فما هو الضمان الصحي أو التأمين الصحي؟ وماهي فوائده للأفراد والجماعات المحلية لاسيما المجتمعات الفقيرة؟ وكيف يمكن أن يساعد في درء الاخطار عن المرضى العاجزين عن توفير المال اللازم للعلاج؟ وماهي الأدوار والمسؤوليات التي ينبغي أن تقوم بها الحكومة من جهة، والمجتمعات المحلية من جهة ثانية، لخلق...
جرى العرف على اعتبار الصحة أمراً يدخل في دائرة الشؤون الخاصة لا العامة، فكانت الصحة تُفهم دائماً على أنها "عدم وجود المرض" ولكن مع المتغيرات المجتمعية والبيئية، تغيرت رؤية الأفراد للصحة، وأضحت الصحة "حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز". ليس هذا وحسب، بل عد التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان.
حق الإنسان في الصحة، مسلم به في العديد من الصكوك الدولية والاقليمية. فالفقرة الاولى من المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن: "لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية". وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أشمل مادة تتعلق بالحق في الصحة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ووفقاً للمادة 12(1) من العهد، تقر الدول الأطراف "بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه".
ويقع الضمان الصحي أو التأمين الصحي لكل مواطن، عاملا كان أو غير عامل على عاتق الدولة، فهي المسؤولة الأولى عن توفيره وتهيئة الظروف التي يمكن فيها لكل مواطن أن يكون موفور الصحة بقدر الإمكان. وتتراوح هذه الظروف بين ضمان توفير الخدمات الصحية وظروف العمل الصحية والمأمونة والإسكان الملائم والأطعمة المغذية. فقد نصت المادة(17) من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام "من واجب الدولة والمجتمع حق الرعاية الصحية والاجتماعية بتهيئة جميع المرافق التي تحتاج إليها في حدود الإمكانات المتاحة". وتنص المادة نفسها على العلاج باعتباره من الحاجات الأساسية التي تكفلها الدولة.
فما هو الضمان الصحي أو التأمين الصحي؟ وماهي فوائده للأفراد والجماعات المحلية لاسيما المجتمعات الفقيرة؟ وكيف يمكن أن يساعد في درء الاخطار عن المرضى العاجزين عن توفير المال اللازم للعلاج؟ وماهي الأدوار والمسؤوليات التي ينبغي أن تقوم بها الحكومة من جهة، والمجتمعات المحلية من جهة ثانية، لخلق صحة مستدامة وتوفير الادوية والعلاج المجاني أو شبه المجاني لمن يحتاجه، كنظام سياسي واجتماعي يقوم على التعاون والتكافل بين الأفراد لتحمل ما يعجز عن تحمله أحدهم بمفـــرده؟
يقول أهل اللغة: إن التأمين في اللغة العربية مشتق من الأمن، وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف، وأمن أمنا وثق به وأركن إليه. وأما في الاصطلاح، فالتأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية يؤديها المؤمن له للمؤمن. ويتحمل بمقتضاه المؤمن تبعة مجموعة من المخاطر بإجراء المقاصة بينها وفقا لقوانين الإحصاء. .
وأما التأمين الصحي، فهو أحد أنواع التأمين ضد المخاطر الصحية التي تعترض حياة الناس، ويشمل تكاليف الفحص والتشخيص والعلاج، والدعم النفسي والجسدي، كما قد يتضمن تغطية الانقطاع عن العمل لفترة معينة أو العجز الدائم، وهو إحدى طرق إيصال الرعاية الصحية إلى الأفراد والمجموعات.
وهو في تعريف آخر، تأمين التكاليــف الطبية والإدارية، وجميع الخدمات والمستلزمات الطبية والعلاجية التي تغطيها الدولة وشركات التأمين. والتأمين الصحي عبــــارة عن اتفاق بين طرفين يتحمل فيه الطرف الأول النفقـــات المترتبـــة على الخدمات العلاجية المقدمة للطرف الثاني (فرداً كان أو جماعة) مقابل مبلغ محدد، يتم دفعه جملة واحدة أو على هيئة أقساط.
ولا شك أن ممارسة التأمين الصحي بتلك الكيفية تحد من التقلبات المفاجئة للمصروفات العلاجية التي يمكن أن يتعرض لها الفرد أو الجماعة عند تعرضهم لحالة مرضية طارئة، ويتيح لهم إمكانية مراجعة المستشفيات الخاصة في أي وقت للحصول على الخدمة الصحية اللازمة دون سداد فاتورة العلاج، حيث تتولى شركة التأمين عملية الدفع للمستشفى وفقا لنظام يتم الاتفاق عليه بين الطرفين.
ومن فوائد التامين الصحية أنه يقوم على نظرية الاعداد الكبيرة في الاشتراك، وفلسفة التكامل الاجتماعي في تحمل نفقاته، واعتماده على التمويل الذاتي من اشتراكات المشتركين مقابل تقديم الخدمات الصحية لهم ولعوائلهم. والتأمين الصحي يسهم في رفع الكفاءة والجودة في قطاع صناعة الطب والعلاج، ويمكن أن يوفر رؤوس أموال للمستشفيات والبرامج الصحية، تمكنها من تمويل نفسها وشراء الأجهزة ودعم الأبحاث وتقديم أجور عالية لاستقطاب الكوادر الصحية والفنية الماهرة.
تختلف أنواع التامين الصحي تبعا لطبيعة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، ومواردها وقدراتها الاقتصادية ومدى تخصيصها من موازنات لصالح التامين الصحي. وقد عرفت بعض الدول العربية عدة اشكال للتأمين الصحي أهمها التأمينات الاجتماعية التي توفر الرعاية لحالات العمل للعاملين المشمولين بهذا التأمين الذي تتم ممارسته عن طريق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والنوع الثاني من التأمين الصحي هو التأمين الصحي المباشر بين الشركات والمستشفيات لتوفير الرعاية الصحية لمنسوبيها.
ويمكن تحديد الأنواع المختلفة للتأمين الصحي المتعارف عليها عالميا بنظامين رئيسين هما: الأول، نظام التأمين الصحي الحكومية: وهو التامين الذي تنشئه وتديره الدولة، ويطلق عليه أيضا نظام التامين الصحي الاجباري، ويمول هذا النوع من التامين عن طريق الرسوم او الضرائب او الاثنين معا. وبموجبه يحق لكل دافع ضريبة أن يتلقى خدمة الرعاية الصحية التي تقدمها الدولة، مقابل الاقتطاع الاجباري لصالح الضرائب المخصصة لتمويل التأمين الصحي، ويطبق هذا النظام في الدول الأوروبية مثل سويسرا وألمانيا، وفي كل من أستراليا واليابان.
والثاني، هو نظام التأمين الصحي الخاص: يمكن تقسيم هذا النظام إلى نظامين هما التأمين التجاري والتأمين غير التجاري، وذلك حسب الجهة التي تقوم بتنفيذ وتمويل البرنامج، وما إذا كانت شركات أو مؤسسات تجارية أو تعاونية أو غير ربحية أو هيئات تطوعية، وينتشر التأمين التجاري في العديد من الدول، ويكون معظم الأحيان بالتوازي مع وجود نظام التأمين الحكومي.
في الواقع، تسعى كثير من الدول إلى جعل الرعاية الطبية والضمان الصحي متاحة للجميع كحق طبي أساسي. ومع ذلك فإن عددا قليلا من تلك الدول تمكن من إيجاد نظام صحي ممول يتمكن من تقديم خدمة صحية مستدامة لجميع مواطنيها. فعلى مستوى الدولة، فإن القطاع العام لا يملك القدرة على تلبية هذا الطلب المتزايد للخدمات الصحية، حيث تتسم الرعاية الصحية بانها من الخدمات الأعلى تكلفة في العالم، حيث يقدر ما يسدده العـالم سنوياً ٢ تريليون دولار ثمناً لفاتورة العلاج.
فالاعتماد بشكل أساسي على ميزانية وزارة الصحة في أي بلد يؤدي إلى حـدوث خلـل في التوازن بين الموارد والتكاليف، ومن ثم بات ضرورياً البحث عن قنوات تمويل جديدة تسد هذا الخلـل وتعيد التوازن الطبيعي لتلك المعادلة. أما على مستوى الفرد الطالب للخدمة الصحية، فإن التوجه نحو زيادة الاعتماد على القطاع الخاص في تقديم العلاج للمواطنين، خلق عبئاً جديداً على هؤلاء الذين اعتادوا تلقي علاجهم مجانـاً في المستشفيات الحكومية في الوقت الذي ارتفعت فيه تكاليف المستشفيات الخاصة.
بناء على ذلك، أصبح التأمين الصحي إلزاميا بشكل كامل في جميع الدول الأوربية مثل السويد والدانمرك وألمانيا والنرويج وبلجيكا وفنلندة، وكذلك كندا، وأصبح يغطي معظم خدمات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وكافة خدمات الرعاية الصحية في عدد من الدول الآسيوية مثل اليابان وسنغافورة. ففي تايلاند يقوم الموظفون في بداية كل سنة بتسجيل أسمائهم في إحدى المستشفيات التي تلعب دور المفدم الرئيسي، ويتم التمويل من خلال اشتراكات من الأشخاص المؤمن عليهم (1.5% من الراتب) ومن صاحب العمل ومن الحكومة وهذا النظام إجباري. وتتجه دول العام كافة لاعتماد التأمين الصحي كوسيلة لتوفير خدمات الرعاية الصحية للسكان.
نخلص مما تقدم الآتي:
أصبح الاهتمام بصحة المواطن أولوية قصوى ليس لاعتبارات إنسانية أو اجتماعية فحسب، إنما لاعتبارات اقتصادية بحته، فهو من أساسيات التنمية البشرية وهدفاً من أهدافها، لأن الاهتمام بالصحة يعتبر اهتماماً بالتنمية.
تتسم الرعاية الصحية بانها من الخدمات الأعلى تكلفة في العالم، ولا تستطع أي دولة ملاحقة ارتفاع تكاليف الرعاية الطبية والطلب على العلاج.
لا شك في أن أجور التأمين الصحي يستند إلى مصلحة الرعية، وخاصة في الدول الفقيرة التي لا تكفي مواردها لتقديم الخدمات الصحية ونحوها بالمجان.
أن التأمين الصحي فيه الحل لكثير من المعضلات الصحية، كما أن فيه فائدة لكافة الأطراف ابتداء بالمواطن المؤمن عليه، مروراً بجهات العمل وانتهاء بمقدمي الخدمات (الصحية والتأمينية)
يساعد التأمين الصحي أصحاب العمل على أداء التزامهم الأدبي -والقانوني في معظم دول العالم- تجاه العاملين لديهم.
اضف تعليق