترجع جزئياً إلى الخسائر التي ستتكبدها المؤسسة إذا غادرها. ويلغي التكرار هذه الميزة. فالجسور الواسعة تصمد حتى عندما يأتي الأفراد ويذهبون.
وتكون مزايا الجسور العريضة في مقابل روابط الوساطة ذات صلة خاصة بالشراكات بين المؤسسات. فكلما كانت الجسور أوسع بين المؤسسات، كانت هذه العلاقات أكثر موثوقية وثباتاً على الأرجح، وازداد أثرها في ثقافة كل مؤسسة وفي تبني الممارسات الابتكارية.18
عندما ندرك كم أن حلم الفيروسية لا يأخذ في الاعتبار سياق الشبكة، يصبح من الأسهل فهم سبب فشل العديد من مبادرات الابتكار وجهود التغيير. ويعني تقدير سياق العدوى تقدير مدى تأثير تبني السلوك الجديد في كل من الآثار التعويضية والتعزيز الإيجابي. وإذا رعينا هذا الفهم واعتمدنا على روابط قوية وجسور واسعة لنشر الابتكارات والسعي إلى تحقيق تغيير السلوك؛ يمكننا أن نحسن بشكل كبير نجاح جهودنا في الانتشار.
القوة التي يكتسبها الفرد من تولي هذا الموقع الهيكلي ترجع جزئياً إلى الخسائر التي ستتكبدها المؤسسة إذا غادرها. ويلغي التكرار هذه الميزة. فالجسور الواسعة تصمد حتى عندما يأتي الأفراد ويذهبون.
اضف تعليق